تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
عندما سألت صديقي وأستاذنا، الدكتور سعد الدين إبراهيم، قائلاً: هل أسلمت أمريكا كي تساعد الإخوان في الوثوب على حكم مصر؟ قال لي: إن أمريكا لا يهمها من يصل إلى الحكم، ولكن يهمها من يرى مصالحها ويحافظ لها على هذه المصالح..
ولقد أخذت أفكر في ذلك، فما هي مصلحة أمريكا مع مصر، الدولة التي أصبحت تتسول قرضًا تسد به رمقها وعوزها، بعد أن نهبها أولاد الحرام، الذين لم يرعوا في هذا الشعب المسكين دينًا ولا خلقًا، بل النهب والسلب والاستحواذ على مقدرات البلاد وحق الفقراء كانت سياسة نظام وقح، استمر ثلاثين عامًا، قام خلالها بتجريف هذه الدولة من كل جميل، ومن كل صاحب ضمير يسعى للنهوض ببلده وشعبه، ولم يتوسد السلطة إلا مجموعة من المنتفعين..؟
إذًا مصلحة أمريكا ليست في ثروة مصر؛ لأنه لا يوجد ثروة، ولكن مصلحة أمريكا في المحافظة على سلامة الكيان الصهيوني، وضمان تفوقه الاقتصادي والعسكري؛ وبالتالي المحافظة على تخلف مصر اقتصاديًّا وعسكريًّا، وكان المخلوع خير من يقوم بهذه المهمة، فلما سقط المخلوع كان لا بد من البحث عن البديل الذي يرعى هذه المصالح، والمحافظة على أمن وسلامة دولة إسرائيل، وضمان تفوقها الاقتصادي والعسكري، مقابل المحافظة على تخلف مصر اقتصاديًّا وعسكريًّا، حتى اقتنع الأمريكان بأن الإخوان المسلمين هم خير من سيقوم بهذا الدور، بعد أن تعهدوا من خلال المبعوثين بالمحافظة على المصالح الأمريكية.
إذًا أمريكا لا يهمها مصلحة الشعب المصري وتحقيق أهداف الثورة في شيء، إن أمريكا تلهث وراء سياسة المنفعة، وقد قفز إلى ذهني «الأمير»، أقصد ميكافللي، «عميد السياسة النفعية» ومؤسس ما يطلق عليه الآن الفوضى الخلاقة، فأول من وضع نظرية الفوضى الخلاقة هو ميكافللي، الذي قال إنه من خلال الفوضى الخلاقة يخلق النظام الجديد، وهو مبدأ أخذته عنه السيدة «كوندليزا رايس»، وزيرة الخارجية الأمريكية في عصر الرئيس جورج بوش الابن، فهل ما نحن فيه الآن هو مخطط الفوضى الخلاقة بقيادة جماعة الإخوان؟
وقد قال الدكتور عمر الشوبكي بالنص: «إن الفوضى التي تعانى منها مصر الآن صارت تهدد ما تبقى من كيان الدولة، التي لم ينشغل الإخوان بترميمها وإصلاحها، وإنما حرصوا فقط على السيطرة عليها وإخضاعها لتنظيمهم، ودخلوا في صراعات مع أركانها، وتركوها تنزف وكأنها شهوة الانتقام وتصفية الحسابات، إن مشهدًا واحدًا لحملة الطوب والسنج والخرطوش في مظاهرة “,”تطهير القضاء“,” ستؤكد لنا أي مستقبل أسود ينتظر هذه البلاد إذ كان هؤلاء هم الذين سيقومون بتطهير القضاء»!!!
قفز إلى ذهني إخلاف الوعود المتكرر من الرئيس مرسي، والتي فاقت ما تعود عليه الناس، وأصبحت مادة إعلامية يتندر الناس بها.
تذكرت مقولة ميكافللي: على «الأمير» أن يكون مستعدًا دائمًا للتنكر لوعوده، ويعتبر ميكافللى أن من يتنكر لوعوده لبيد بصير بأمور الحكم، وبأنه لن يعدم وسيلة التنصل من وعوده وعهوده هذه، فهو يستطيع أن يقول مثلاً إن الأسباب التي أعطيت من أجلها هذه العهود والوعود لم تعد قائمة، وإنه حدثت متغيرات بالساحة تجعلني أتخلى عن وعودي هذه من أجل الصالح العام. وقال: إن من أتقن فن خداع الشعب يجد دائمًا من هم على استعداد لأن تنطلي عليهم هذه الخديعة وهذا الزيف.
بنظرة واحدة للأسباب التي ذكرها المستشار محمد فؤاد جاد الله ندرك مدى الخطورة التي تنتظر المستقبل المصري تحت قيادة تنظيم الإخوان.
فقد قال في أسباب استقالته: إنها من أجل إلقاء الضوء على حجم المخاطر التي يتعرض لها الوطن، إنها مخاطر الاستيلاء على الوطن وثورة الشعب وتيئيس الناس من جدوى ثورتهم.
ولو نظرنا في بعض هذه الأسباب، ومنها:
(1)عدم وجود رؤية واضحة لإدارة البلاد وبناء مستقبل لمصر وتحقيق أهداف ثورتها.
(2)محاولة اغتيال السلطة القضائية والنيل من استقلاله. (ونحن نضيف والسلطة العسكرية ومحاولة إخضاعها وتركيعها لنظام الإخوان، وتركيع الإعلام والأمن وهلم جرا).
(3)احتكار تيار واحد لإدارة هذه المرحلة، وعدم الرغبة في إشراك باقي التيارات في صنع القرار.
(4)العجز وعدم الرغبة في إجراء حوار وطني يضم جميع القوى السياسية لتحقيق التوافق السياسي والمجتمعي المطلوب لإدارة الأزمة التي يعيش فيها الوطن.
(5)التمسك بحكومة قنديل الفاشلة في جميع الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ولعل ذلك يفسر لنا التأجيل المستمر للانتخابات البرلمانية؛ حيث تأكد الاخوان الآن بأنهم أصبحوا من المنبوذين في المجتمع المصري، ونجاح حركة «تمرد» سببها فشل الإخوان في كسب ثقة الناس وعدم اطمئنان الناس لحكم الإخوان الذي يشتمُّون منه رائحة الفاشية القانونية.
إن ظهور جماعات «البلاك بلوك»، وغيرها من الجماعات التي سوف تظهر ردًّا على عنف الإخوان، سوف يزداد في المجتمع؛ لأن العنف المجتمعي تسأل عنه القيادة السياسية للبلاد، والتي تسد على الناس كل الأفق، وتنفرد بالسلطة، وتخون العهد، وتتنكر لوعودها؛ وهو ما يوجد حالات اليأس من إصلاح هذه السلطة لدى جموع الشباب، الذي سوف يمارس العنف المضاد لعنف السلطة الذي بدأه الإخوان بأحداث قصر «الاتحادية».
فعلى الشعب أن يستمر في ثورته السلمية، ولا ينجرف لمعارك يستدرج فيها الشباب الثوري للتخلص منه وتشويه صورته، وإيجاد المبرر لوضعهم في سجون النظام القمعي؛ حتى لا تقوم عليه الثورة، ولكننا نراها قادمة قادمة؛ فالأوضاع تزداد سوءًا، والشباب ذاق حلاوة النصر الذي صنعه بدمه، وقد حصده غيره متنكرًا لفضل الشباب في صناعة هذه الثورة المسروقة، وها هو قد عاد في حركة تمرد وغيرها.