تُعد افتتاحية العدد ٤٦٠ من صحيفة "النبأ" التي يصدرها تنظيم داعش نموذجًا واضحًا لأسلوب الخطاب التحريضي والدعائي الذى يعتمده التنظيم لترويج فكره المتطرف وتجنيد الأتباع.
هذه الافتتاحية تستغل الدين بشكل ممنهج، حيث تتمحور حول ربط الواقع المعاصر للمسلمين بفكرة الاضطهاد العالمي وضرورة الرد عليه بالعنف والجهاد المسلح.
وهو ما يعكس أدوات خطابية محددة تستهدف تأجيج مشاعر الغضب واليأس بين الجمهور المتلقي، خاصة من يعيشون في مناطق النزاع أو في مجتمعات تعاني من الظلم الاجتماعي أو السياسي.
الخطاب القائم على المظلومية
الافتتاحية تبدأ برسم صورة شاملة لما يصفه التنظيم بالبلايا والرزايا التي حلت بالمسلمين في العالم، حيث يشير إلى القمع والاضطهاد الذى يتعرضون له في مناطق مثل الصين، بورما، فلسطين، والعراق.
هذا التوصيف يهدف إلى خلق حالة من المظلومية الجماعية التي تشجع المتلقي على تبنى مواقف عدائية تجاه العالم الخارجي. استخدام مثل هذه التقنيات يعتمد على تكرار سرديات الاضطهاد بهدف استقطاب العاطفة وتعزيز شعور المظلومية، وهى مشاعر يستغلها التنظيم فى دفع الأفراد نحو العنف والجهاد المزعوم.
تشويه المفاهيم الدينية
تستند الافتتاحية إلى استخدام واسع ومغلوط للآيات القرآنية والنصوص الدينية بهدف تبرير العنف، حيث يُصور الجهاد كخيار إجباري وحل وحيد للتعامل مع ما يعتبره التنظيم اضطهادًا للمسلمين.
يتم استخدام النصوص الدينية بشكل انتقائي، دون مراعاة للسياقات التاريخية أو الفقهية، بهدف تحريف المعاني الأصلية وتحويلها إلى أدوات دعائية تحرض على التطرف.
على سبيل المثال، يُستشهد بآيات تتحدث عن القتال ضد من يعتدى على المسلمين، لكن يتم إغفال النصوص الداعية للتسامح والرحمة والسلام، مما يعزز من الصورة المشوهة للإسلام التي يروج لها التنظيم.
تعزيز الثنائيات.. الكفر والإيمان
تتبنى الافتتاحية نهج الثنائيات الحادة بين الكفر والإيمان، العزة والمذلة، الطاعة والمعصية، حيث يتم تصوير العالم في إطار صراع دائم بين الخير والشر. هذا الخطاب يعزز من حالة الانقسام المجتمعي ويعمق الشعور بعدم الانتماء أو الاندماج مع الآخرين.
وبهذه الطريقة، يدفع التنظيم الأفراد إلى الانعزال عن مجتمعاتهم المحلية والدخول في حالة من التطرف العقائدي، حيث يُنظر إلى كل من يخالف توجه التنظيم كعدو يجب مواجهته.
تشويه مفهوم الجهاد
واحدة من أبرز النقاط التي تبرز في الافتتاحية هي تشويه مفهوم الجهاد، حيث يُستخدم كأداة تحريضية للعنف العشوائي والقتل، متجاهلين الشروط الفقهية والدينية التي تُحيط بهذا المفهوم في الشريعة الإسلامية.
الجهاد وفقًا للتنظيم، هو قتال الجميع دون تمييز بين المعتدى والمظلوم، مما يؤدى إلى نشر الفوضى وإثارة الفتن بين المسلمين وغيرهم.
الأثر على تنامى التطرف والإرهاب
الخطاب الذى تقدمه افتتاحية "النبأ" له تأثير مباشر على تنامى ظاهرة التطرف والإرهاب. فمن خلال خلق شعور بالمظلومية وتعزيز مشاعر العداء والكراهية تجاه "الآخر"، يتم تهيئة الأفراد للانخراط فى الأعمال الإرهابية والعنيفة.
كما أن هذا الخطاب يسهم في تبرير العنف بوصفه أداة شرعية للتغيير، مما يدفع المتلقين إلى المشاركة في الحروب والنزاعات المسلحة أو الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
الأثر الأكبر لهذا النوع من الخطاب هو توسيع دائرة التطرف، حيث يستهدف الشباب المحبط والذى قد يكون عرضة للتلاعب العاطفي والديني.
من خلال استغلال الخطاب الديني وتأجيج مشاعر الغضب، يسهم هذا النوع من الافتتاحيات فى خلق بيئة خصبة لنمو التطرف، خاصة في المجتمعات الهشة التي تعانى من الفقر والظلم.
الخلاصة
الافتتاحية التي نشرها تنظيم داعش تعكس استراتيجية خطابية تهدف إلى استغلال الدين في تبرير العنف وتعميق الانقسامات بين المسلمين وغيرهم.
يعتمد التنظيم على خلق شعور بالمظلومية وإساءة تفسير النصوص الدينية لتبرير أجندته المتطرفة. هذا النوع من الخطاب لا يعزز فقط الكراهية والتطرف، بل يسهم بشكل مباشر فى نشر الإرهاب وتجنيد أفراد جدد لخدمة أهداف التنظيم.