الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

في حضرة الشعر والحب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لعله من الواجب أن نحرص على أن يظل الشعر ظاهرة "سوسيو ثقافية" ، نستطيع من خلال بعض قصائده استبصار قدر من الأمور المتصلة بالتركيبة النفسية والذهنية والاجتماعية على الرغم من هذا التقدم المذهل في المعطى الإبداعي والفني والرمزي الآني الإنساني.

أرجو ألا نسمح لحدوث اختلاف فيما بيننا حيال تصوري هذا، فهو أولًا وأخيرًا رأي، والخلاف لا يفسد للفن والإبداع قضية.

أقول هذا في الوقت الذي أواصل فيه حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الأسطر هذا السؤال:

هل الشعر جمال لغوي مطلق يريح النفس ولا ينبغي أن نبحث فيه عن المعنى؟، أم هو ذلك، مع محاولة النضال بشكل فني مع الواقع بشرف الكلمة التي تبني ولا تهدم، تنير ولا تثير، تجمع ولا تفرق؟

أدعو القارئ العزيز لمشاركتي قراءة هذا النسيج المخصوص من أنسجة البناء اللغوي من جسد الشعر وأنفاسه للشاعرة غالية حافظ، وللقارئ أن يشاركني الرأي في الإجابة.

الشاعرة غالية حافظ شاعرة وكاتبة سورية تتألق بالتفاعل الإبداعي والثقافي بالقلم والكاميرا والميكروفون والإعلام الإلكتروني، نشأت ودرست في "أبو ظبي"، وصدر لها ديوان بعنوان " همسات أنثى" عام ٢٠١٩ ، وهو مجموعة قصائد نثرية ولها مشاركات متميزة في عدة ندوات من خلال عدد من الصحف العربية والمحلية مثل جريدة الاتحاد - الخليج - الوحدة الالكترونية.

كما شاركت غالية حافظ بتقديم وإعداد الحوارات مع كتاب وأدباء في معرض أبوظبي الدولي للكتاب عام ٢٠٢٤، من بين تلك الحوارات حوارها مع الكاتب الروائي الكبير الأستاذ منير عتيبة حول روايته "نساء المحمودية" التي شارك بها في معرض أبو ظبي هذا العام ومسيرته الإبداعية الروائية والقصصية والإذاعية وفي كتابتها نجد ابتكاريات أسلوبية إبداعية باستخدام مفردات لغوية منتقاة بعناية تبرز ثراءها اللغوي وموهبتها الشعرية الفذة في نسج وصياغة أبنيتها اللغوية الشاعرة.

ولقد قرأت وسمعت للشاعرة الأستاذة غالية حافظ دفقا من الوجدانية العاطفية أظهرتهما لوحات شعرية تلون فيها المكنون الشعري بألوان من الرومانسية والإنسانية والمثالية ،مما جعلها ذات أسلوب شعري مميز.

نحاول استبصاره من خلال هاتين القصيدتين التاليتين، يمكننا أن نلمح في الأولى غزلا مترعا بعمق المعنى، وفي الثانية قدرا من الوجدانية الإنسانية المثالية لمبررات عشق الطفولة، كما سيتجلى لنا من خلال قراءتنا الثقافية التحليلية التالية بقدر من التأويل المتزن الذي يدرك دور المتلقي ذلك الضمير الغائب الحاضر.

نقرأ - أولا - قصيدة بعنوان"عاشقة" تقول فيها غالية حافظ:

هُوَ من خطفَ القلبَ

وتركَ مكانهُ أجراسًا

لأصلّي على أصواتِها

ولأنّ الحبَّ ميلادٌ

أعلنُ غرامي تارةً

وتارةً أكتمُ

تهيمُ الروحُ

وأراها سَكَنتْ

حروفَ اسمهِ

والوردُ تفتّحَ

في صدري

فغرّدت عصافيرٌ

وأشرقت شمسي

أهواهُ نعم أهواهُ

ومنْ مثلي

عاشقةٌ على محرابٍ

تدنو لنسمةٍ

حاملةً عطرَ

سيدِ الرجالِ

وتقول في قصيدة أخرى:

سنكبر لا بد ولا بد يومًا

أن نهربَ من هَرَمِ العمرِ بكذبةِ صبي

سنلعنُ الوقتَ الذي أسقطَ شمعة

فاحترَقَت بنارِها سَتائِرُ الجَسَدِ المُخمَلّي

قُل لَهُم يا حبيبي إنَّنا كنا نرتوي مِن كُلِّ حُزنٍ

فنختبئُ في ظلِّ شجرةٍ نضحكُ مِن كلِّ عطشٍ

سَنَكبُرُ حتى نعودَ أطفالًا

نخشى الظلامَ والوحدةَ وآلامَ الليل

ضاعت أمنياتٌ وأحلام في زحمةِ فراغ

فعادت ذكرياتٌ من دفترٍ مهترئ

ترقصُ مِن وجعِ الحياةِ مِن وجعِ الزمن

ثمَّ يَصرَخُ فينا الحنينُ يعودُ كالبرق

لتمطرَ أرواحنا دمعًا تمطرُ شجن

فأهلًا بالمنتصفِ الضائعِ أهلًا بالعدم

أنا متفق مع من يقول: ذاك هو ما نحتاجه لنندهش؛ ما أحلى الدهشة!

في هذين النصين نلاحظ اكتناز المعنى وتكثيف الدلالة، كما سنلاحظ أيضًا في نص ثالث سنورده في أسطرنا بعد قليل.

بتأمل النص الثاني نجد ما يشعرنا بأننا في لحظة لن تدوم، لأن ظواهر التغير تحيط بحياتنا في هذا الوجود فنحن لا نستحم من النهر مرتين، ولابد أن نستثمر بحب ورقي أعمارنا في الوجود.

تجلى ذلك من خلال خصوبة دلالية التي تنعش وعينا وذاكرتنا وحضورنا، فغالية صوت يحاول بقوة أن يجاور أصواتا من تاريخ شعرنا العريق، فالشعر بستانها القادر على التعبير عن الحب والمحبين جاعلة من المنطوق النصي لشعرها صيحة تشبه زمان وصل في عري هذه اللحظة المادية المثخنة بالصراعات التي تتصل بأفكار تؤلم المشاعر والخواطر الإنسانية.

فقد تدفقت عذوبة المعاني من خلال كلمات تلاقت فيما بينها كحبـات الرمان لتشكيل صور شعرية مؤثرة، وزادت قارئها شغفا بالقراءة لهذا النمط من الشعر النوراني الإنساني المتحضر الرقيق في تلك الزمنية الصاخبة الزاعقة بالماديات.

ففي قول الشاعرة غالية حافظ:

سنكبر لا بد ولا بد يومًا

أن نهربَ من هَرَمِ العمرِ بكذبةِ صبي

سنلعنُ الوقتَ الذي أسقطَ شمعة

فاحترَقَت بنارِها سَتائِرُ الجَسَدِ المُخمَلّي

للوهلة الأولى نجد نتوء إشكالية تتعلق بأمر حتمي له صلة بثقل شجرة العمر بأغصان أعوام كل منا، ممايعني أن سقوط الشموع إشارة إلى احتفالاتنا العديدة بأعياد ميلادنا.

سقوط كل شمعة من أعمارنا يمثل عاما من أعمارنا قد مضى في الوقت الذي يولد فيه غصن جديد ينمو فيزيد من ثقل شجر العمر.

نلاحظ تلك الطفولة البريئة توقظ في عروق الذكريات أجمل المشاعر التي لا تمحوها الأيام و الأعوام، ولايمحوها هرم العمر الذي لا يقدر على محق شباب الذكريات، ولا يطفئ وقدات العاطفة في حضرة الحب.