تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس في مصر ومختلف دول العالم اليوم بعيد رفع الصليب، ويتعلق هذا العيد بمجموعة من الأحداث التاريخية المرتبطة بالعثور على خشبة الصليب في أورشليم في القرن الرابع الميلادي من قِبَل المَلِكين قسطنطين وهيلانة ورفعِه مِن قِبَل البطريرك مكاريوس مُبارِكاً الشعب، وتحتفل الكنيسة بهذا العيد من كل عام في الرابع عشر من سبتمر.
للصليب أهمية كبرى ومركزية في الحياة الروحية والطقسية في المسيحية وبسبب أهمية هذا العيد فقد خصصت الكنيسة الأرثوذكسية كلّ من الأحد الذي يقع قبل يوم العيد والأحد الذي يقع بعد العيد لتذكار الصليب، وبسبب أهمية هذا العيد طقسياَ، إذا وقع يوم أحد فلا يُرتّل شيء للقيامة بل الخدمة جميعها تكون للصليب.
ويقول باسيليوس قدسية متروبوليت إيبارشية أوستراليا ونيوزيلندة والفيلبين للروم الأرثوذكس:
«يوجد في العهد القديم صور ورموز كثيرة عن اشارة الصليب، يشوع بن نون في العهد القديم بسط يديه بشكل صليب جهاراً فوقفت الشمس وانتصر على الأعداء المقاومين لله، وموسى رسم بالعصا إشارة الصليب فشقّ البحر الأحمر وعبر الشعب العبراني وخلُصَ من عبودية فرعون واستبداده وعبر إلى أرض الموعد.»
وتابع، «أما يونان فلما كان في جوف الحوت بسط يديه بشكل صليب أيضاً مصوِّرا الآلام الخلاصية للمسيح ولمّا خرج في اليوم الثالث صوّر أيضاً القيامة الثلاثية الأيام. موسى أيضاً رفع الحيّة على العصا أفقياً بشكل صليب وكل من نظر إلى هذا العصا شُفي من سمّ الأفعى المُميت. والآن إذ نرفع أنظارنا إلى المسيح المرفوع على الصليب نُشفى من سمّ الخطيئة المميت.»
وأكمل، «في قراءات العيد هناك مقارنة بين العود في العهد القديم والعود الجديد أي خشبة الصليب. في العهد القديم، إن الأكل من العود القديم أي من شجرة معرفة الخير والشر قد عرّت آدم وحواء وأخرجتهما من الفردوس، أما عود الصليب الحامل الحياة، فقد فتح لنا أبواب الفردوس. لقد خُدع آدم بالأكل من الشجرة، أما نحن فخلُصنا بعود الصليب المحيّي. نقرأ في صلاة العيد: ” إن الموت الذي نتج لجنس البشر بسبب الأكل من العود (أي شجرة معرفة الخير والشر) قد أُبطل اليوم بالصليب”.»
وأضاف، «لقد سبق المسيح فأنبأ تلاميذه أنه سوف يُرفع على خشبة الصليب وإنه سوف يحتمل الآلآم طوعياًّ. نرتلّ: “يا من ارتفعت على الصليب مختاراً لأجلنا أيها المسيح الإله، إمنح رأفاتك لشعبك الجديد المُسمى بك وفرِّح بقوة صليبك جميع المختصين بك “، للصليب مكان مركزي في الكنيسة والعبادة المسيحية، لقد كان الصليب الرمز المسيحي الأول الذي نُقش على قبور الشهداء في الدياميس. يوضع الصليب في أعلى مبنى الكنيسة كمنارة تُرشد المؤمنين إلى ميناء الخلاص، وينتصب الصليب أعلى الأيقونسطانس أو الجدار حامل الأيقونات فهو “أيقونة الأيقونات”، يُبارك الكاهن الشعب بإشارة الصليب، تُقدَّس كل الأدوات الكنسيّة برسم إشارة الصليب عليها، تُقدَّس البيوت وأماكن العبادة بإشارة الصليب، إشارة الصليب ترافق حياتنا من بدايتها إلى نهايتها، نرسم إشارة الصليب قبل النوم وبعد النهوض منه، قبل الأكل وبعده، قبل السفر وأثناء المرض وقبل العمل الجراحي، وباختصار الإنسان المسيحي يُبارِك كل أفعال حياته بإشارة الصليب الكريم.
وأختتم المتروبليت باسيليوس قدسية قائلاً: «في الكنيسة نُقدِّم السجود التكريمي للصليب الكريم كما هو الحال لجميع الأيقونات المقدّسة. نحن نُكرِّم الصليب ونسجد للمصلوب عليه، لقد أصبح الصليب رمز انتصارنا على سلطة العدو (الشيطان)، الصليب حافِظ كل المسكونة، الصليب جمال الكنيسة، الصليب عزّة الملوك، الصليب ثبات المؤمنين، الصليب مجدٌ الملائكة وجرح الشياطين، لقد كان الصليب في القديم أداة للتعذيب والموت فأصبح أداة للخلاص وجسراً للعبور من الموت إلى الحياة. هو إشارة افتخارنا وعزّتنا. إن الرسول بولس قد كتب إلى أهل غلاطية قائلاً: حاشى لي أن أفتخر إلاّ بصليب الربّ فقط الذي لمّا تألم عليه قتل الآلآم. لقد أصبح الصليب رمزاً للحب الإلهي وإشارة للفرح وقاهر الأعداء، هو عصا القوة التي لما نرسمها نُنقَذ من الشدائد والمصائب.»