قالت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية إن العدوى المقاومة للأدوية تزدهر في فوضى الحروب وتنتشر إلى المناطق المجاورة.
وأشارت إلى أن الأطباء في غزة يواجهون خيارات محدودة في علاج المرضى بسبب نقص الأدوية، مما يدفعهم أحيانًا إلى بتر أطراف الأطفال المصابين لتجنب فقدان حياتهم، بحسب تحذير أحد خبراء الصحة العالمية.
وذكرت الصحيفة أن غزة أصبحت بعد ١١ شهرًا من القصف الإسرائيلي بيئة خصبة لنمو الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية التقليدية. وأضافت أن انتشار هذه الجراثيم من غزة ومناطق حرب أخرى مثل أوكرانيا إلى المناطق المجاورة، سيساهم في تفاقم أزمة مقاومة مضادات الميكروبات التي يخشى الخبراء أن تتحول إلى واحدة من أكبر الأزمات الصحية العامة في السنوات المقبلة.
وقالت حنان بلخي، المتخصصة في مقاومة مضادات الميكروبات والمديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، لـ«بوليتيكو»: "أرى أن كل شيء يؤدي إلى تصاعد كارثي للمقاومة في غزة، وسوف ينتقل هذا بالتأكيد إلى المستشفيات في المنطقة".
وأضافت بلخي، التي عادت مؤخرًا من زيارة إلى غزة لمتابعة الأزمة الصحية، أن الجراثيم ستنتشر قريبًا، إذا لم تكن قد انتشرت بالفعل، إلى أوروبا والولايات المتحدة والشرق والجنوب، وأنها ستنتشر "في كل مكان".
وأكدت بلخي: "لا شك، ولا حتى ذرة واحدة، أن أزمة صحية عالمية قادمة، وأن غزة قد تصبح مركزًا لانتشار العديد من البكتيريا المقاومة للأدوية في جميع أنحاء العالم".
وذكرت "بلخي" أن اكتشاف البنسلين عام ١٩٢٨ أحدث ثورة في الطب، حيث أطلق موجة من المضادات الحيوية الجديدة التي حسنت من القدرة على مكافحة العدوى. ومع ذلك، فإن الإفراط في استخدام هذه الأدوية وسوء استخدامها، بالإضافة إلى انهيار اكتشاف المضادات الحيوية، ساهم في تمكين البكتيريا من تطوير مقاومة لهذه الأدوية.
أوضحت أنه في عام ٢٠١٩، ساهمت العدوى المقاومة للأدوية في وفاة خمسة ملايين شخص على مستوى العالم، وكانت مسئولة بشكل مباشر عن وفاة ١.٣ مليون شخص.
وأضافت أنه في أسوأ السيناريوهات، قد تتجه البشرية نحو العودة إلى عصر ما قبل البنسلين. وإلى أن قادة العالم سيجتمعون في الأمم المتحدة بنيويورك هذا الشهر لمناقشة كيفية التعامل مع مشكلة مقاومة مضادات الميكروبات.
وأوضحت أن التقدم في هذا المجال كان بطيئًا حتى الآن، في حين أن الحروب في غزة وأوكرانيا تستمر في تفاقم الوضع.
وأضافت أن العلماء يحاولون فهم كيفية زيادة الحرب لخطر تطوير البكتيريا لمقاومة الأدوية وإلى أي مدى يمكن أن يحدث ذلك.
وأوضحت أن الجروح الملوثة ومياه الصرف الصحي المليئة بالفضلات البشرية والحيوانية هي بيئة مثالية لنمو البكتيريا المقاومة.
ونقلت الصحيفة عن أنطوان أبوفايد، عالم الأحياء الدقيقة في الجامعة الأمريكية في بيروت، قوله إنه يشعر بالقلق من أن المعادن الثقيلة من القنابل والمباني المدمرة، بما في ذلك الرصاص والزنك، يمكن أن تؤدي إلى مقاومة الأدوية في غزة.
وفي مواجهة سيل من العدوى، أكد سمير ساه، مدير برامج المساعدات الطبية للفلسطينيين، أن الأطباء في غزة يفتقرون إلى الأدوية والاختبارات والمختبرات، مما يجعل مقاومة الأدوية نتيجة محتملة.
وتطرقت الصحيفة إلى الوضع في أوكرانيا، حيث قال دميتري سكيرهيكو، وهو طبيب عام في كييف يعمل على تعزيز الوعي بمخاطر إساءة استخدام المضادات الحيوية، لصحيفة بوليتيكو، إن مقاومة الأدوية قد تكون واحدة من أسوأ النتائج الصحية العامة الناجمة عن حرب أوكرانيا.
وقال إن هناك ليس فقط زيادة في حالات العدوى - بين الجنود الجرحى والمدنيين، وفي الملاجئ المزدحمة سيئة التهوية - ولكن من الصعب أيضًا تنظيم بيع المضادات الحيوية.
وأَضاف سكيرهيكو إن بعض الصيدليات لا تقوم إلا بإجراء فحوصات سطحية للتأكد من أن الطبيب وصف المضادات الحيوية للمرضى وهو ليس بالأمر الجديد في أوكرانيا، ولكن "هذه مشكلة كبيرة حقًا" على الرغم من ذلك.
وقال يارنو هابيشت، ممثل منظمة الصحة العالمية في أوكرانيا، إن البلاد لديها الآن ١٠٠ مختبر يراقب البكتيريا المقاومة للأدوية، مقارنة بثلاثة فقط في عام ٢٠١٧.
في المقابل؛ أكدت الصحيفة أن الوضع في غزة أكثر تعقيدًا حيث لا توجد مختبرات متبقية، وأنه من الصعب قياس انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية بسبب الدمار.
واختتمت «بوليتيكو» بنقل تحذيرات الخبراء من أن مقاومة مضادات الميكروبات لن تؤثر على غزة فقط، بل ستؤثر على العالم بأسره، حيث ستكون إسرائيل من أولى الدول المتضررة بسبب قربها الجغرافي.