تسعى الصين لاستثمار أفريقيا فى تعزيز نفوذها السياسى والدبلوماسى على الساحة الدولية، عبر بناء شراكات اقتصادية طويلة الأمد فى مجالات البنية التحتية، الزراعة، والتكنولوجيا.
وفى الوقت نفسه تسعى الدول الأفريقية إلى إيجاد حلول تمويلية للتصدى لأزمة الديون المتزايدة التى تعانى منها، وتبرز مطالب قوية من دول القارة السمراء لتخفيض أسعار الفائدة على القروض التى تقدمها الصين، التى تعد الشريك الاستراتيجى الأهم للقارة، كما تطالب الدول باستبدال التركيز على مشروعات البنية التحتية، التى كانت سمة التعاون فى السنوات الماضية، بمشروعات إنتاجية تسهم فى توفير فرص عمل للمواطنين الأفارقة، إضافة إلى ذلك، توفير ضمانات صينية تضمن استكمال المشاريع المقترحة فى المستقبل، ما يعزز من استدامة التعاون ويدفع نحو تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية فى القارة. وقال رئيس جمعية الصداقة المصرية الصينية.
أهمية أفريقيا للصين
تعد أفريقيا اليوم أحد أهم المحاور الاستراتيجية للصين فى إطار سعيها لتعزيز نفوذها الاقتصادى والسياسى على الساحة الدولية، ومع تزايد الطلب الصينى على الموارد الطبيعية، والنمو الصناعى المستمر، أصبحت القارة الأفريقية شريكًا أساسيًا للصين فى تأمين احتياجاتها من الطاقة والمعادن والمواد الخام.
وتمثل أفريقيا سوقًا واعدة للمنتجات الصينية وفرصة هائلة للاستثمارات فى مشاريع البنية التحتية والزراعة، ومن خلال تعزيز التعاون مع الدول الأفريقية، تسعى الصين إلى تحقيق توازن استراتيجى ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية والمنافسة الدولية، مما يجعل العلاقات الصينية الأفريقية أكثر تعقيدًا وتشابكًا فى العقود المقبلة.
علاقات متطورة
وأشار السفير على الحنفي، رئيس جمعية الصداقة المصرية الصينية إلى أن العلاقات الاستراتيجية بين الصين والدول الأفريقية تمتد لعدة قرون، وتطورت بشكل ملحوظ فى الوقت الحالى لتتحول من مجرد تعاون استراتيجى إلى شراكة استراتيجية متكاملة، هذه الشراكة تشمل كل جوانب التعاون مع ثانى أكبر قوة اقتصادية فى العالم، وخاصة فى مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. كما أشار إلى أن الصين تركز بشكل كبير على التكنولوجيا، الشباب، والبحث العلمي، والثورة الصناعية الخامسة، والابتكار، مما يعزز مجتمع المعلومات ويزيد من قوة الشراكة بين الصين وإفريقيا
وأضاف السفير أن منتدى التعاون الأفريقى الصينى أتاح فرصة كبيرة لتوطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، حيث انتقل التعاون من مجرد علاقات ثنائية إلى علاقات جماعية أكثر توسعًا.
تنوع استثماري
أصبحت الصين خلال الخمسة عشر عامًا الماضية الشريك الاقتصادى الأول لإفريقيا، وشهدت العلاقات التجارية نموًا كبيرًا لتصل إلى ٣٠٠ مليار دولار، مع تنوع فى أوجه الاستثمار. وشهدت العلاقات بين الصين وإفريقيا تدفقًا قويًا امتد إلى مجالات متعددة، أبرزها البنية التحتية. حيث ساهمت الصين فى تطوير مشاريع كبرى مثل المطارات، الموانئ، خطوط السكك الحديدية، والطرق، كما لعبت مبادرة الحزام والطريق دورًا كبيرًا فى تعزيز التعاون وتنفيذ أكثر من ٣.٢٠٠ مشروع خلال فترة زمنية قياسية بلغت عشر سنوات فى دول أفريقية مختلفة، بميزانيات ضخمة، هذه الاستثمارات الصينية الهائلة كان لها أثر إيجابى كبير على تطوير البنية التحتية فى إفريقيا التى كانت أكبر معوقات التجارة البينية بين الدول الإفريقية وبعضها البعض وبينها وبين الدول خارج القارة الأفريقية.
قاسم مشترك
وأشار إلى أن الشراكات الأفريقية الصينية تعتبر ناجحة للغاية، حيث أصبحت الصين الشريك الاقتصادى الأول لدول منطقة القرن الإفريقي. وتسعى الصين إلى تعزيز هذه الشراكات من خلال برامج تنفيذية محددة تهدف إلى تحقيق المزيد من التطوير والقفز بمستوى العلاقات بين الجانبين.
وتتمتع العلاقات بين الصين والدول الأفريقية بطبيعة متوازنة، حيث تحقق كلا الجانبين مصالح متبادلة، ورغم أن الصين تعتبر إحدى الدول النامية فى بعض الجوانب، إلا أن هذا القاسم المشترك مع الدول الأفريقية دفع الصين إلى تقديم المساعدة لتلك الدول. وتتميز هذه العلاقة بميراث من القيم المشتركة مثل التضامن والتفاهم المتبادل، ما دعم العلاقات بشكل كبير وخاصة فى أوقات الأزمات.
طموحات القارة
كما أفصحت الدول الأفريقية عن طموحاتها ومتطلباتها من الصين، حيث طالبت بآلية لمتابعة أداء منتدى التعاون الصيني-الأفريقى بهدف قياس مدى التنفيذ والالتزام على أرض الواقع. على الرغم من أن استثمارات الصين فى أفريقيا لا تزال تمثل حوالى ٥٪ فقط من إجمالى الاستثمارات الصينية، إلا أن الدول الأفريقية تطالب بزيادة هذه الاستثمارات فى المستقبل.
وبالإضافة إلى ذلك، تسعى الدول الأفريقية إلى تخفيض نسبة الفائدة على القروض التى تفرضها الصين، واستبدالها بالاستثمارات المباشرة، كما أوضحت أن المشروعات الصينية فى الأعوام الماضية ركزت بشكل كبير على البنية التحتية، بينما تحتاج القارة الأفريقية إلى مشروعات إنتاجية تخلق فرص عمل فى ظل تزايد عدد السكان إلى أكثر من ١.٤ مليار نسمة، مع توقعات بزيادة هذا العدد إلى ٢.٥ مليار.
ومع هذا النمو السكاني، تزداد الحاجة إلى فرص عمل، تعليم، وصحة، مما يستدعى ضرورة التركيز على هذه المجالات فى التعاون المستقبلي.
تنافس عالمي
من جانبها تقول الدكتورة مروى خضر، الخبير الاقتصادي، تأتى هذه القمة فى وقت تشهد فيه القارة الإفريقية تنافساً حاداً بين القوى العالمية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين، حول الهيمنة على الموارد والفرص الاقتصادية المتاحة
وأضافت خضر، تريد الصين من إفريقيا عدة موارد وفرص لتحقيق مصالح اقتصادية واستراتيجية متنوعة، حيث تمثل أفريقيا بالنسبة للصين منطقة ذات أهمية كبيرة على مستوى التجارة، الطاقة، الموارد الطبيعية، والنفوذ السياسي. وتابعت الخبيرة، لذا يعمل الطرفان الصينى والإفريقى على تعزيز علاقات الصداقة وبحث مجالات التعاون ورسم خارطة الطريق المستقبلية للعلاقات المشتركة، حيث تعد إفريقيا واحدة من أغنى المناطق فى العالم بالموارد الطبيعية التى تحتاجها الصين لتعزيز نموها الاقتصادى والصناعي. ومن أبرز هذه الموارد
النفط والغاز
تمتلك أفريقيا احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، خاصة فى دول مثل نيجيريا، أنجولا، والجزائر. تستورد الصين نسبة كبيرة من احتياجاتها من الطاقة من هذه الدول لتغذية صناعاتها المتنامية.
المعادن الثمينة: الصين تعتمد على أفريقيا للحصول على مجموعة من المعادن الثمينة مثل الكوبالت، النحاس، الذهب، والألماس. تعتبر هذه المعادن أساسية لصناعات التكنولوجيا المتقدمة وصناعة السيارات الكهربائية.
الأخشاب والمواد الخام: تقوم الصين باستيراد الأخشاب من الدول الإفريقية الغنية بالغابات مثل الكونغو، حيث يتم استخدامها فى صناعة الأثاث والمنتجات الخشبية الأخرى.
الأسواق الاستهلاكية
مع تزايد عدد السكان فى إفريقيا، تعتبر السوق الإفريقية فرصة هائلة للشركات الصينية لتسويق منتجاتها،الصين ترى أفريقيا سوقًا مهمة لبيع السلع الإلكترونية، الألبسة، والمنتجات الاستهلاكية الأخرى التى يتم إنتاجها بتكلفة منخفضة فى الصين.
التجارة: تعمل الصين على تعزيز التبادل التجارى مع الدول الإفريقية، حيث تعد الصين أكبر شريك تجارى لإفريقيا، حيث تتجاوز قيمة التبادل التجارى بينهما ٢٠٠ مليار دولار سنويًا.
التكنولوجيا والبنية التحتية: تستهدف الصين تقديم منتجاتها التكنولوجية، مثل الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية، إلى الأسواق الإفريقية، مستفيدة من الكثافة السكانية والطلب المتزايد على التكنولوجيا. وتعمل الصين إلى بناء شراكات مع الدول الإفريقية لتحسين البنية التحتية مثل الطرق، السكك الحديدية، المطارات، والموانئ. وهذا جزء من مبادرة “الحزام والطريق” التى أطلقتها الصين لتعزيز التجارة الدولية.
البنية التحتية والمشاريع الضخمة
قامت الصين بتمويل العديد من مشاريع البنية التحتية فى إفريقيا، مثل السكك الحديدية بين كينيا وأوغندا، والموانئ فى تنزانيا وموزمبيق، والمطارات فى إثيوبيا ونيجيريا.
نقل التكنولوجيا: تقدم الصين الخبرة التقنية والتكنولوجيا المتطورة لبناء وتطوير مشاريع البنية التحتية، ما يساعد فى تحسين القدرات المحلية فى إفريقيا ويخلق فرص عمل جديدة.
كما أن أفريقيا تلعب دورًا محوريًا فى الساحة السياسية العالمية، وتمثل ثلث أعضاء الأمم المتحدة. تخطط الصين لتعزيز نفوذها فى إفريقيا من خلال الشراكات الاقتصادية والسياسية لضمان دعمها فى المحافل الدولية
الدعم السياسي
تعمل الصين على توسيع نفوذها الدبلوماسى فى إفريقيا عبر تقديم قروض ومساعدات تنموية للدول الإفريقية، مقابل الحصول على الدعم فى القضايا الدولية.
التعاون العسكري: وفى السنوات الأخيرة، زادت الصين من تعاونها العسكرى مع العديد من الدول الإفريقية، بما فى ذلك التدريب والتسليح والمشاركة فى مهام حفظ السلام.
ومع تزايد عدد سكان الصين وتقلص المساحات الزراعية الصالحة للزراعة فيها، تهتم الصين بتأمين مصادر غذائية خارجية. تستثمر الصين فى الأراضى الزراعية فى إفريقيا لزراعة المحاصيل وتربية الحيوانات، ما يساهم فى تحقيق الأمن الغذائى للصين.
الاستثمارات الزراعية
الصين تقوم باستثمار مساحات كبيرة من الأراضى فى إفريقيا لإنتاج القطن، الأرز، والحبوب وغيرها من المنتجات الزراعية التى تصدرها إلى السوق الصينية.
تكنولوجيا الزراعة: تقدم الصين تقنيات زراعية حديثة لتحسين الإنتاجية الزراعية فى إفريقيا، مما يعود بالفائدة على الجانبين.
وتستهدف الصين تنويع اقتصادها من خلال بناء شراكات اقتصادية مع الدول الإفريقية فى مختلف المجالات. يساعد ذلك فى تخفيف اعتماد الصين على الموارد المحلية، ويتيح لها فرصًا أكبر لتنويع استثماراتها.
البنوك والاستثمار
تقدم الصين تسهيلات مالية واستثمارات ضخمة للدول الإفريقية عبر بنوكها، مثل بنك التنمية الصينى وبنك التصدير والاستيراد الصيني.
الشركات الصينية فى إفريقيا: شركات صينية عدة بدأت فى فتح فروع لها فى إفريقيا، مما يزيد من حضور الصين التجارى والاقتصادى فى القارة
كما تعتبر إفريقيا ساحة تنافسية بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والهند، وتخطط الصين إلى تعزيز شراكتها مع إفريقيا لتقوية موقفها على الساحة الدولية ومواجهة النفوذ الغربي.
الدبلوماسية الاقتصادية
تستخدم الصين الاقتصاد كأداة لتعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية، مستفيدة من الانفتاح الإفريقى على الاستثمارات الأجنبية.
التعاون متعدد الأطراف: تحرص الصين على بناء تحالفات مع الدول الإفريقية فى المنظمات الدولية لتحقيق مصالحها المشتركة فى مواجهة القوى الكبرى الأخرى.
واختتمت الخبيرة، تحتاج الصين إلى أفريقيا كمصدر رئيسى للموارد الطبيعية والطاقة التى تدعم نموها الاقتصادي، كما تعتبرها سوقًا هامة لتسويق المنتجات الصينية واستثمار القدرات الصناعية.