دور الفلسفة في مواجهة التحديات المعاصرة.
ما كان ينبغي على كل ذي عقل وبصيرة وصاحب فكر ورأي حر مستنير أن يقف مكتوف الأيدي ويقف متفرجا على ما تتعرض له العلوم الإنسانية من حملات شراسة ممنهجة سواء في الإعلام المشاهد تقليلا من شأنها واستخفافا بقيمتها الحضارية، ليس هذا وحسب بل شاهدنا هذه الحملات الشرسة على مناهج الفلسفة في التعليم الإلزامي في محاولة جديدة من نوعها وهي ما عرفت بنظام هيكلة الثانوية العامة، فهل الهيكلة المنوطة بإعادة الترتيب والتنظيم وإعادة البناء تكون أداة هدم، ولمن لأم العلوم الفلسفة، والحجة تخفيف الأعباء عن أولياء الأمور.
التخفيف لا يكون بإماتة الفكر، التخفيف يكون عن طريق تنقيح المقررات من الحشو.
ومن ثم وجب التصدي لمثل هذه الحملات.
فلابد أن نتفق سويا على أمر هو من وجهة نظري جد مهم، أن الفيلسوف والمفكر وليد مجتمعه أي يدور وجودا وعدما مع قضايا مجتمعه ويكون مهموما بها منشغلا بتحليلها نظريا مقدما الحلول لها، فليس كما كان يعتقد قديما أنه منعزل ومنغلق على ذاته، بل العكس هو الصحيح.
فإذا لم يكن منشغلا بقضايا وطنه فليذهب بفكره حيث يشاء والنتيجة الحتمية لن يكتب لفكره البقاء والخلود، فيعرف المفكرون ولو بعد حين بنتاجهم الفكري الذي خلفوه للبشرية.
هيا نقدم تعريفا للفلسفة يتماشي مع واقعنا وقضايانا المعاصرة، الفلسفة هي رأي أو وجهة نظر صاحبها لما يراه ويسمعه ويقرأه، فكل إنسان مفكر، يوجد فيلسوف بداخله، يشاهد ويناقش ويحلل، كيف ذلك ؟!
فالإنسان البسيط له رأي والمثقف والأكاديمي له رأي أيضا مع الفوارق بين الجميع. فلنضرب مثالا على ذلك أزمات العالم الاقتصادية، هل نسأل الجميع ما رأيكم وتصوركم لهذه الأزمة وما سببها وهل ستستمر، وهل هي أزمة حقيقية أم مفتعلة، الكل سيدلي بدلوه في المشكلة وهذه هي الفلسفة تحليل لقضايانا ومشكلاتنا التي نحياها ونحيا بها.
إذن الفلسفة إعمال للعقل، فبالعقل ننظر وبالعقل نبحث وبالعقل نكتب وبالعقل نتأمل وننقد. ونتصور وبقوة المخيلة نتخيل ونسعى إلى تحقيق الحلم.
والفلسفة الإسلامية ومفكرنا وفلاسفة الإسلام ليسوا بمنأى عن القضايا المعاصرة ومن ثم فللفلسفة الإسلامية دور لا يمكن تجاهله في مواجهة تحدياتنا المعاصرة.
فدورها لا ينفصل بحال من الأحوال عن الفلسفة بمباحثها، ففلاسفة الإسلام تحدثوا عن مبحث المعرفة وإمكانية قيامها ومصادرها وطبيعتها بل ولهم مؤلفات كثيرة حول هذا الموضوع.
كذلك فلاسفة الإسلام المشارقة والمغاربة والمتكلمون تحدثوا عن مبحث الانطولوجيا، الوجود، وتحدثوا عن الميتافيزيقا والعالم الآخر، لكن حاولوا قدر طاقتهم التوفيق بين العقل والنقل في هذه القضية، وأيضا تحدثوا عن العالم الطبيعي الحسي المرئي المشاهد.
كذلك نجدهم تحدثوا عن مبحث القيم الاكسولوجيا، الحق، الخير، الجمال وتحدثوا عن الفيم الخلقية التي ما أحوجنا الآن إلى إحياءها، تحدثوا عن الوسطية والاعتدال وعدم التطرف وأن الإنسان لا ينجرف بكليته نحو شهواته وملذاته ولا يميل بالكلية إلى روحانيته ويقضي حياته متواكلا، ألسنا الآن ندعو إلى للعمل وعدم التواكل، حدثنا فلاسفة الإسلام عن التربية القديمة التي هي منهج حياة ألسنا الآن في أمس الحاجة تقييم وتقويم سلوكياتنا، راجعوا إن شئتم رسالة أيها الولد للإمام الغزالي، المرشد الأمين في تربية البنات والبنين للطهطاوي،ادب الدنيا والدين للماوردي، من الذي كتب هذه المؤلفات أليسوا فلاسفة الإسلام، تعالوا معي إلى قضية أخرى تجديد الخطاب الديني ألم يتحدث عنها المفكرون المسلمون قديما وحديثا وفي عصرنا هذا، اقراءوا إن شئتم كتابات الشيخ أمين الخولي المجددون في الإسلام، اقرأوا مؤلف زكي نجيب محمود تجديد الفكر الديني وغيرهما كثر.
الفلسفة الإسلامية بفروعها ومباحثها لا تنفك بحال من الأحوال عن الفلسفة العامة
بفروعها سواء علم الكلام أو فلاسفة الإسلام أو التصوف أو علم أصول الفقه الذي يقوم على الإجتهاد العقلي.
كذلك مباحثها، الله، العالم، الإنسان، كيفية الربط بين هذه المباحث الثلاثة، الله يخلق ويدبر، والعالم أوجده الله للإنسان وسخره وهندسه ونظمه والإنسان يمارس فيه نشاطاته، لكن هل وجود الإنسان إلى ما لانهاية، مسألة المصير، والبعث الذي يناقشه المبحث الاخير الإنسان وحياته ونفسه وروحه ومآله جزاءه ثوابا وعقابا.
نعم قضايانا ملحة ولا يمكن بحال من الأحوال الإنفصال عنها.