تعهد الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بيزشكيان، بإجراء "جراحة اقتصادية" لمعالجة الأزمة المتفاقمة في البلاد.
ومع توقع الملايين من المواطنين الفقراء الإغاثة، فإنه يواجه ضغوطا متزايدة لتنفيذ الإصلاحات.
وقال بيزشكيان: "إذا عرف الناس ما في مصلحتهم، فسوف يتركون أنفسهم في أيدي جراح خبير، وبطبيعة الحال، يتعين علينا إجراء عمليات جراحية في العديد من المجالات لإخراج البلاد من هذا الوضع".
وشدد على أنه يجب إشراك الناس في أي إصلاحات ويجب أن يوافقوا على إجراءات الحكومة.
ويدرك بيزشكيان وغيره من زعماء إيران المخاطر السياسية المترتبة على "الجراحة" الاقتصادية الكبرى التي يمكن أن تسبب مصاعب فورية للمواطنين قبل أن تظهر فوائدها.
ومع ذلك، يعتمد بيزشكيان على عاملين. أولاً، تعاون جميع فصائل النظام: "إذا أردنا إجراء عملية جراحية، فيجب علينا أن نتكاتف مع جميع السياسيين والمسؤولين"، وهي استراتيجية ساعدت في الحصول على موافقة البرلمان على حكومته.
ثانياً، يأمل ألا يؤثر الألم الاقتصادي على جزء كبير من السكان، مشدداً على ضرورة حماية الفئات الضعيفة، والسؤال الرئيسي الآن هو ما هو نوع "الجراحة" التي يتصورها بيزيشكيان لانتشال الحكومة من أزمتها الاقتصادية المتفاقمة؟ للإجابة على ذلك، علينا أولا تقييم الأزمات الحالية.
وبحلول منتصف عام 2024، تواجه الحكومة الإيرانية ستة تحديات اجتماعية واقتصادية كبرى، كل منها لديه القدرة على إثارة مخاطر أمنية.
1. أزمة الطاقة: تواجه إيران فجوة متزايدة بين إنتاج الطاقة واستهلاكها. ويتجاوز الطلب على الكهرباء العرض بمقدار 10 آلاف ميجاوات، مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 8 ساعات في بعض المناطق، بما في ذلك الصناعات.
ويزيد استهلاك البنزين عن الإنتاج بنحو 10 إلى 12 مليون لتر، مما يضطر الحكومة إلى استيراد الوقود بتكلفة تتراوح بين 4 إلى 8 مليارات دولار سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي نقص الغاز الطبيعي إلى انقطاع التيار الكهربائي في فصل الشتاء، مما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاحات قطاع الطاقة.
2. عجز الموازنة الحكومية: أدت أزمة عجز الموازنة بنسبة 50% إلى طباعة النقود في السنوات الست الماضية وتضخم سنوي يزيد عن 40%. 3. أزمة في النظام المصرفي: القضايا المزمنة مثل العجز في ميزانية الحكومة، والإفراط في الاقتراض، وارتفاع مستويات الديون المصرفية، والعقوبات، وسياسات الائتمان غير المتسقة تصيب النظام المصرفي الإيراني.
وتثقل كاهل العديد من البنوك ديوناً تتجاوز أصولها، مما يخلق خللاً مالياً حاداً. وتساهم هذه المشاكل النظامية في عدم الاستقرار، مما يجعل القطاع المصرفي نقطة ضعف كبيرة في اقتصاد البلاد.
4. البيئة – تواجه إيران أزمات بيئية حادة، بما في ذلك استنزاف الموارد المائية، وتآكل التربة، وتلوث الهواء، مما أدى إلى إخلاء نصف قرى البلاد. وأدى هبوط الأراضي الحضرية والزراعية، والنقص الحاد في المياه في العديد من المقاطعات، وجفاف البحيرات والأنهار إلى تفاقم المشكلة. وقد دفعت هذه القضايا توافر المياه إلى مستويات حرجة، مما أدى إلى انهيار العديد من العمليات الزراعية وإفلاس المزارعين على نطاق واسع، مما زاد من زعزعة استقرار الاقتصاد الريفي في البلاد.
5. أزمة صندوق التقاعد: صناديق التقاعد الإيرانية مفلسة فعلياً. ويغطي صندوق التقاعد الوطني حاليا 4% فقط من رواتب المتقاعدين، تاركا للحكومة تغطية نسبة 96% المتبقية، مما يفرض ضغوطا هائلة على المالية العامة.
6. أزمة التوظيف: مع وجود 24 مليون موظف من أصل 65 مليون نسمة في سن العمل، تبدو أرقام البطالة الحكومية غير موثوقة. وبعد حساب الطلاب والمجندين، فإن حوالي 55 مليون شخص مؤهلون للعمل، وهذا يعني أن ما يقرب من 55٪ من السكان خارج سوق العمل، مما يشير إلى فجوة توظيف حادة. ولا تخطط إدارة بيزيشكيان لمعالجة الأزمات من الثالثة إلى السادسة وتفتقر إلى القدرة على القيام بذلك، ولكن لمعالجة أزمة الطاقة وعجز الموازنة (وبالتالي التضخم)، يقترح بيزشكيان إلغاء دعم الطاقة والقمح وإعادة تخصيص الأموال لموازنة الحكومة والفئات ذات الدخل المنخفض، التي تشكل الآن حوالي 70% من السكان. ويرى أنه بزيادة تكاليف الطاقة سينخفض الاستهلاك، مما يقلل من واردات البنزين وهدر الخبز.
ومع ذلك، فشلت الجهود المماثلة التي بذلتها الإدارات السابقة في تحقيق هذه النتائج. لم يتبق أمام بيزشكيان سوى خيارات قليلة. وقد قامت إدارتا روحاني ورئيسي بالفعل برفع الضرائب إلى مستوى يتجاوز قدرة السوق، وأي زيادات أخرى تهدد بإشعال إضرابات واسعة النطاق. والخيار الوحيد المتبقي أمام الإدارة الحالية هو رفع أسعار الخبز والطاقة، وخاصة البنزين، اللذين يشكلان جزءاً كبيراً من الدعم.
وتأتي هذه الخطوة على الرغم من العواقب المميتة لارتفاع أسعار البنزين عام 2019، والتي أدت إلى وفاة أكثر من 1500 شخص. ومع ذلك، فإن احتمال حدوث ارتفاع مماثل في أسعار البنزين كما رأينا في عام 2019 ضئيل للغاية.
ويواجه بيزشكيان خيارات صعبة، حيث من المرجح أن تؤدي الزيادات الضريبية الإضافية إلى إثارة الإضرابات، مما يجعل خفض الدعم هو المسار الوحيد المتبقي.
وقد تنظر السلطات في عدة أساليب لرفع أسعار البنزين، ولكن بغض النظر عن النهج المتبع، فإن رفع أسعار البنزين سيكون له عواقب اقتصادية واسعة النطاق، مما يؤثر على تكلفة كل شيء تقريبا ويؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل كبير، وهو ما يشكل تحديا كبيرا للحكومة.
وكما رأينا خلال التعديلات الاقتصادية التي أجراها رفسنجاني في التسعينيات وتخفيضات دعم الطاقة التي أقرها أحمدي نجاد، فإن مثل هذه "الجراحات الاقتصادية" في إيران أدت تاريخياً إلى تفاقم الفقر دون معالجة القضايا الهيكلية.
ولا يزال الفساد المؤسسي وانعدام الشفافية يشكلان عقبتين رئيسيتين أمام الإصلاح الهادف.
وقد أدت هذه السياسات باستمرار إلى اضطرابات عامة واسعة النطاق، مع اندلاع الاحتجاجات في عشرات المدن في التسعينيات ومئات المدن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
ويظل خطر تكرار هذه النتائج مرتفعا إذا تم اتباع تدابير مماثلة دون تغييرات هيكلية.
بوابة العرب
الرئيس الإيراني يتعهد بإجراء "جراحة اقتصادية" لمعالجة الأزمة المتفاقمة في البلاد.. بيزشكيان يطالب بتعاون جميع فصائل النظام.. والحكومة تواجه ستة تحديات كبرى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق