الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الشاعرة فريدة موسى في حوار لـ «البوابة نيوز»: الشعر من أهم صنوف الإبداع العالمي وله مكانته الكبيرة فى نفوس الشعوب.. أشعار صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم جعلتني أقع في غرام العامية

الكاتبة فريدة موسي
الكاتبة فريدة موسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

  • الشعر من أهم صنوف الإبداع العالمى وله مكانته الكبيرة فى نفوس الشعوب
  • أشعار صلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم جعلتنى أقع فى غرام العامية.. وتأثرت بـ«نزار قبانى» فى شعر الفصحى
  • الشعر عالم يسبح  فى بحور اللغة وينبغى أن يكون مقترنًا بفلسفة روحية
  • أهم ما يميز التجارب الشعرية الناضجة هو إدراك الشاعر مدى أهمية تطوير موهبته وألا تسقط الموهبة فى بئر الذاتية المفرطة
  • ديوانى صباحات ملكة صدر بـ«العامية» ويحكى قصصًا متنوعة فى كل صباح
  • لا أجد أى غضاضة فى التنقل بين العامية والفصحى لأن القصيدة تولد بلغتها
  • الشعر كأى لون إبداعى قد يمر بمرحلة كساد وعزوف جماهيرى عنه
  • تجريف الهوية وسرقة التراث من أهم الأخطار التى علينا أن نحاربها
  • ينبغى علينا أن نعيد إحياء اللغة العربية حتى نستعيد قيمة الشعر والشعراء
  • البعض يتكسب من السوشيال ميديا بعدما باتت هناك فئة من النفعيين منعدمى الوعى والثقافة
  • الشعر لا يفرق بين الشعراء بل يوحدهم تحت لواء أهدافه النبيلة

 

"يأتي زمنٌ تقولُ الشمسُ فيه أحبُك، فلا يصدقُها القمرُ، وترجُمُها النجومُ، وتُعلنها السماءُ مجدفةٌ، ويٌقام على نورِها الحد، وأنتَ ما زلتَ تمارسُ الغوايةَ في رحمِ الكلمة".. فريدة موسى.

من هذا البيت تحاول الشاعرة بهذه الكلمات من ديوانها «مجون الكلمات» أن تعبر الفلسفة الروحية التي تصاحب الصورة الشعرية وتتجسد في بحور الشعر والصور، فكيف نمارس الغواية في بحور الكلمات.

هذا ما سنتعرف عليه من خلال حوارنا معها، حول الشعر والشعراء وسحر الكلمات، وهل حقًا الشعراء يتأثرون بالقضايا المجتمعية؟، وماهي هي الإشكاليات التي تواجه الشعراء؟ وهل نحن حقًا في حاجة إلى إلقاء الضوء على قضايا الأدباء والشعراء؟.

في حوارنا هذا نتعرف على واحدة من شاعرات مصر، وهي الشاعرة فريدة موسى، هي شاعرة مصرية، بدأت في كتابة شعر الفصحى والعامية المصرية، وعملت كمخرجة وفنانة تشكيلية أيضًا، صدرت لها دواوين شعرية باللغة العربية بالفصحى، منها ديوان «مجون الكلمات» وديوان «مجون آخر» وديوان «اكتفيت».. مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:

 

 * كيف بدأت علاقتك بالشعر؟

** علاقتي بالفن بشكل عام، وبالشعر بشكل خاص، بدأت منذ الطفولة، فقد كنت أحب القراءة في شتى أنواع الأدب، ووقعت في حب شعر العامية لتأثري بأشعار الشعراء العظام صلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وأحمد فؤاد نجم، فبدأت في مطلع الصبا في كتابة شعر العامية، ثم فيما بعد كتبت شعر الفصحى.

 

* وبمن تأثرتِ من شعراء الفصحى؟

** كنت وما زلت من المعجبين بالشاعر الكبير نزار قباني؛ لأنه يطلق العنان لأفكاره وصوره الشعرية دون قيود ولأنه لم يستسلم للسائد من الشعر في عصره.

 

* ماذا يمثل الشعر لك؟

** يقول أمير الشعراء أحمد شوقي: لا يزال الشعر عاطلاً حتى تزينه الحكمة، ولا تزال الحكمة شاردة حتى يؤويها بيت من الشعر. أنا من أشد المؤمنين بتلك المقولة لأن الشعر ليس مجرد كلمات منمقة منضبطة الإيقاع والوزن والقافية.

فأنا أرى أن الشعر عالم وسيع من الخيال السابح في بحور اللغة، وينبغي أن يكون مقترنًا بفلسفة روحية وحكمة ترتقي بالشعور الإنساني، وهو ما حاولت التعبير عنه في ديواني مجنون الكلمات حين قولت: «يأتي زمنٌ تقولُ الشمسُ فيه أحبُك\ فلا يصدقُها القمرُ\ وترجُمُها النجومُ\ وتُعلنها السماءُ مجدفةٌ\ ويٌقام على نورِها الحد\ وأنتَ مازلتَ تمارسُ الغوايةَ في رحمِ الكلمة\ الكلمةِ العاقرِ\  الكلمةِ التي لا تلدُ \هذا الطفلُ الذي ألقَتهُ يداك \أمامَ بيتِ قلبي \ لقيط».

 

* هل ينبغي على الشاعر أن يعبِّر عن قضايا مجتمعه؟

** الشاعر كأي إنسان يتفاعل مع قضايا مجتمعه، سواء بالسلب أو الإيجاب، لكن الشاعر حين يكتب القصائد لا يخطط مسبقًا للكتابة عن موضوع ما إلا إذا لمس هذا الموضوع وجدانه وحرَّك مشاعره واستثار قريحته، وعندها تسترسل الأفكار في مخيلة الشاعر، وتبدأ القصيدة في الخروج إلى النور.

 

* هناك شعراء يكتبون القصيدة على مراحل، وهناك شعراء يكتبون القصيدة كدفقة إبداعية واحدة، إلى أي النوعين تميلين في كتابة قصائدك؟

** أنا أكتب القصيدة كدفقة واحدة، لا أتوقف عن الكتابة حتى أنتهي منها تمامًا، ولكن قد أقوم بتغيير بعض المفردات في مراحل مراجعة القصيدة قبل النشر، هذا لا يمنع أن بعض القصائد قد أكتبها على مراحل، ولكن تلك الطريقة نادرة جدًا بالنسبة لي.

 

* كيف يطور الشاعر تجربته الإبداعية؟

** الشاعر إنسان لديه تجربتان؛ الأولى هي تجربته الحياتية بكل تحدياتها، والثانية هي تجربته الإبداعية بكل طموحاتها، والتجربتان تتقاطعان في نقاط عديدة، منها حالته الشعورية تجاه تقلبات حياته الخاصة، والتي تترك أثرها العميق على المُنتج الشعري الذي يقدمه، وأنا كأي شاعر أتأثر بكل ما يحيط بي من أحداث، سواء على المستوى الخاص أو العام، ويترك ذلك بصمته على إبداعي الفني.

لكن أهم ما يميز التجارب الشعرية الناضجة هو إدراك الشاعر مدى أهمية تطوير موهبته بحيث لا تسقط الموهبة في بئر الذاتية المفرطة التي من شأنها أن تعزل المبدع عن واقعه وتبني بينه وبين المتلقي حاجزًا يقيد تجربة التفاعل الوجداني بين طرفي العملية الإبداعية وهما المبدع والمتلقي.

 

* هل تظنين أن هناك عزوفًا جماهيريًا عن الشعر في هذه المرحلة؟

** أعتقد أن الشعر كأي لون إبداعي قد يمر بمرحلة كساد وعزوف جماهيري عنه، إلا أن ذلك لا يقلل أبدًا من دوره الهام في تطوير الحس الجمعي للمجتمعات. ورغم أن الشعر بشكل عام وشعر الفصحى بشكل خاص يواجه أزمة قبول لدى الجماهير، وخصوصًا الشباب الذين أصبحت منصات التواصل تلتهم وقتهم بشكل شرس.

كما أن علاقتهم باللغة العربية باتت سطحية؛ لأنهم يفضلون الانفتاح أكثر على اللغات الأخرى، مثل الإنجليزية والفرنسية وغيرهما من اللغات التي يتفاخر الشباب بإتقانها، فإن هذا لا يمنع أن الشعر بالعامية يلقى رواجًا أكثر لدى الجماهير وخصوصًا الشعر الغنائي. 

 

* بالحديث عن شعر العامية نعرف أنك مهتمة بكتابة شعر العامية، فلماذا لا تقدمين لنا إحدى قصائدك العامية؟

** لي ديوان أعتز به جدًا يُدعى «صباحات ملكة»، وهو عبارة عن سلسلة من القصائد التي تقدم رؤى متنوعة للصباح كرمز من رموز التجدد، وكما كانت شهزاد تحكي كل يوم لشهريار قصة في كل مساء فإن ديوان صباحات ملكة يحكي للجماهير قصصًا متنوعة في كل صباح.

 

*  هل هناك فرق بين كتابة الشعر بالعامية وبالفصحى؟

** من وجهة نظري أن الشاعر المتمكن من أدواته لا يجد مشكلة في الكتابة بالفصحى أو العامية. 

 

* لكن يقال إن الشاعر المتأرجح بين العامية والفصحى قد لا يتمكن من النجاح في إثبات قدراته الشعرية؟

** لا أظن أن هذا الكلام صحيح، ومن خلال تجربتي الإبداعية لا أجد أي غضاضة في التنقل بين العامية والفصحى لأن القصيدة تولد بلغتها، فالقصيدة حالة شعورية تخرج للوجود بكامل هيئتها، والشاعر المتمكن لا يفرق بين قصائده، سواء كانت عامية أو فصحى، لأن الوجدان الإبداعي هو صاحب الاختيار.

 

* في هذه الحالة لأي فصيل من الشعراء ستنتمين، شعراء الفصحى أم شعراء العامية؟

** هي ليست مباراة أخوضها، ولا يوجد لديَّ أي رغبة للدخول في تلك المهاترات، فأنا شاعرة تكتب الشعر واللغة هي إحدى الأدوات الهامة لكتابة الشعر، وماذا يضير الشعر أو يضير شعراء العامية أو الفصحى في كوني أستطيع الكتابة بأكثر من لغة أو أكثر من لهجة، ثم لماذا نحول الشعراء إلى فريقين وكأن الانتماء لأحدهما إعلان حرب على الآخر؟. فالشعر لا يفرق بين الشعراء، بل يوحدهم تحت لواء أهدافه النبيلة. 

 

* أصدرت ديوان مجون الكلمات و ديوان مجون آخر، فما قصتك مع المجون؟

** لديَّ سلسلة متصلة منفصلة من دواوين المجون بدأت بديوان «مجون الكلمات» ثم تلاه «مجون آخر»، ثم لي قيد النشر ديوان «مجون الملكات» وديوان «مجون الغجر»، ولكن لديَّ أيضًا دواوين فصحى خارج سلسلة المجون، ومنها ديوان: «اكتفيت».

 

* أنت مخرجة وكاتبة وفنانة تشكيلية، ولكن هل تجربتك الشعرية أخذتك من باقي فروع الفن الأخرى؟

** في الحقيقة نعم، في السنوات الأخيرة أخذني الشعر عن الكثير من اهتماماتي، إلا أنني أعي ذلك تمامًا ولا أستبعد العودة إلى ممارسة باقي الفروع الفنية في أي وقت. 

 

* كيف تقيِّمين شعراء جيلك؟

** تقييم الإبداع متروك للنقاد أولًا، ثم للجماهير الكلمة الأخيرة، لأن الإبداع الذي لا يمس الجمهور يفقد قدرًا كبيرًا من مصداقيته، ولكن ما يُقلقني حاليًا أن الجمهور باتت علاقته بالشعر بشكل خاص وبالفن بشكل عام غير صحية نظرًا لانتشار موجة من السفاهة تستخدم الفن كوسيلة للتكسب.

وتجر من خلفها الجمهور وتستخف بوعي المتلقين بحيث يصبح الرديء هو العملة السائدة في كل فروع الفن، ولهذا أطالب النقاد بشكل خاص والمثقفين كلهم بأن ينبروا للدفاع عن الفن الحقيقي في مواجهة ما يستهدف تزييف وعي الشعوب وتسليع أفكارهم وتشويه ثقافتهم وسرقة تراثهم الشعبي. 

إن خطر تجريف الهوية وسرقة التراث هو أهم الأخطار التي علينا أن نحاربها، وإلا سنفيق يومًا ما بعد فوات الأوان، لكن عزائي الوحيد أن ثقتي قوية في إرادة الشعب المصري الذي أظن أنه بدأ يعلن استياءه من كل أشكال الفن الرديء.

كما أنه يشتاق إلى عودة الفن المصري بكل فروعة إلى عهده الجميل بحيث يسترد الفن المصري مكانته الفنية في المقدمة التي يستحقها بجدارة. وكما قال كاتبنا الكبير نجيب محفوظ جاءت مصر ثم جاء التاريخ أقول مصر التاريخ وستظل.

 

*  ما هي أعمالك الفنية المقبلة؟

** أعكف بمشيئة الله على كتابة أول مجموعة قصصية لي، وأتمنى أن تصدر قريبًا وتنال إعجاب النقاد والجمهور لأن كتابة القصة القصيرة تستدعي حرفية مختلفة عن الشعر لذلك أتمنى أن أنجح في سبر أغوار هذا اللون الإبداعي لأنه يمثل بالنسبة لي تحديًا جديدًا. 

 

* من وجهة نظرك كيف نوصل الشعر للأجيال الجديدة، وخصوصًا في ظل انصرافهم عن شعر اللغة العربية الفصحى؟

** ينبغي علينا أن نعيد إحياء اللغة العربية من خلال تحفيز الشباب على إتقانها وتحبيبهم في دراستها من خلال إقامة ملتقيات شبابية في حب اللغة العربية واهتمام قصور الثقافة بتقديم أعمال متنوعة سواء كانت عروضًا مسرحية أو ندوات شعرية وثقافية تُدار باللغة العربية الفصحى.

كما يمكننا أن نقيم مسابقات تقدم جوائز مغرية للشباب وتحفزهم على إتقان اللغة العربية، كما ينبغي أن تعود الدراما المصرية لإنتاج مسلسلات درامية باللغة العربية الفصحى، فأنا لا أنسى أبدًا أن الدراما التي كانت تُقدَّم باللغة العربية الفصحى هي أول ما عرَّفني على جماليات اللغة العربية الفصحى وقرَّبها إلى نفسي.

كما أن إتقان اللغة العربية يصبح محفزًا للقراءة، ولا يخفى على أحد أن العودة للقراءة من أهم تحديات العصر في ظل استحواذ وسائل التواصل الحديثة على وقت الجميع.

 

* ولكن ألا تساهم وسائل التواصل الحديثة في نشر الإبداع بشكل منخفض التكاليف بعد ارتفاع أسعار النشر الورقي، كما أنها تساهم بشكل كبير في التعريف بالفنان في مساحة زمنية أقل؟

** لا جدال أن وسائل التواصل الحديثة لها ايجابياتها من حيث سرعة الانتشار وانخفاض التكلفة والوصول لشريحة أكبر من الجماهير، لكن لها سلبياتها، حيث إنك لا تستطيع بسهولة السيطرة على نوع المحتوى الذي يصل للأطفال والشباب بل للمتلقين بشكل عام، وهذا من شأنه أن يعرِّض المتلقي لهجمات شرسة من كل أشكال المحتويات التافهة.

ونظرًا لأن البعض بات يتكسب من السوشيال ميديا فقد باتت هناك فئة من النفعيين منعدمي الوعي والثقافة الذين لا يهمهم سوى ركوب التريند لتحقيق مكاسب مادية حتى ولو كانت على حساب تشويه ثقافة المجتمع ونشر موجة عارمة من الفوضى البصرية والسمعية، لأنه ليس هناك أي جهة رقابية تسيطر على نوعية المحتوى الذي يقدمه هؤلاء.

ولكن لو اجتمعت الإرادة الواعية للاستنفار ضد هذا القبح الذي يتبارى في غزو أخلاقيات المجتمع لأصبح هناك أمل في إنقاذ الأجيال القادمة من هذا الضياع الفكري والانهيار الثقافي ولتمكنا من اعتلاء قمة الهرم الثقافي مرة أخرى.