لخص المفكر والجغرافي المصري الشهير، جمال حمدان في كتابه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" أهمية سيناء، ليس فقط باعتبارها مدخلا شرقيا لمصر، بل بوصفها مدخلا لثلاث قارات، آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي معلومة يعرفها تلميذ الابتدائية.
وقال حمدان"إن تكن مصر ذات أطول تاريخ حضاري في العالم، فإن لسيناء أطول سجل عسكري معروف في التاريخ تقريبا، ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملا إحصائيًا لكثافة للحركة الحربية، فلعلنا لن نجد بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا، من هنا فإن سيناء أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق". هذه المكانة والأهمية الاستراتيجية منحت سيناء في الوجدان المصري مكانة لا يدانيها مكان آخر في مصر، فتقريبا كانت أرض سيناء "معبرا" للجيوش في العصور القديمة، قبل أن تصير "مسرحا" لحروب مصر الحديثة، تغدو وتعود منها الجيوش في 1948، وتقاتل في مواجهة الغزاة في 1956 و1967، ثم تحقق في سبيل استعادة أرض سيناء الانتصار العربي الوحيد – إلى الآن- على إسرائيل في اكتوبر 1973.
كما أن من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير! وقد كان هناك دائما عدو يشكك بطريقة ما في مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما،فتلك الأرض مروية بدماء الشهداء والأبطال،وسوف تكون ارض الفيروز والخير والتنمية البشرية والاقتصادية،وكانت مقولة الرئيس السيسي: " أما ان تبقي سيناء بتاعت مصر،اما نموت".
تذكرت هذه المعلومات والكلمات الهامة خلال متابعة تفقد الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة، إجراءات التأمين على الاتجاه الإستراتيجى الشمالى الشرقى في معبر رفح بسيناء، حيث بدأت الجولة بالمرور على القوات المكلفة بتأمين معبر رفح البرى.
وقد كانت لزيارة رئيس الأركان، دلائل هامة ورسائل،اهمها، أن وجود طائرة في الجو أثناء الزيارة يؤكد أننا متواجدون في الجو، بعد تعمد نتنياهو منذ بداية الحرب على غزة إلفات النظر إلى مصر. كما أن رسالة الفريق أحمد خليفة عن تأمين الحدود المصرية هي أننا لم نقصر مطلقا وعلى مر التاريخ في تأمين الحدود المصرية، وظهور الدبابات في فيديو الزيارة دليل حجم التسليح المصري القادر بإذن الله على حماية البلاد من اي خطر،فضلا عن عدة دلالات منها رسائل للجنود، وأخرى رسالة اطمئنان للداخل، وان قواتنا فوق الأرض مش متخندقة، بل أقوى مما يتخيله أحد ويتناولون أكلهم على البحر !
وتبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء حوالي 61 ألف كم مربع، أي ما يقارب من 6 في المائة من إجمالي مساحة مصر، لكنها في الوقت ذاته تبلغ نحو ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية. اقتصاديا، تمثل سيناء إحدى ضفاف قناة السويس، أهم شريان ملاحي بالعالم، والذي تمر بها 12 في المائة من حركة التجارة العالمية، كما تمتلك سيناء 30 في المائة من سواحل مصر على البحرين المتوسط والأحمر، ما يمنحها إمكانات سياحية واعدة ومدنا ذات شهرة عالمية مثل شرم الشيخ، ومحمية رأس محمد. وتعد سيناء كذلك "كنز التعدين" بالنسبة لمصر، فأطرافها الغربية غنية بالنفط، والمناطق الشرقية منها تمتاز بإنتاج المنجنيز، والحديد والفحم والفوسفات واليورانيوم.
كما تتوافر بها احتياطيات هائلة من رواسب الجبس والسيلكا والرمال البيضاء، التي باتت ذات أهمية اقتصادية لإنتاج أشباه الموصلات. وقد عانت سيناء من تهميش تنموي لعقود طويلة، وعجزت مشروعات التنمية عن استقطاب أعداد وفيرة من السكان، ما عده كثير من المتخصصين "ثغرة" تغري الطامعين فيها سواء من دول، أو تنظيمات إرهابية، وتلك الأخيرة استغرقت السلطات المصرية سنوات لمكافحتها، وقدمت مئات من الشهداء والمصابين في المعارك ضد تلك التنظيمات. وشهدت السنوات التسع الماضية خطة مصرية لتنمية سيناء، تكلفت مرحلتها الأولى، وفق بيانات رسمية، 600 مليار جنيه (حوالي 20 مليار دولار)، لكنها في النهاية حققت ما حلم به جمال حمدان منذ ما يزيد على أربعة عقود، بأن يتم ربط سيناء بالوادي والدلتا، عبر سلسلة من الأنفاق تحت القناة تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية، إضافة إلى توصيل مياه النيل أسفل قناة السويس عبر صحارى خاصة من ترعة الإسماعيلية.
الحل الامثل للحفاظ على سيناء من الأطماع ،تلك الأرض التي اختصها الله عز وجل بأنه سبحانه تجلى فيها، هي استمرار التنمية والمشروعات القومية الكبرى فيها، والزيادة السكانية فيها وعلاج الفقر السكاني وزراعة سيناء بالبشر،قبل الحجر،وبالتالي سيكون لمصر واقتصادها وقتها شأن آخر.