بعد معاناة استمرت سنوات في المواصلات العامة الداخلية بالإسماعيلية، أخيرًا.. مشروع للنقل الجماعي الداخلي بالمدينة، بدأت مشاهد حلحلة الأزمة بتشغيل خطوط ميكروباص 28 راكبًا لتعمل في الاتجاهات ذات الكثافة، والحكاية هنا ليست حكاية أزمة يتم الآن حلها، ولكنها حكاية محافظ شجاع اسمه أكرم جلال، جاء إلى الإسماعيلية مؤخرا ضمن حركة المحافظين الأخيرة، وبدأ عمله قبل وصوله إلى مكتبه بدراسة العناوين العريضة التي يشكو منها المواطن الإسماعيلي وكانت المواصلات الداخلية واحدة منها.
مشروع النقل الجماعي في المدينة ليس جديدا عليها فهو قائم منذ عشرات السنين ثم اختفى في ظروف غامضة، لن نقول إن الفساد هو الذي أدى لاختفائه ولكن سنقول - من باب الأدب - إن الإهمال والتراخي كانا على رأس الأسباب التي غيبت هذا المشروع، ليدخل المواطن إلى لعبة دوخيني يا لمونة مع سائقي التاكسي الذين أسسوا امبراطوريتهم بكل السلوكيات الضارة للمجتمع.
والآن وبعد أن عاد لنا المشروع الشعبي الذي فقدناه، نتساءل عن الإجراءات الواجب اتخاذها لصيانته وحمايته، أعرف أن أكرم جلال محافظ الإسماعيلية لا يقبل ولن يرضى بالحلول الوسط و"تلصيم" المواقف، هو رجل جاد ويعرف جيدا المنطق العلمي للأمور، والذي يؤكد أن الرقابة والمتابعة هما الطريق لاستدامة المشروعات المهمة، والإسماعيلية التي تأسست بشكل حضاري عاشت سنوات مجدها عندما كانت المشاركة الشعبية هي المنهج المعتمد في التنمية والتطوير، ومن الذاكرة يستطيع الراصد أن يلمح بداية الثمانينيات وقت أن يحل موسم الصيف وإجازة الطلبة من الجامعات، كان الجهاز التنفيذي للمحافظة لا يترك هؤلاء الطلبة نهبا لزوايا التطرف وزراعة بذور الإرهاب فيهم، لذلك ومن خلال إدارة شئون الطلاب والاتصال السياسي بديوان عام المحافظة كان يتم التنسيق وتسجيل أسماء الطلبة الراغبين في العمل بأجر في فترة الصيف، وبعدها يتم التواصل مع مديرية الصحة للاستفادة من هذه القوى البشرية في مشروع مكافحة القوارض والآفات، ليحصل الطالب على فرصة عمل شهر كامل ويحل محله طالب غيره في الشهر الذي يليه ومع انتهاء الصيف تكون الدائرة قد اكتملت بتشغيل كل الراغبين في العمل وحصولهم على مكافآت جيدة.
وبالرغم من أن مثل تشغيل الطلبة في الصيف بعيد نسبيا عن مطالبتي بتفعيل الرقابة والمتابعة على مشروع النقل الداخلي فإنني أقترب قليلا من الفكرة وهي أهمية التعاون مع القادة الطبيعيين بالمدينة سواء كانوا شبابا أو تجاوزوا سن الشباب دون النظر إلى انتماء حزبي ضيق أو تمييز، هذا الجيش المساند للديوان العام يعمل تطوعيا دون أجر ومن السهل عليهم الانتشار عند بدايات ونهايات محطات مشروع النقل الداخلي للاستماع إلى ملاحظات المواطنين ورفعها بشكل منظم إلى متخذ القرار لعلاج أي مشكلة وهي في مهدها.
وحتى ينضج ذلك المشروع المهم الذي بدأ بخطوة محمودة نرى أهمية التفكير في الخطوة الثانية وهي في تقديرنا كسر احتكار الجمعية التعاونية للركاب وفتح المجال أمام رجال الأعمال بالإسماعيلية وهذه ضريبة وطنية لخدمة المجتمع وعليهم دفعها وهم سعداء، إذا انفتح المجال للميسورين في المدينة وتكليفهم بإدارة خطوط سير محددة سلفا، من الممكن أن نجد شبكة المواصلات في الإسماعيلية قد اكتملت، وتجربة دخول القطاع الخاص المؤسسي للعمل في مجال نقل الركاب ليست اختراعا من عندي، بل سبق وأن نفذتها محافظة القاهرة حتى أننا نرى خطوط سير باصات يشرف عليها نواب بالبرلمان وقد علقوا صورهم على جانب من الباص للدعاية لهم، ليس هناك ما يضر بشرط أن يفيد ويستفيد.
ملفات المدينة متخمة بالمشكلات والتفاصيل، تحتاج إلى إبداع في المعالجة وأفكار من خارج الصندوق تتفق مع الدستور والقانون، ولتكن البداية جلسات استماع لمن أفنوا أعمارهم في العمل الشعبي بالمحليات وصياغة أجندة محكمة ترصد المشكلة والحل بطريقة تراعي ميزانية الدولة والإمكانيات المتاحة.
إذن هي فرصة نادرة للمحترم أكرم جلال الذي جاء إلى موقع محافظ عروس القناة باريس الصغرى الإسماعيلية التي ظل موقع المحافظ فيها شاغرا منذ أن رحل عنه اثنان من الرموز، واللذان سوف يذكرهما التاريخ طويلا، وهما: الدكتور عبدالمنعم عمارة والدكتور أحمد جويلي، وأقول بكل صراحة جاء من بعدهما موظفون بدرجة محافظ، لم يلتفتوا إلى الشارع، ولذلك جاء عقابهم من الشارع أيضًا بنسيان أسمائهم.