الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

إبداعات البوابة| "الطُّيورُ تعلَّمتْ هْجرَ المدينةِ" قصيدة لـ"عبد الناصر الجوهري"

اللوحات الفنية للفنان
اللوحات الفنية للفنان التشكيلى يوسف كامل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لا عصافيرَ تأتي إلى الشُّرفاتِ،

ولا ليلَ دارتنا

قد أعاد نُجَيْماته للوفاقْ

كل غُمَّيْضةٍ في الأزقَّةِ،

كانت تخبِّئ  فينا انعتاقْ

كم هَرِمْنا ولم يأتِ في ركْبهِ

قمرُ الذِّكرياتِ،

ولا طائرُ العُمْر عاد

وملَّ الفِراقْ

والطُّفولةُ صارتْ لدينا كـــ شطٍّ بعيدٍ

فقدْناهُ؛

حين تركنا هوى النَّظراتِ..

لأفْقٍ غوتْهُ الحِداقْ

فالخُطى لا تسيرُ سوى للمشيبِ،

ونحن نودِّعُ أيَّامنا

فوق جسر التَّلاقْ

يا رفاقْ

أيْن تلك القصورُ العريقةُ

أين نوافيرها؟

ونوافذها المُسْتديرةُ خلف الزُّجاج المُلَّون

كنتُ أراها ائتلاقْ

ريثما هوسي بالتَّسلُّل مِنْ فوق أفنيتها

حين كنا صغارًا

لــ نأكلَ أطيابَ أشجارها

في استراقْ

إنَّ أبراجَ هذي المدينةِ ليستْ تُطاقْ

أين تلك الحدائقُ

في صُبْحها المُسْتفاقْ

أين تُفَّاحها؟

أين رُمَّانها؟

أين ليمونها؟

أين نخْلاتها؟

كم صعدْتُ عليها

فتأخذني بين أذرعها

في عناقْ

أين جُمَّيزها؟

حين يُثْمرُ بين الجذوع

وكان مُصفَّىً وحُلْو المذاقْ

حينما كنتُ وحدي أهزُّ شُجيراتِ توتِ الخميلةِ..

مالتْ بنا حافةُ الغُصْن

لكنَّ حبَّاتها

كنْتُ أُسْقطها للرِّفاقْ

بينما خافقيْ كان يُخْفي احتراقْ

أين تعْريشةُ العنبِ المُتدلِّي

تُزيِّنُ كلَّ حُقول النِّطاقْ

أين ظلِّي الخجولُ مضى

أيْنها هادلاتُ الأعالي

فما عاد بدْرٌ يُغيَّبُ في آخر الشِّهر

أىَّ مُحاقْ

فهنا اقتلعوا نخْلةً صادروها

لأجْل بناياتِهمْ

إنِّها تحْجبُ  الآن عنِّي الحقولَ،

الجداولَ،

عطْرَ الأزاهير بين الرَّواقْ

أين صِنَّارتي؟

سَمَكي لم يكنْ هاربًا

قد أضاع الشُّطوطَ،

وبالنَّهر ضاقْ

فــ هُنا حَجْلةٌ

تداولتها الصَّبايا على ساقِ واحدةٍ

منعونا المُرور عليها

وتحريرها من مُحيط السِّياقْ

حينما كنتُ طفلاً جعلتُ الشُّجيْرات تعدو

كباقي الرُّبى الآُخْرياتِ..

فــ كنتُ أجيء بآخر ذاك السَّباقْ

كنتُ خبَّأتُ في جوفِ أعشاشها

كل حكايات عشْقي لأوَّل بنْتٍ إليها انجذبْتُ،

حين أبان اخضرارُ شغافي

اشتياقْ

يا رفاقْ

أين تلك الشَّواديفُ بالمُنْحنى

حين تهْمسُ للنِّيل

ألا يُصدُّ ظماء القُرى

طالما لا تُثيرُ انشقاقْ

حتى فناءُ المدارس أخفى دموعًا

يُخبِّئها

حين كنا مرَّرنا عليه استغاثَ

فــ جُرِّد مُتْسعٌ للكناياتِ

أو للطِّباقْ

يا رفاقْ

لا أرى غير بعض الطلُّول،

وأوجاعَ حُلْمٍ غريبٍ،

مُعاقْ

لا أرى غير سمْسارِ أبْنيةٍ

يسْتبيحُ الحديقةَ،

ينْزعُ مِنْ هُدْنةِ العيْشِ كلَّ اتفاقْ

فــ هُنا عبقٌ للدِّيار تلاشى

وقبْرُ الأحبَّةِ قد نقَّلوهِ

وسدُّوا عليه - بكلِّ الزِّيارات - بابَ الخِناقْ.