كثيرة هي الأحاديث والمقالات عن قفلة الكاتب أو سدة نفسه عن أن يكتب ما لديه، تفشل كل محاولات استنشاط قلمه.
للتخفيف من الأمر، يحلو للبعض تسميتها باستراحة الكاتب، آخرون يرون أن الأمر راجع لأسباب نفسية أو اجتماعية أو هما معا، وقد يكون القرار متعمدًا من الكاتب؛ إذ يقول لنفسه: سأتوقف عن الكتابة مؤقتًا.
وهذا نوع من التوقف قد يكون لأسباب فكرية وثقافية وسياسية ربما لمراجعة أفكاره بنفسه مع نفسه، أو مع من يثق في رأيه وإخلاص نيته للتصحيح أو الإضافة.. إلخ
يرى البعض أن عدم الكتابة لفترة قد يكون جيدًا للكتابة، بل قد يجعل من المرء كاتبًا أفضل بعد ذلك.
"إرنست همنجواي" الذي رأى وعاش أهوالا عديدة في الدنيا؛ حيث صارع الثيران في إسبانيا، وسقطت به الطائرة في إفريقيا، وأصيب بأعيرة نارية في الحرب العالمية الأولى، تحَمل إرنست همنجواي صاحب نوبل، وأحد أهم كتاب القرن العشرين، وقاوم وتعايش مع كل هذا ومع ما هو أكثر، لكنه عندما سُئل "عن أكبر المخاوف التي واجهها في حياته، قال: "الصفحة البيضاء" !
يقصد سدة النفس عن الكتابة، القفلة القلمية، أن يجلس ليكتب فلا يجد ما يكتبه!
السدة القلمية شئ يختلف عن قرار أحدنا مع نفسه أن يتوقف عن الكتابة مقسما على ذلك بأغلظ الأيمان، فتلك حالة لا قلق منها على الكاتب، لأنه سرعان ما سيبحث عن حيلة لأداء كفارة اليمين عائدا إلى الكتابة مرة أخرى!
الحالة التي نخشى فيها على الكاتب أو الكاتبة، الحقيقيين، وعلى المجتمع، ألا نعرف سببًا لهذا التوقف، الأشد صعوبة علينا وعلى الكاتب ألا يعلم أحد الكتاب سببا لتوقفه عن الكتابة، أو يعلم ويعجز عن علاج الأمر.
ولا أميل إلى قسوة الآراء من الذين يذهبون إلى ترديد مقولة إنه أفلس، ولم يعد لديه ما يقوله! أو أن الكاتب يتحجج بأنه مصاب بالبانتوفوبيا!
حرام على هؤلاء أن يقولوا مثل هذا، فبدلًا من الاقتراب الإنساني من الكاتب لمساندته في استعادة قلمه، نجهز عليه ونقضى عليه تمامًا ؟!!
يحيرني سؤال كهذا: "هل جلست يومًا لساعات تحدق في ورقة بيضاء؟ تتصارع اللغة والأفكار والموضوعات داخلك، تستجدي هبوط كلمات وعبارات، لكنها تتأبى ولا ترحم توسلاتك، تكون كمن يفتح باب الثلاجة ليحتسي بعض الماء فلا يجد بها ماء مثلجا ولا كهرباء!
صراع يتملك الكُتاب الحقيقيين، الذين نبحث عن أسمائهم، وليس أولئك الذين لم يكتبوا في حياتهم إلا القائمة التي يستعان بها في السوق لشراء مستلزمات الأسرة لأن أم الأبناء بعافية شفاها الله وعافاها !
قد يشعر مثل هذا أن قلبه يمتلئ بالحماس للكتابة عن تلك الأمور لكنه لا يستطيع، لأنه ليس كاتبا بالمفهوم المتعارف عليه، فيكتفي بالفضفضة على مقهى للشيشة أو مع نفسه، ولا يجرؤ على تدوين جملة مما يشعر به ؛ فقد يحدد إقامته في البيت أو المستشفى لشجار زوجي لإصابته بكسر في الذراع أو الرجل أو الجمجمة، تلك دعابة، لا أكثر.
أنا أدعو من كل قلبي بالسعادة لمن يجعل الكاتب دائمًا سعيدًا بنجاحه في كتابة أفكاره بتسلسل وأريحية وإنسيابية، وبرؤيته جدوى مما يكتب، بحيث يعلم بوضوح ما يريد أن يكتبه والهدف من وراء الكتابة.
حتمًا ستأتي أجيال قادمة لتقرأ ما قد سجله الكتاب والمبدعون وأصحاب الأقلام في محطات التاريخ والأحداث، وستحكم الأجيال القادمة مع التاريخ على ما كُتب، ستحلله لاستبصار المواقف.
لأصحاب الرؤى أقول لا تَدَعُو كاتبًا ينسحب بقلمه، لأن كثرة من يعانون من السدة القلمية قد يؤدي إلى غياب ملائكة التنوير بالتفكير المستنير، كم نحتاج إلى الملائكة!
لنحافظ على تماسكنا ووحدتنا وقوتنا ومساندة إرادتنا وقيادتنا، الرجاء المساعدة والعون بالصور المناسبة لئلا تنسد نفس كاتب أو كاتبة عن الكتابة، حتى وإن كان مختلفًا معي أو معك.
الاختلاف تنوع وتجدد وقوة ترهب أعداء أوطاننا.
الأمر الذي أخشاه أن يكون أحد أسباب السدة القلمية، لدى هذا أو ذاك لإصابته بالبانتوفوبيا" مرض الخوف من كل شىء، البانتوفوبيا تثير ولا تنير، تهدم ولا تبني، تفك ولا تجمع، لو أن" جاك داريدا"بيننا الآن صاحب نظرية التفكيكية لأكد لتلامذته وأضاف في أبحاثه النظرية أهمية عنصر البانتوفوبيا في الدرس السوسيوتفكيكي، السوسيوثقافي، السوسيومعرفي، السوسيو حاضر ومستقبل!
الكتابة روح التقدم، سبيل النجاح، أما السدة القلمية، أو قرار هذا أو ذاك مع نفسه بعدم الكتابة، فهذا مما يجهد المجتمع ويرهقه، ويزيد الأمور الصعبة صعوبة، لأن الواقعين في معترك التحديات والأزمات لا يكون سهلًا عليهم قراءة المشهد جيدًا من كل زاوية، وبكل الرؤى التحليلية، لأنه ببساطة قد يكون في قلب قلب تلك التحديات، التي قد تكون هي الأخرى مفتعلة، لتوقف أي حراك أو حوار جاد بناء.
نستكتب من قد اختفى عن المشهد، ونحن نعلم أن في أدراج وعيه الكثير، أعني أصحاب الرؤى والتجارب الحلوة والمرة، لديهم ما نواجه به تحدياتنا الراهنة كافة، وما لا يخطر على بال أعداء أوطاننا الذين يضعون لكل مسار لنا مسارا افتراضيًا مضادًا، فمن أين وكيف يكون المسار الصحيح إلا إذا كان غير متوقع لأعدائنا، وما أحوجنا إلى الأفكار الناجحة اللا متوقعة، وما أخوفنا من البانتوفوبيا!