قادتني الصدفة خلال الأيام الماضية إلى تصفح كتاب بعنوان “كل الجحيم ينفجر وجهة نظر البنتاجون بشأن تغير المناخ”، الكتاب صدر عام 2019 ويقع في 304 صفحات، ويتكون من 8 فصول، ومؤلف الكتاب ليس غريبا عن المراسلين الحربيين فهو مايكل كلير الصحفي المتخصص في قضايا الدفاع والأمن وهو أيضًا خبير في الطاقة، وأستاذ دراسات السلام والأمن العالمي في جامعة هامبشاير الأميريكية. وسبق أن قرأت له كتابا شديد الأهمية حول الحروب على الموارد والجغرافيا الجديدة للنزاعات العالمية، وكتاب آخر بعنوان "دم ونفط: أمريكا واستراتيجيات الطاقة إلى أين؟".
وقد عثرت على كتابه الجديد "كل الجحيم ينفجر" بينما كنت أبحث عن مراجع للكتابة حول ما يسمى بالجيوش الخضراء وهو اتجاه حديث لتطوير الجيوش حتى تتبنى سياسات التحول للاستدامة البيئية. ويركز الكتاب على تأثير التغير المناخي على السياسات الدفاعية. ومن أهم الأجزاء التي توقفت عندها تلك التي أشار فيها كلير إلى اعتراف البنتاجون بأن تغير المناخ يعد تهديدا مضاعفا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم قضايا أخرى مثل هشاشة الدولة وبنيتها الأساسية من طرق وكبارى وشبكات مياه وصرف وكهرباء، والانقسامات العرقية وما قد تسببه من صراعات عنيفة.
والملفت أن كلير يتوقع انهيارا عسكريا محتملا خلال عشرين عاما بسبب ضغوط تغير المناخ. ويشير إلى تقرير صدر عن كلية الحرب العسكرية وتوقع نفس المصير. ويقول: إن الأمريكيين قد يواجهون مستقبلًا قاتمًا ومروعًا بسبب تغير المناخ الذي يشمل انقطاع التيار الكهربائي والمرض والعطش والمجاعة والحرب مع انهيار للجيش. ويشير إلى أن كل هذا يمكن أن يحدث خلال العقدين المقبلين.
ويعتمد كلير على تقرير الجيش الأمريكي المشار إليه معتبرا أن تنوع مشارب كبار المسؤولين الحكوميين الأمريكيين الذين كتبوا ذلك التقرير الاستشرافي أعطاه قوة ومصداقية، حيث أنهم من عدة وكالات رئيسية بما في ذلك الجيش ووكالة الاستخبارات الدفاعية ووكالة ناسا. لذلك يجب أخذ التحذيرات مأخذ الجد، منها ضرورة الاستعداد بشكل عاجل لاحتمال انهيار أنظمة الطاقة والمياه والغذاء المحلية بسبب تأثيرات تغير المناخ مع اقترابنا من منتصف القرن.
ويضيف كلير أن التقرير تم إعداده بتكليف من الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في عهد ترامب، مما يجعله الضابط العسكري الأعلى رتبة في البلاد (كما ينوه التقرير إلى كونه على خلاف مع ترامب، الذي لا يأخذ تغير المناخ على محمل الجد).
ورغم أن الكلية الحربية للجيش الأمريكي أتاحت الاطلاع على التقرير للجمهور عبر مركز المناخ والأمن، "لكنه لم يحظ بالكثير من الاهتمام" على حد قول كلير. ويركز السيناريوهان الأبرز في التقرير على خطر انهيار شبكة الكهرباء خلال السنوات العشرين المقبلة، وخطر انتشار الأمراض والأوبئة بسبب التغيرات المناخية.
ويذكر كلير حرفيا: "إن "زيادة متطلبات الطاقة الناجمة عن أنماط الطقس الجديدة القاسية مثل فترات طويلة من الحرارة والجفاف والبرد يمكن أن تطغى في نهاية المطاف على نظام هش بالفعل". ويحذر أيضًا من أن الجيش الأمريكي يجب أن يستعد لتدخلات أجنبية جديدة في صراعات محتملة على المياه على غرار سوريا والعراق وتركيا، مسلطا الضوء بالخصوص على بنغلاديش باعتبارها الدولة الأكثر عرضة للانهيار المناخي في العالم. ويحذر من نتيجة محتملة لمضاعفات تغير المناخ في بلد يعيش فيه أكثر من 600 مليون شخص عند مستوى سطح البحر وسيكون نزوحهم بمثابة كارثة إقليمية مع احتمال زيادة عدم الاستقرار العالمي. كما ينبه لخطورة الوضع في مناطق أخرى مثل القطب الشمالي الذي يذوب بسرعة واحتمالات نزوع صراع مع روسيا التي تبسط سيطرتها على مناطق غنية بموارد المياه في عصر الشح المائي. لكن بدون إصلاحات عاجلة، يقول كلير، قد ينتهي بالجيش الأمريكي نفسه إلى الانهيار فعليًا أثناء محاولته الاستجابة لانهيار المناخ وقد يفقد قدرته على احتواء التهديدات في الولايات المتحدة، وقد تتدهور إلى "فشل المهمة" في الخارج بسبب عدم كفاية إمدادات المياه.
ويرسم صورة مخيفة للانهيار على مدى السنوات العشرين المقبلة بسبب تأثيرات تغير المناخ على "الأنظمة الطبيعية مثل المحيطات والبحيرات والأنهار والمياه الجوفية والشعاب المرجانية والغابات". ويتنبأ بكوارث بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وندرة المياه الناجمة عن تغير المناخ، والزيادة السكانية، وسوء إدارة المياه، وأنهما الخطر القادم على المدى القريب وسيؤدي إلى الاضطرابات المدنية وعدم الاستقرار السياسي.
ذلك ملخص لبعض المخاطر التي عرضها كلير في كتابه، ولعل أهم نقطة هي ما خلص إليه حول التعامل مع السبب الجذري للقضية التي تجاهلها تقرير البنتاغون من اعتماد أمريكا المزمن على النفط والغاز الذين يقودان إلى زعزعة استقرار النظم البيئية على كوكب الأرض ودعوته للكف عن هذا الاستنزاف لموارد الطاقة منعا للانهيار.