الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المحبة إذا لم تكن جامعة لا يُعوَّل عليها!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سر  نجاح رواية "موت صغير" للروائي المبدع "محمد حسن علوان" نجاحا غير مسبوق هو تقنيتها السردية الجديدة والمتفردة إذ إنه بذكاء شديد أقنع القارئ بأسلوب شيق وأَخَّاذ بكل أحداث الرواية وتفاصيلها.

مثلا كيفية تعرف الشيخ الأكبر محى الدين بن عربي على نظام ابنة الشيخ زاهر و‏ كيف  نما الحب بينهما وضع تصورا منطقيا وهو  أنه  كلما    سأل الشيخ زاهر عن مسألة  يوعده  بأن يأتي بالجواب  بعد أن يسأل أخته فخر النساء.

فانشغل ذهن الشيخ الأكبر  بهذه العالمة الفقيهة التى يسألها  شيخه   حتى استأذنه   فى أن يجلس عندها للدرس  فأذنت له وهكذا كانت الحبكة الروائية فى الاقتراب من  لقاء نظام ابنة شيخه  وصار يأتي بعد زوال الشمس  فتجلسه على عتبة الباب وتقرأ عليّه علمًا سلسًا نافعًا وصفه الكاتب بأن له حلاوةٌ وقبول  لم يطعم مثلهما في علوم  فقرأ معها الكتاب تلو الآخر، والسيرة تلو الأخرى وكلما انتهى من مبحثٍ اشتغل بآخر ولا يملّ ثم يصل إلى النقطة الحرجة وهى ظهور الحسناء "نظام"  واليك ماكتبه بإبداع:

- كنت جالسًا عند عتبتها فجاءت امرأةٌ لم ترَ عيناه أجمل منها تحاول أن تدخل فتنحيّت جانبًا وسمعتها تقول: ‫

‫ – السلام عليك يا عمتي...‫ فتقول فخر النساء: ”ادخلي“...

ويقول قلبي: ”ادخلي“

فدخلت البيت وقلبي في آنٍ واحد.. تلك نظام، عين الشمس والبهاء، ابنة الشيخ  زاهر تقرأ على عمتها وأبيها كتبًا لم أقرأها وكتبًا قرأتها واشتهيت أن أعيد قراءتها... فإذا انصرفت بعد درسى تناهى إلى سمعي قول عمتها:

”سمّي الله وابدأي يا ابنتي“، فأسترق السمع متظاهرًا بإعادة لفّ عمامتي لأطيل وقوفي فأسمع صوتها العذب الرقراق...

قال الشيخ الأكبر
- يا شيخة فخر  ماذا تقرأ عليك هذه الفتاة؟ ‫ وقبل أن تجيب استطرد قائلًا: ‫
– إني أرغب في قراءته.. فهلاّ قرأته معكما من مكاني هذا عند عتبة الباب؟ ‫

تجيب فخر النساء:

نفعل ذلك من غدٍ إن شاء الله ‫ وصار ذلك درس العقل والقلب، منارة البصر والبصيرة، شعلة الجسد والروح أسأل أنا فتطلب فخر النساء من نظام أن 
تجيب، وتسأل نظام فتطلب فخر النساء مني أن أجيب وطيلة الدروس لا تكلّمني نظام مباشرةً ولا أكلّمها إلا عن طريق عمتها...

تسألها عمتها عن مسألة فتجيب إجابةً مطولة تنتهي بها إلى مطلع قصيدةٍ تستهلّ بها فإذا رجعت إلى هذه القصيدة وجدت بقيتها غزلًا جميلًا فإذا سألتني فخر النساء عن مسألة أجبت إجابةً أطول ثم استشهدت ببيتٍ من الشعر تعرف نظام أن في باقي القصيدة رسائل موجهة إليها من قلبي الذي تعلّق بها...

ومنذ الأسابيع الأولى صارت نظام تجلس قبال الباب، وعمتها وراءه وأنا عند عتبته. فأراها طيلة الدرس وعمتها لا ترى 
أني أراها. فتُدني خمارها عن وجهها... عينين فوجنتين فشفتين فنحرًا كأنه بركةٌ من لؤلؤ...

‫ مرّت الأيام وحفظت من دروس فخر النساء ضعفي ما حفظته من دروس زاهر... وانشغلت بي  العجوز المسكينة، فأصبحت أقرأ عليها كتبًا، قد قرأتها عليها من قبل فلا تدري لأنها نسيت، وأغمز لنظام وتغمزني، فنبدأ كتابًا جديدًا نعلم أنه سيستغرقنا أسبوعًا من الزمان؛ أسبوعًا من التحليق في جبين نظام 
الوضاء مثل طائرٍ ضائع؛ أسبوعًا من التأمل في حسنها الأصفهانيّ الأصيل مثل شاعرٍ مبتدئ؛ أسبوعًا من القبلات التي تتهادى في الفضاء حتى تحطّ على فمها مثل ورقة خريفٍ متعبة؛ أسبوعًا من التعجّب من حركات   يديها اللطيفتين، وعينيها الواسعتين، وشفتيها الورديتين.

انتظر... لا يأخذك خيالك إلى بعيد فالروائى الذكى سيجعلك تدهش من نهاية هذا  الحب  إذ إن الشيخ الأكبر  يُفاجأ برفضها الزواج منه، ليكتشف أنها كانت وتدا من أوتاد الأرض الأربعة، وهذا طبقا للفهم الصوفي،  أى أنه يستحيل الارتباط بها.

الأكثر غرابة فى الرواية هى تفاصيل نهاية حياة "الشيخ الأكبر"التى لا يمكن أن تتوقعها.

الأسبوع القبل بإذن الله نعرف كيف كتب الروائى البارع  نهاية الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.