الجار قبل الدار.. مثل شعبي متداول منذ أجيال يختزل حكمة عميقة، فالجيرة الصالحة هي التي تجعل البيت مأمناً وسكينة، حتى وإن كانت الدار صغيرة أو متواضعة، الجار الصالح قد يكون الأخ الذي لم تلده أمك، والسند في الشدائد، والرفيق في الأفراح والأحزان، هذه الفكرة كانت ولا تزال جزءًا من ثقافتنا، متغلغلة في وجداننا منذ الصغر.
مقتل شاب على يد جاره
في أحد أبراج منطقة أبو القمصان بحي الزهور في محافظة بورسعيد، تحولت هذه الحكمة إلى مأساة، حيث تجسد الجار في صورة شيطان نزع عنه عباءة القرب والمودة، واستبدلها بثوب الخسة والندالة، ليزهق روح جاره العريس أمام أعين باقي الجيران، دون أن يقترف المجني عليه ذنبًا سوى أن التكييف بينقط.
في صباح يومٍ عادي، استيقظ سكان أبراج أبو القمصان على صراخ مذعور ينبعث من أسفل العمارة، هرعوا إلى النوافذ والشرفات، ليجدوا مشهدًا تجاوز حدود الخيال، كان «حسام»، الشاب الذي عرفوه بخلقه الطيب وعمله المتواصل، غارقًا في دمائه، يحتضر أمام أعينهم، كان الجاني يقف هناك، وفي يده سكينة، بلا أدنى تعبير على وجهه، وكأنما قتل ذبابة وليس إنسانًا.
«حسام» الشاب المكافح، كان يعمل في منطقة الاستثمار بوردية مزدوجة ليجمع تكاليف زواجه، وكان يعرف بين الجيران بابتسامته التي لا تفارق وجهه، وبلطفه الذي لا يتغير، حتى وهو مرهق من العمل لساعات طويلة، كان يسكن في تلك الشقة مع والدته المريضة، التي كانت تنتظر يوم زفافه كأنه طوق النجاة من كل أحزانها وآلامها.
لكن «محمود»، الجار الذي تحول إلى قاتل، كان يرى في حسام مصدر إزعاج، كان التكييف الذي اشتراه حسام بشق الأنفس، لينعم ووالدته ببعض الراحة في تلك الأيام الحارة، يتسبب في تساقط بعض الماء على شرفة محمود، فبدلاً من التحدث إلى حسام بروح الجيرة، ومحاولة إيجاد حل، كانت نفس محمود تتأجج بالغضب، وتتربص بحسام حتى تحول ذلك الإزعاج البسيط إلى مبرر للجريمة.
في ذلك اليوم المشئوم، خرج محمود من شقته، وتوجه إلى باب حسام، طرق الباب بعنف، وحين فتح له حسام، لم يكن يتوقع أن يتلقى سيلًا من الشتائم والاتهامات، حاول حسام تهدئة جاره، وأكد له أنه سيتحقق من الأمر ويصلحه، لكنه لم يكن يعلم أن الشيطان الذي يسكن قلب محمود كان قد استيقظ ولا ينوي العودة.
جريمة بورسعيد
طلب محمود من حسام أن يرافقه إلى أسفل العمارة ليتحدثوا بعيدًا عن أعين الجيران، وافق حسام بحسن نية، لكن بمجرد أن وصلا إلى السلم، أخرج محمود سكينًا كان قد خبأه في جيبه، وطعنه في صدره، طعنة واحدة كانت كفيلة بإنهاء حياة الضحية، ليسقط على الأرض، وبدأت حياته تتسرب منه كما كانت تتساقط تلك القطرات من التكييف.
تلقت الأجهزة الأمنية بمحافظة بورسعيد، بلاغا بمقتل شاب يدعي «حسام»، وانتقل فريق بحث جنائي برئاسة اللواء ضياء زامل، مدير إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن بورسعيد، وتمكن الفريق من ضبط الجاني والسلاح المستخدم.
وتبين من التحريات المبدئية أن الجاني جاره محمود، وجرى ضبطه وبحوزته السلاح الأبيض، وتبين أن خلافا نشب بين الجاني وجاره المجني عليه بسبب صرف التكييف، وتساقط مياه على الجاني، وذهب إليه بمنزله وبحوزته سلاح أبيض، وفي أثناء نزول الضحية معه على سلم العمارة التي يقيمان بها، طعنه في صدره.
نُقل جثمان الضحية إلى المشرحة، وتجمعت والدته المكلومة وبقية أسرته، ينتظرون التصريح بالدفن، لم تكن هذه النهاية التي تخيلتها الأم لابنها، الشاب الذي كان يجهز نفسه ليكون عريسًا بعد أيام قليلة، في حين أن محمود يواجه مصيره المحتوم.