الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

علي رجب يكتب.. فرج فودة وعبدربه: المفكر والقاتل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تشكل الفترة بين يونيو 1992 ومارس 2017 ساحة صراع أيديولوجي دامية بين فكرين متناقضين: فكر التنوير والحداثة الذي مثله الدكتور فرج فودة، وفكر التطرف الديني الذي مثلته الجماعة الإسلامية بزعامة أبو العلا عبدربه. هذا الصراع، الذي انتهى باغتيال فودة، يعكس عمق الانقسام الفكري الذي عاشته مصر في تلك الفترة، وما زالت تعاني من تداعياته حتى اليوم.

 

الدكتور فرج فودة: صوت التنوير

كان الدكتور فرج فودة مثقفًا مصريًا بارزًا، دعا إلى الحداثة والتنوير وناقدًا صريحًا للتطرف الديني. تميزت كتاباته بعمقها الفكري ووضوحها، وحظيت بشعبية واسعة بين الشباب المثقف. من بين أعماله المهمة، كتب "الحقيقة الغائبة" (1984) و"قبل السقوط" (1984) و"الملعوب" (1985)، التي استعرضت أخطاء التاريخ الإسلامي وأدانت محاولات الإخوان المسلمين لتجميل الصورة التاريخية للخلافة.

على النقيض، كان أبو العلا عبدربه أحد أبرز رموز الجناح المسلح في الجماعة الإسلامية. تبنى فكرًا متشددًا واعتبر أن آراء فودة تكفيرية، مما دفعه إلى إصدار فتوى بقتله. في يونيو 1992، شهدت مصر ذروة الصراع باغتيال فودة، والذي اعترف عبدربه بتورطه فيه، مؤكدًا أنه أمد منفذي الجريمة بالأسلحة والذخيرة.

أدى اغتيال فودة إلى تصعيد الصراع بين الدولة والجماعات الإسلامية، مما أدى إلى موجة من العنف والإرهاب استمرت لسنوات. كما أدى إلى تراجع دور التيارات الإسلامية المعتدلة، وسيطرة التيارات المتشددة على المشهد الإسلامي في مصر.

في تحول مفاجئ للأحداث، أفرج محمد مرسي، عضو مكتب الإخوان المسلمين وقت جلسوه على كرس الحكم في مصر، عن عبدربه في عام 2012، مما أثار جدلًا واسعًا واعتبره كثيرون استفزازًا لمشاعر المصريين وتشجيعًا للإرهاب. بعد إطلاق سراحه، عمل عبدربه على إعادة تشكيل خلاياه النائمة في مصر وبدأ في التخطيط لعمليات إرهابية جديدة. كما أشرف على تدريب الشباب في معسكرات بالسودان، وإرسالهم إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش.

بيما يرى جماعات الاسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين "الاب الروحي" لكل التيارات الاسلامية والجماعات الارهابية "السنية" في المنطقة والعالم، تري في الوطن "حفنة تراب" كما قال المرشد الأسبق للإخوان مهدي عاكف.

في الوقت نفسه، كان فرج فودة وهو يصارع الموقت في المستشفى: "يعلم الله أنني ما فعلت شيئًا إلا من أجل وطني".

وعندما استجوبت هيئة المحكمة أبو العلا عبدربه، قاتل فرج فودة، عن سبب اغتياله، أجاب: "لأنه كافر". وعندما سُئل كيف عرف أنه كافر، رد: "من كتاباته". وعند سؤاله عما إذا كان قد قرأ كتب فودة، قال: "لا، لم أقرأها لأنني لا أقرأ ولا أكتب". كان هذا المشهد يوضح تناقضات شخصية عبدربه، عضو الجماعة الإسلامية الذي نفذ عملية اغتيال المفكر المصري فرج فودة.

وفي أواخر عام 2012، عاد عبدربه إلى الحرية وبدأ يظهر في الصحف والبرامج التلفزيونية، مدعيًا توبته عن العنف. وأكد أن الجهاديين في مصر قد اتخذوا نهجًا جديدًا بعد ثورة يناير، يعتمد على الدعوة للدين بالحسنى والتواصل مع فئات الشعب المختلفة. بسرعة، أصبح عبدربه أحد أبرز وجوه الفضائيات، خاصة في القنوات الدينية المرتبطة بالجماعة الإسلامية.

كان فودة واضحًا في مواقفه الفكرية؛ فرفض الدولة الدينية ومبدأ الخلافة، معتبرًا أن ذلك "انتقاص من الإسلام".

 بينما عبر عبدربه في تدويناته على "فيس بوك" عن نواياه في العودة إلى العنف ضد الدولة المصرية، محرضًا على استخدام السلاح واحتلال الصعيد.

تعتبر قصة الصراع بين فرج فودة وأبو العلا عبدربه واحدة من أبرز الصراعات الفكرية، الصراع بين الوطن واللاوطن، بين الاعمار في الأرض وبين الدمار والقتل، بين منح الحياة وسلب الحياة.