الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

محور فلادلفيا.. تلك هى الأزمة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

انتصرت المقاومة اللبنانية فى اللحظة التى أفرغت فيها جبهة الشمال من المستوطنين الصهاينة، وهى الآن تمثل أحد عوامل الضغط لصالح المفاوض والوسيط فى حرب غزة من أجل إنجاز اتفاق يقضى بانسحاب جيش الاحتلال من القطاع ومحور فلاديلفيا والذى بات مؤكدًا استحالة انسحابه بدون وقف دائم للحرب.


تؤكد صحيفة الإندبندنت (النسخة العربية) أن مسيرات حزب الله المفخخة قد وصلت إلى أهدافها فى قاعدة جليلوت الإسرائيلية على بعد ١٫٥كم من تل أبيب نقلًا عن صحف ووسائل إعلام دولية وعبرية؛ وهو ما أكده أيضًا زعيم الحزب السيد حسن نصر الله؛ لكن بقى معرفة حجم الدمار والخسائر التى نتجت عن العملية العسكرية وهو ما علّق على أساسه نصر الله إمكانية معاودة الهجوم ثأرًا لمقتل فؤاد شكر مستشار الحزب العسكرى.
ومع ذلك تعد هذه العملية حدثًا عارضًا فى سياق حرب الاستنزاف التى بدأتها المقاومة اللبنانية ضد العدو الصهيونى فى الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣ دعمًا وإسنادًا للمقاومة الفلسطينية فى غزة.


تلك الحرب التى قاربت على إتمام عامها الأول نجحت فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية وهى استنزاف العدو وأجباره على إجلاء أكثر من ١٢٠ ألف مستوطن من مدن وقرى الشمال الفلسطينى المحتل وتكبد ثمن إقامتهم بفنادق تل أبيب بخلاف الخسائر الاقتصادية الناجمة عن شل كل مناحى وأنشطة الحياة فى تلك المنطقة؛ والتى بات سكانها اليهود يشكلون عاملًا آخر للضغط على حكومة الإرهابى بنيامين نتنياهو.


عمليات المقاومة اللبنانية تسببت أيضًا فى إرباك الخطط العسكرية لقادة جيش الاحتلال الذين تشتتوا بين نقل مركز ثقلهم العسكرى إلى جبهة الشمال، واحتياجهم لبقاء جنودهم باستمرار احتلال محورى نتساريم بوسط غزة وفلاديلفيا الشريط الحدودى الممتد مع مصر بطول ١٤ كيلو مترا.


جاءت عملية الرد على اغتيال ثانى أكبر شخصية لحزب الله (فؤاد شكر) محسوبة ودقيقة وتعطى رسائل مفادها أن لدى المقاومة اللبنانية ما يمكنها من الوصول إلى أهداف عسكرية حيوية وعمق الكيان فى تل أبيب دون أن تقع فى خطأ اختيار أهداف تؤدى إلى اندلاع حرب إقليمية موسعة لا تريدها كل الأطراف الدولية والإقليمية وقبلها الكيان الصهيونى الذى يخشى التورط فى حرب بينما أقدامه القذرة غارقة فى وحل غزة.
لذلك باتت عمليات المقاومة اللبنانية تشكل عامًلا ضاغطًا مهمًا فى المفاوضات الجارية الآن، فبدون التوصل لاتفاق ينهى العدوان الصهيونى على قطاع غزة بشكل دائم، ستستمر حرب الاستنزاف العسكرى والاقتصادى فى الشمال.


عمليات المقاومة الفلسطينية فى غزة، ورغم استمرارها طوال ما يقرب من ١١ شهر، باتت هى الأخرى تشكل ضغطًا عسكريًا وسياسيًا خطيرًا على حكومة الكيان.
فمع عودة الوفد الفلسطينى من القاهرة مساء الأحد ٢٥ إغسطس انطلق صاروخ فلسطينى من قلب خان يونس لينفجر فى تل أبيب وهو ما يعنى أن الوصول إلى نقطة النهاية فى مسار المفاوضات العبثية سيحول تل أبيب إلى بؤرة تستهدفها المقاومة الفلسطينية بالصواريخ والعمليات الفدائية عبر استشهاديين يقومون بتفجير أنفسهم على غرار ما حدث الأسبوع المنصرم لكن ربما تكون بشكل مكثف وأقوى من حيث التأثير.
غير أن هذه الضغوط والتى من بينها الأكمنة شبه اليومية للجنود الصهاينة فى مدن غزة يضاف إليها الآن الضغط المصرى بعد أن أصبحت مصر طرفًا مفاوضًا ووسيطًا فى آن واحد بسبب إصرار الإرهابى نتنياهو على احتلال محور فلاديلفيا ومعبر رفح من الجانب الفلسطينى.
البيانات المصرية المتلاحقة بضرورة جلاء المحتل الصهيونى عن المحور مذ قامت باحتلاله فى السابع من مايو الماضى وحتى اليوم تؤكد أنه لا اتفاق لوقف إطلاق النار قبل الانسحاب الكامل من الشريط الحدودى.
وقد رفضت مصر كل الاقتراحات الإسرائيلية والأمريكية بشأن محور فلاديلفيا وإدارة معبر رفح، بدءً من عرض إدارة إسرائيلية أمريكية مشتركة مرورًا بنقل المعبر إلى الجنوب بالقرب من معبر كرم أبو سالم نقطة التقاء الحدود المصرية الاسرائيلية الفلسطينية، وصولًا إلى اقتراح قيام جيش الاحتلال ببناء ثمانية أبراج مراقبة اقترحت الولايات المتحدة تخفيضها إلى إثنين.
الوسيط والمفاوض المصرى رفض كل ذلك بصرامة متمسكًا بالانسحاب الكامل لجيش الاحتلال وإدارة المعبر بالشراكة مع السلطة الفلسطينية ومراقبة الاتحاد الأوروبى وفقًا لاتفاق المعابر الموقع عام ٢٠٠٥ عند انسحاب الاحتلال الصهيونى من قطاع غزة وهو الاتفاق الذى أرفق باتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام ١٩٧٩ كملحق أمنى.
اللافت فى هذا السياق أن تصريحات المسئولين الأمريكيين والصهاينة تخلوا من الإشارة إلى هذا الاتفاق رغم علمهم أن احتلال محور فلادلفيا خرق وقح وانتهاك سافر لاتفاقية السلام.
المقاومة الفلسطينية تتوافق مع الموقف المصرى بطبيعة الحال كما تتمسك بانسحاب الاحتلال من محور نتساريم وسط القطاع والعودة غير المشروطة للنازحين الفلسطينيين إلي مدنهم ومحافظاتهم فى الشمال.
بيد أن أزمة محور فلادلفيا جعلت من المستحيل قبول المفاوض المصرى أو الوسيط باتفاق هدنة مؤقتة تسمح بتبادل الأسرى ثم يعود الارهابى نتنياهو لمواصلة حرب الإبادة، وصحيح أن مصر طلبت ضمانات أمريكية بأن لا يعود الجيش الصهيونى لاحتلال محور فلادلفيا حال فشل مسار المفاوضات؛ إلا أن إصرار الإرهابى نتنياهو على احتلال المحور وتقديمه خريطة وصفت بالمحدثة تظهر تخفيضًا طفيفًا لعدد القوات المنتشرة بطول المحور؛ يجعل المصريون يتمسكون باتفاق وقف دائم للحرب والبدء فى عملية إعادة الإعمار وعودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة باعتباره جزءًا لا يتجزأ عن الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وهذا ما تجلى فى البيانات المصرية الرسمية الصادرة عن الرئاسة ووزارة الخارجية عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلنكن الأسبوع الماضى والتى أكدت على ضرورة أن يكون الوقف الدائم لهذه الحرب بداية الاعتراف الدولى الكامل بالدولة الفلسطينية على حدود الخامس من يونيو ١٩٦٧.
ليست البيانات المصرية الرسمية وحدها من يؤكد على تشدد الموقف المصرى، فحتى الوفد المفاوض الإسرائيلى اتهم الإرهابى نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق بسبب تشبثه باحتلال محور فلادلفيا، ذلك أن المصريين بحسب تعبيرهم متمسكون بانسحاب جيش الاحتلال.
تدرك مصر أن تشبث العدو الصهيونى بالمحور ليس سببه ما يروجه بشأن تهريب السلاح إلى فصائل المقاومة الفلسطينية عبر الأنفاق المزعومة؛ لأن دولة الكيان تعلم علم اليقين أن مصر قد أغلقت تلك الأنفاق وبإحكام.
إلا أن احتلال المحور يمثل مكسبًا استراتيجيًا لجيش الاحتلال لمراقبة الجيش المصرى فى سيناء رغم وجود معاهدة سلام، والأمر ليس سرًا، فقد تناقلته وسائل إعلام ووكالات أنباء عبرية ودولية عن قادة ومسئولين أمنيين فى الجيش الصهيونى وأجهزة حكومة الإرهابى.
لعبة إضاعة الوقت لن تجدى الكيان الصهيونى ومن وراءه الولايات المتحدة نفعًا فلا أحد سيمكّنهم من التقاط الأنفاس سواء حتى يفوز الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية، أو يفوز دونالد ترامب كما يتمنى نتنياهو، فقد تشهد المرحلة القادمة ضغطًا عسكريًا من قبل المقاومة الفلسطينية فى غزة والمقاومة اللبنانية على طول جبهة الشمال، كما قد تشهد تصعيدًا مصريًا يتسم بالخشونة الدبلوماسية والسياسية غير المسبوقة فهذا ما بدا واضحًا بجلاء فى لهجة المسئولين المصريين وعكسته البيانات الرسمية التى لا تكاد تتوقف.