ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية أن الزيارة التي قام بها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب إلى الجدار الحدودي -الذي بناه الرئيس الأسبق باراك أوباما- لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين تسلط الضوء على وعد لم يكتمل.
ووصف الصحيفة الأمريكية على موقعها الإلكتروني، اليوم الاثنين، الجدار الحديدي بأنه شريط بني يقطع المكان كشق مستقيم يمر عبر صحراء واسعة ومسطحة، وكان هو العلامة الوحيدة على وجود البشرية في هذا البرية، مشيرة إلى أن الحاجز كان يرتفع على تلة شديدة الانحدار في وادي مونتيزوم، ثم يتوقف فجأة، وأن القطع المعدنية الإضافية المكدسة بالقرب من المكان كانت تتآكل كرموز لوعود حملات غير مكتملة.
وقالت الصحيفة إن المرشح الجمهوري ذهب إلى المنطقة، يوم الخميس الماضي، ليشيد بالبنية التي كانت على يمينه - "أفضل جدار" كما وصفه - وليندم على الأجزاء غير المستخدمة المتكدسة التي كانت على يساره، وانضم إليه في هذا الحدث بول بيريز، زعيم اتحاد حرس الحدود، الذي وصف الجدار القائم بـ "جدار ترامب" والأجزاء المهملة بـ "جدار كامالا"، تيمنا بمنافسته الديمقراطية، نائب الرئيس كامالا هاريس.
وأشارت الصحيفة إلى أن تلك الألقاب كانت غير دقيقة، فقد تم بناء هذا القسم من الجدار المصنوع من قضبان فولاذية بارتفاع 20 قدما خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد أضاف ترامب الامتداد غير المكتمل على التل، وهو تحدٍ هندسي كلف ما لا يقل عن 35 مليون دولار لكل ميل، وتم شراء الألواح غير المستخدمة بارتفاع 30 قدما خلال إدارة ترامب ولم يجر تركيبها مطلقا.
ونقلت الصحيفة عن جون لاد، أحد مؤيدي ترامب الذي تمتد مزرعته على طول الحدود، قوله أثناء قيادته على طول الحاجز، "كان يجب أن تكون أمام جدار ترامب، لكنك ذهبت إلى مونتيزوم، وهذا جدار أوباما".
كما نقلت عن مكتب شريف مقاطعة كوتشيس أن الحاجز بجانب الحدث الذي تم تنظيمه يوم الخميس تم بناؤه خلال إدارة أوباما، ولم ترد حملة ترامب وبيريز على الأسئلة حول الاختلاف في الأسماء.
وقالت المتحدثة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، في بيان: "إذا كانت كامالا تريد حقًا إغلاق الحدود واستمرار بناء جدار الرئيس ترامب، فيمكنها الذهاب إلى البيت الأبيض والقيام بذلك اليوم، فقط الرئيس ترامب سيقوم بذلك".
وقالت الصحيفة إن هذا الموقع على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، والذي يمكن الوصول إليه بسرعة من مدينة سييرا فيستا القريبة، كان غالبا ما يستخدم كخلفية لفعاليات الجمهوريين، ولم تعكس المناظر هنا الكوارث التي يصفها ترامب، مثل قوافل المهاجرين المخيفة أو هجمات من رجال أجانب عسكريين.
وتابعت الصحيفة أنه لم يكن هناك أي دليل في ذلك المكان على ما وصفه ترامب بالجرائم الوحشية والإرهابيين، أو الأشخاص المرسلين مباشرة من السجون والمصحات العقلية الذين يتدفقون عبر الحدود، ولم تكن هناك أي إشارة إلى حركة المرور عبر هذا الصحراء القاحلة القاسية، باستثناء دورية صغيرة من السلطات المكسيكية على الجانب الآخر، كما أن هذا الموقع لم يعرض الظروف الحقيقية التي توجد في أجزاء أخرى من الحدود: المدن المليئة بالنازحين، والسيارات المتكدسة عند المعابر القانونية والمفتشة للتهريب، والجثث التي يتم العثور عليها في نهر ريو جراندي.
وبالنسبة لترامب، وفقًا للصحيفة، فإن توقفه على الحدود يوم الخميس كان له معنى أكبر، فقد كان محاولة لاستعادة السرد القصصي في سباق الرئاسة هذا من نائب الرئيس كامالا هاريس، التي اختتمت مؤتمرها الوطني الديمقراطي في شيكاغو يوم الخميس مساءً، وبالنسبة لترامب، كانت زيارة الحدود أيضا نوعا من العودة الروحية إلى المكان الذي حفز ترشحه وحركته منذ عام 2015.
ولكن الواقع على الأرض لم يكن واضحا كما كانت هتافات "بناء الجدار" التي ألهبت حملته الانتخابية قبل ثماني سنوات، وهي تعهداته بإكمال الجدار، التي أصبحت الآن جزءا من منصة الحزب الجمهوري، تبرز الحقيقة غير المريحة وهي أنه لم ينتهِ من بنائه في فترة ولايته الأولى، ولم تدفع المكسيك ثمنه كما وعد في السابق، بحسب الصحيفة.
وأشارت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية إلى أن ترامب أنفق أثناء رئاسته أكثر من 11 مليار دولار لإنهاء أكثر من 450 ميلًا من الجدار على طول الحدود الجنوبية البالغة حوالي ألفي ميل، وهو أحد أغلى مشاريع البنية التحتية الفيدرالية في التاريخ، لافتة إلى أنه خلال الانتخابات الأولية، جرب بعض منافسيه الجمهوريين الهجوم على ترامب لفشله في إكمال الجدار، لكن الناخبين الجمهوريين عموما لم يهتموا أو استهزؤوا.
وأضافت الصحيفة إلى أن ترامب يشير إلى الجدار في نسبة أقل من منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي وخطاباته مقارنة بما كان عليه قبل ثماني سنوات، وفقًا لتحليل لـ(واشنطن بوست)، وبدلًا من ذلك، ركز على خطط لجولات واسعة النطاق ونقلات للأجانب غير الشرعيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ولتبرير هذه التدابير الجذرية، استخدم لغة لتشويه صورة المهاجرين غير الشرعيين كمجرمين وتهديدات، والغالبية العظمى من الأشخاص في إجراءات الإزالة ليس لديهم تهم جنائية، وفقًا لتحليل سجلات وزارة الأمن الداخلي من قبل لجنة القضاء التي يقودها الجمهوريون.
وتابعت الصحيفة أنه حتى مع جعل ترامب الهجرة مركزًا في محاولته لاستعادة البيت الأبيض، انخفضت حالات القبض على الحدود بشكل كبير هذا الصيف وسط قيود اللجوء الجديدة من إدارة بايدن وتدابير تعزيز القدرات الأمنية في المكسيك، ففي يوليو، انخفضت حالات عبور الحدود غير القانونية، التي ارتفعت إلى مستويات قياسية خلال إدارة بايدن، إلى أدنى مستوياتها في ما يقرب من أربع سنوات، بعد أن نفذت إدارة بايدن تدابير واسعة النطاق للحد من الوصول إلى اللجوء.
ولفتت الصحيفة إلى أنه على بُعد مسافة قصيرة من المكان الذي تحدث فيه ترامب يوم الخميس، يعبر الحاجز مجرى مائي جاف، وتتحول القضبان الموحدة إلى أبواب العواصف، فقد كانت الأبواب مفتوحة على مصراعيها، لتستوعب الفيضانات المفاجئة في موسم الأمطار الصيفي، ويعبرها فقط بعض الأسلاك الشائكة، وتظهر قاعدة بعض القضبان المجاورة ندوب التآكل التي جعلت الحاجز أحيانًا يتدلى فوق الأرض.
ونوَّهت الصحيفة بأن المهربين اخترقوا الحاجز آلاف المرات، بما في ذلك أثناء وجود ترامب في منصبه، فقد تم حفر أنفاق من تحت الجدار كما تم تسلقه، وتم المشي حوله وقطعه بالمنشار، ولم يوقف الجدار الهجرة أكثر من كونه لم يوقف تهريب المخدرات والبشر، والتي يحدث معظمها عند نقاط الدخول.
وذكرت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية أن المدافعين عن الجدار يجادلون بأن جزءا من الأمن على الحدود، يساعد على تباطؤ عمليات العبور ويحرر موارد حرس الحدود، لكن بعض خبراء السياسة يقولون إن الحاجز ببساطة يحوّل فقط مكان وكيفية مرور المهاجرين عبر الحدود، ويقول العديد من الخبراء إن سياسة الهجرة الأمريكية وظروف البلدان التي يأتي منها المهاجرون هي ما يدفع الهجرة، بغض النظر عن العوائق الموضوعة في طريقهم للوصول إلى الولايات المتحدة.
وقالت الصحيفة إن المكسيك كانت معارضة لبناء الجدار الحدودي وسعت إلى تطبيق أكثر صرامة على طول الحدود، مما ساعد إدارة بايدن على الوصول إلى أدنى مستوى لعبور الحدود غير القانونية في ما يقرب من أربع سنوات، لكن طالما أن البناء يحدث على الجانب الأمريكي من الحدود، فلا يمكن للمكسيك فعل الكثير لإيقافه، كما قالت تيريزا كاردينال براون، المستشارة العليا لسياسات الهجرة والحدود في مركز السياسة الثنائية.
ورأت الصحيفة أنه حتى إذا حصل على التمويل، قد يواجه ترامب عقبات في الحصول على الأراضي التي يحتاجها للبناء، فالكثير من الأراضي على طول الحدود في تكساس مملوكة ملكية خاصة، وبعض مالكي الأراضي مترددون في البيع.
وأضافت الصحيفة أن ترامب قد يواجه أيضا معارضة بيئية لتجديد بناء الجدار، إذ أثر الجدار الحدودي غير المكتمل بالفعل على أنماط هجرة العديد من الأنواع البرية الشمالية الأمريكية، كما قال مايلز تراباجن، منسق برنامج الأراضي الحدودية في شبكة الأراضي البرية، وهي منظمة غير ربحية تركز على الحفاظ على التنوع البيولوجي، وأشار تراباجن إلى أن الحاجز الحالي سيحتاج أيضا إلى صيانة مستمرة ومكلفة.
وتابعت الصحيفة أنه بالنسبة للعديد من الأمريكيين، أصبح الجدار الحدودي رمزا، وأضاف تراباجن: "الجدار الحدودي يعزز أن هذا الشخص يقوم بشيء".