الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

في ذكرى رحيله.. «البوابة نيوز» تحتفي بمؤسس مدارس الأحد والإكليريكية.. حبيب جرجس قديس التعليم وباعث النهضة الحديثة بالكنيسة القبطية

الإرشيدياكون حبيب
الإرشيدياكون حبيب جرجس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الأربعاء الماضي بذكرى رحيل الأرشيدياكون -رئيس شمامسة- حبيب جرجس، الذى ولد عام 1876 وتوفى 21 أغسطس 1951م، وكان جرجس مربياً ‏ومخططاً ‏ومعلما‏ ‏للأجيال‏ ‏القبطية على ‏‏امتداد‏ ‏نصف‏ ‏قرن كامل‏ ‏منذ‏‏ عام‏ 1900‏م‏ ‏حتى‏ ‏وفاته‏، فقد أنشأ مدارس الأحد ويُعد المؤسس الحقيقي للكلية الإكليريكية في عصرها الحالي.
 

وكان المجمع المقدس للكنيسة القبطية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني قد منح  لقب «القديس» إلى الأرشيدياكون حبيب جرجس وذلك في جلسته بتاريخ 20 يونيو 2013، وبناءً على هذا القرار يمكن بناء الكنائس على اسمه، وهذا ما فعله قداسة البابا تواضروس الثاني بطريرك الكنيسة حيث دشن كنيسة الأسبوع الماضي على اسمه في بالعبور الجديدة،  بالإضافة إلى ذلك يمكن ذكره في مجمع القديسين الموجود في كلا من الخولاجى المقدس “كتاب صلوات القداس الإلهى” الابصلمودية المقدسة "كتاب التسبحة".

وبمناسبة هذه الذكرى تسلط "البوابة نيوز" الضوء على أبرز محطات حياة الأرشيدياكون القديس.

نشأته وتأسيس الإكليريكية 

ولد حبيب جرجس بالقاهرة في عام 1876م، وكان سليل عائلة قبطية مشهورة في بلدة "أولاد إلياس" بمركز صدفا في محافظة أسيوط، ومن أبناء هذه الأسرة الآن آباء كهنة ورهبان وعلماء في القاهرة وبلدة أولاد إلياس وغيرها، وتوفي والده وهو يبلغ من العمر 6 سنوات، وأنهى دراسته بمدرسة الأقباط الثانوية في عام 1892م.

وفي عام 1893 حينما وصل حبيب جرجس إلى القاهرة، كانت الكنيسة تعيش عصرا مظلما، لم يكن فيه وعاظ، ولا أساتذة للاهوت، وحتى "الايغومانوس" فيلوثاوس إبراهيم الذي كان بقية نور في تلك الأيام، لم تساعده صحته على إكمال رسالته، وقد جمع جرجس الأموال من مصادر كثيرة منها أنه أقنع عجوزا من جيرانه اسمها خرستا جرجس فأوقفت 6 أفدنة للإكليريكية و3 أفدنة للجمعية الخيرية، كما قام بشراء نحو 365 فدانًا بالمنيا للإكليريكية وقام أيضاً بشراء المنازل المحيطة بها حتى أصبحت المساحة 5399 مترًا مربعًا، وهكذا استطاع البابا أن يبنى ويفتح الإكليريكية يوم 29 نوفمبر 1893 م. (وهو في نفس العام الذي رجع من منفاه في دير البراموس) وتقدم حبيب جرجس وطلب أن يكون طالبًا في الكلية فوافق البابا، والتحق حبيب جرجس في أول دفعة وقد قام الأقباط بإنشاء المدارس القبطية والكلية الإكليريكية قبل أن تنشئ الحكومة المدارس العامة أو تنشئ أول جامعة أهلية مصرية.

ويقول المؤرخ الكنسي ماجد كامل: «التحق الطالب حبيب جرجس بالكلية الإكليريكية منذ افتتاحها في 29 نوفمبر 1893 ؛ ثم انكب علي مكتبة البطريركية ينهل من كنوزها . وتخرج منها عام 1898؛ وعمل بعدها مدرساً بها في نفس العام؛ وتحديدا في يوم 8 مايو 1899 وحول ذكرياته عن هذه اللحظة التي تم فيها تعيينه مدرسا بالإكليريكية كتب يقول "نعم هو ذلك العبء الثقيل الذي ألقي علي كاهلي وأنا  في مقتبل العمر ؛ وأنا أشعر أني سوف أدرس إلي رعاة سيخرجون ليعلموا الشعب، ويقودونه إلي بر السلامة ؛ وأنا في ذلك زميل أصغر لبعضهم منهم  أصغر سنا؛ فكان ذلك  الشعور هو الحافز لي علي أن أعكف علي الدرس  أواصل العمل ليل نهار بين جدران المكتبة البطريركية، وأحضر دروسي أحسن تحضير وأحفظ ما يمكن حفظه وأدون ما يمكن تدوينه فلم أترك شاردة ولا واردة  إلا وأحصيتها  وبذلك وفقني الله إلي أن  أحتفظ بمكانتي بين  الطلبة، وإلي أن أنزل من قلوبهم منزلة المحبة اللائقة والاحترام العظيم».

وتابع: «وبعد وفاة الناظر الأول للمدرسة الإكليريكية الطيب الذكر المرحوم يوسف بك منقريوس في 12 سبتمبر 1918 ؛ أصدر البابا كيرلس الخامس قرارا بابويا بتعين حبيب جرجس ناظرا له، ولقد عبر عن إحساسه عندما كان طالبا بالمدرسة نحو الرسالة التي وهب نفسه لها بقوله "كنت وأنا طالب بالمدرسة طالبا ومدرسا أشعر بصوت يناديني من أعماقي أنني أنا الذي يجب أن أبذل دمي في سبيل المدرسة، وأنني أنا الذي يجب أن يضع حياته ورحه في خدمتها، ليصل بها إلي هذه الدرجة المنشودة ؛ وما أن شجعني وقدر جهودي حضرات رجال الدين ورجال الكنيسة حتي اجتمعت لدي من القوة ما أن أقوي بها علي القيام بذلك العبء الثقيل بقدر استطاعتي ؛ وما لان لاقي ربه الناظر السابق، وأسندت إلي نظارة المدرسة، حتى اشتعلت نار الأمل في صدري، والتهبت نفسي تحرقا علي القيام بالواجب للمدرسة التي خلقني الله لها، وخلقت من أجلها، فلم أهدأ لحظة، ولم أفتر ثانية، ولم أتوان عن العمل في رفعتها، بصوت داخلي وداع نفسي، وأمل منشود، وحب عميق، ورغبة أكيدة».

وأكمل: وفور صدور القرار بتعيين حبيب جرجس ناظر للمدرسة الإكليركية، قام بوضع ما يعرف في مصطلحنا الحالي بالرؤية المنهجية لتطوير الدراسة بالكلية علي النحو التالي:

- زيادة عدد طلاب المدرسة، واختيارهم من حملة الشهادات الدراسية.

- زيادة عدد المدرسين الأكفاء بالمدرسة.

- تدريس مواد المنطق، والفلسفة، والتربية، وعلم النفس، واللغة العبرية واللغة اليونانية والعناية باللغتين العربية والإنجليزية.

- ووضع برامج راقية في كل العلوم الدينية وغيرها مما يدرس بالمدرسة.

- إعداد الداخلية بالمدرسة إعدادا تاما، يضمن للطلاب الراحة والمعيشة الهادئة والصحة التامة. 

- حفظ مستقبل الطلبة، وهذا هو الغرض الأول الذي أنشئت المدرسة من أجله.

وعاصر الأرشيدياكون حبيب جرجس بشكل عام  أربعة من باباوات الكنيسة القبطية: البابا كيرلس الخامس الذي عينه رئيساً لشمامسته، ومدرساً بالكلية الإكليريكية ثم ناظراً إلى أن رحل عن عالمنا، والبابا يؤانس التاسع عشر، والبابا مكاريوس الثالث والبابا يوساب الثاني، ولقد لمس جميع هؤلاء الآباء عمق إيمانه وغزارة علمه فحاز على ثقتهم وحبهم وتشجيعهم في جميع مجالات الخدمة التي مارسها بجد واجتهاد، ربما كان أحد أهم عوامل نجاحه تفرغه الكامل للخدمة وعدم زج نفسه في أي خلافات كانت تظهر من وقت لأخر على السطح الكنسي؛ فقد جند كل طاقاته وقدراته للخدمة فقط. 


قديس التعليم

وأسس حبيبي جرجس "مدارس الأحد" عام 1900م وكان تأسيسه لمدارس الأحد هو العمود الرئيسي الذي قامت عليه نهضة الكنيسة القبطية في القرن العشرين والواحد وعشرين، ولما انتشرت مدارس الأحد في كنائس الأقباط في ربوع مصر وقراها رأى أنها تحتاج إلى مناهج وكتب ولائحة فوضع لها لائحة، ومناهج وكتبًا. وشجعه علي هذا الاتجاه المنشور البابوي الذي أصدره البابا كيرلس الخامس عام 1899 بضرورة تعليم الأطفال وتعميقهم في معرفة إيمانهم، من هنا كان الهدف الأبوي الذي وضعه حبيب جرجس نصب عينيه هو تربية الأطفال وفقا للتعاليم المسيحية وبث روح الوطنية فيهم وتعويدهم علي خدمة وطنهم. 

ويحدثنا الدكتور مينا بديع عبد الملك أستاذ الرياضيات بكلية الهندسة بالإسكندرية والخبير في الدراسات القبطية عن دوره التعليمي، قائلاً: «حينما انتقل الأرشيدياكون حبيب جرجس كنت أبلغ من العمر وقتئذ خمسة عشر شهراً، لذلك لم أتمتع بخدمته الروحية الصادقة في حقل الكنسية، ولكت تمتعت بثمار خدمته المثمرة في البابا شنودة الثالث والأنبا غريغوريوس والأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والأنبا يؤانس مطران الغربية، وغيرهم من الأساقفة، كما تمتعت بما تركه لنا من مجلدات الكرمة التي لها بستان رائع في المجالات المختلفة، فهى لها أصالة وبراعة تجعل الإنسان يعود إليها من وقت لآخر».

وتابع: «كرس نفسه للتعليم، علم الأطفال والشباب في مدارس الأحد وعلم التلاميذ في المدارس الحكومية بكتبه وعلم الشعب من فوق المنبر وعلم الكثير عن طريق المجلات وإصداراته الصحفية، وكانت البداية بشعوره الصادق بحاجة الكنيسة إلى العناية بتربية النشء على التعاليم الدينية وأسس مدارس الأحد بصورتها المعروفة في 1900م، وكان أسلوبه  يتجلى في اهتمامه بجمع الأطفال في الكنيسة ويلقي عليهم الدروس الدينية، وكان يفعل ذلك في الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية، وكنيسة السيدة العذراء مريم بالفجالة وعندما اتسع مجال الخدمة استعان ببعض أساتذة الإكليريكية وطلابها».

وأكمل: «وفي سنة 1918م أسس اللجنة العامة المركزية لمدارس الأحد، ولم يقف عن الأسلوب الروتيني في تعليم الأطفال عن طريق الإلقاء، بل استخدم الصور الملونة والجوائز وغيرها من الأساليب، وكانت مدارس الأحد تعقد في يوم الجمعة لطلبة المدارس الحكومية حيث تكون الإجازة الأسبوعية، وتُعقد يوم الأحد للمدارس المسيحية، وذلك عقب القداس الإلهي في كلا اليومينوهو النظام الذي يزال يتبع حالياً في الأوسط الكنسي».

وأضاف: «وقد حظت هذه الخدمة باهتمام الآباء البطاركة فكان البابا يؤانس التاسع عشر من بطاركة الكنيسة (114) يقيم القداسات بنفسه من أجل نجاح الخدمة، ويحضر احتفالاتها ويبارك خدامها، وأما البابا يوساب الثاني (115)، يرسل خطابات عديدة يُشيد بها وكان يقول خلالها: “إنها قبلتنا الوحيدة لنبني على أساسها جيلاً قوياً في الإيمان راسخاً في العقيدة الأرثوذكسية ومبادئها القويمة”. 

واختتم بديع بالقول: «وظلت مدارس الأحد شغله الشاغل طوال حياته حتى في ساعات مرضه الأخيرة كان يسأل عن كل من يتصل بمدارس الأحد على الرغم من تحذيرات الأطباء بضرورة الصمت وعدم الكلام».

ارث ثري

وترك لنا الأرشيدياكون حبيب جرجس إرثاً ثرياً على المستويين الثقافي والديني، فقد ترك أكثر من ثلاثين كتابًا في شتى العلوم الدينية، في الروحيات والعقيدة والتاريخ والإصلاح الكنسي، أصدر أيضًا كتبًا في الترانيم وفي الشعر، ومن كتبه، سر التقوى،  ملخَّص سلم السماء ودرجات الفضائل، نظرات روحية في الحياة المسيحية، أسرار الكنيسة السبعة، كما أصدر مجلة الكرمة وهى مجلة دينية عام 1907م، واستمرت في الصدور لمدة سبعة عشر عاماً.

 
 

في صحفات البوابة 
صورة مُرممة عن طريق الذكاء الإصطناعي

 

المؤرخ ماجد كامل