قال الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، إن للمرأةِ أدوارًا مهمًّةً في رفعةِ هذا الوطنِ؛ فقد ربَّتْ وتعبتْ وعلَّمتْ وألهمتْ ووجَّهتْ، وفوق كلِّ ذلك حملتْ همومَ هذا الوطنِ على عاتقِها مقدِّمةً في سبيلِ رفعتِه وسلامتِه فلذةَ كبدِها وزهرةَ عمرِها؛ فهي الأمُّ الصَّابرةُ، والزَّوجةُ الدَّاعمةُ، والأختُ الفاضلةُ، والابنةُ الَّتي تملأُ الدُّنيا سعادةً وبهجةً.
وأضاف وكيل الازهر خلال مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية «دور المرأة في بناء الوعي» والذي جاء تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحضور الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، والدكتور نظير عياد مفتي الجمهورية، وعدد من وزراء وعلماء العالم الإسلامي، أن فضيلةِ الإمامِ الأكبرِ الأستاذِ الدُّكتورِ أحمد الطَّيِّب شيخِ الأزهرِ يعرب عن رجائه الصَّادقَ لهذا المؤتمرِ أن يناقشَ كلَّ القضايا الَّتي تخصُّ المرأةَ، والَّتي تثبتُ دورَها، وتبرزُ قيمتَها، بعيدًا عن العاداتِ الرَّاكدةِ والتَّقاليدِ الوافدةِ.
وأكد وكيل الأزهر، أنه ليس اهتمامُنا بالمرأةِ وقضاياها من بابِ التَّفضُّلِ عليها، وإنَّما هو واجبٌ يُمليه على مجتمعِ الرِّجالِ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم حين يقولُ: «استوصوا بالنِّساءِ خيرًا»، وحين يحذِّرُ النَّاسَ فيقولُ: «إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضَّعيفينِ: اليتيمُ، والمرأةُ»، وكلَّما كان الإنْسانُ أضْعَفَ كانتْ عِنايةُ اللهِ به أَتَمَّ، وانتِقامُه من ظالِمِه أشَدَّ، ومن ثمَّ فلا يخفى على حضراتِكم وجهُ الحاجةِ الملحَّةِ لمناقشةِ دورِ المرأةِ في ظلِّ ما تتعرَّضُ له من عاداتٍ مرفوضةٍ قديمةٍ، أو تقاليدَ وافدةٍ سقيمةٍ، لا تتَّفقُ مع أخلاقِنا الإسلاميَّةِ وقيمِنا الحضاريَّةِ.
وعن توجيهاتِ الشَّريعةِ، أوضح الدكتور محمد الضويني أن المرأةُ حظيت في مجتمعِنا المعاصرِ بالرَّعايةِ والاهتمامٍ، وحقَّقت مكتسباتٍ عديدةً على كافَّةِ الأصعدةِ، تجسَّدت في إعلانِ عامِ 2017 عامًا للمرأةِ المصريَّةِ، وإطلاقِ استراتيجيَّةِ «تمكينِ المرأةِ 2030»؛ وقيامِ مؤسَّساتٍ خاصَّةٍ على شؤونها، وهذا يمثِّلُ طفرةً حقيقيَّةً في وضعِ المرأةِ داخلَ المجتمعِ، والَّذي تترجمُه لغة الأرقامِ والإحصاءِ الَّتي تعكسُ ما بلغتْه من تمكينٍ.
ولفت الى أنَّ إحدى آليَّاتِ التَّجديدِ أن نُحسنَ قراءةَ الواقعِ، والواقعُ يعلنُ أنَّ الكلامَ عن المرأةِ وقضاياها أصبحَ معيارًا لتصنيفِ النَّاسِ، بحسب التَّأييدِ أو المعارضةِ؛ ممَّا غيَّبَ فرصةَ الحوارِ الموضوعيِّ المنتجِ الَّذي يكشفُ عن رأيِ الإسلامِ المستقَى من الوحيِ: قرآنًا وسنَّةً، ومن الممارساتِ الَّتي تلقَّتْ هذا الوحيَ فأحسنتْ فهمَه وتطبيقَه، كما أن الواقعُ يعلنُ أيضًا أنَّ الصُّورةَ الذِّهنيَّةَ الَّتي يتبنَّاها الغربُ عن المرأةِ في المجتمعاتِ المسلمة صورةٌ شائهةٌ، وراءها أجنداتٌ مشبوهةٌ تسعى إلى تأكيدِها؛ فلا تزال أسئلتُهم عن المرأةِ في بلادِنا تدورُ حولَ حرِّيَّتِها الضَّائعةِ، وزيِّها المفروضِ عليها، ومشاركتِها السِّياسيَّةِ، إلى آخرِ هذه التَّساؤلاتِ المريبةِ.
وخلال حديثه، أجاب وكيل الأزهر على تساؤلات الغرب المريبة قائلا: إن في ضُوءِ ما يعلنُه الواقعُ ممَّا تتمتَّعُ به المرأةُ من مكانةٍ وحقوقٍ وكرامةٍ يقرُّها الدين، ويؤيِّدُها القانونُ فإنَّ من المصارحةِ أن نوضح بأنَّ هذه الصَّورةَ السَّلبيَّةَ الَّتي تتبنَّاها الدُّولُ الأجنبيَّةُ عن المرأةِ المسلمةِ تكشفُ عن حالةٍ من ضعفِ التَّواصلِ الحضاريِّ والثَّقافيِّ بين الشُّعوبِ، أو حالةٍ من التَّشويهِ المتعمَّدِ لمجتمعاتِ المسلمين، وتفرضُ في الوقتِ نفسِه على الهيئاتِ والمؤسَّساتِ أن تقومَ بواجبِها تجاه التَّعارفِ الحضاريِّ والمثاقفةِ الفعَّالةِ بين الشُّعوبِ والمجتمعاتِ، والعملِ على تصحيحِ الصُّورةِ الذِّهنيَّةِ المغلوطةِ عن خصوصيَّتِنا الدِّينيَّةِ والثَّقافيَّةِ.
وشدد وكيل الأزهر على أن الإسلامُ أعادَ التَّوازنَ الاجتماعيَّ المطلوبَ، وأسَّسَ لمفهومِ الكرامةِ الإنسانيَّةِ الَّتي تشملُ الجنسين معًا ذكرانًا وإناثًا، بما جاءَ به من عدالةٍ ورحمةٍ ومساواة، أعلنها في آياتٍ كريماتٍ تتلى إلى يومِ القيامةِ؛ حيث يقولُ اللهُ جلَّ جلالُه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70]، فلم يفرِّقْ هنا بين رجلٍ وامرأةٍ، ولا بين ذكرٍ وأنثى، فالمرأةُ مكرَّمةٌ انطلاقًا من هذا الإعلانِ الإلهيِّ، وساوى الإسلامُ بين الجنسين في المجازاةِ والعقوبةِ.
ونبَّه إلى أمرين مهمين في ما يتعلق بالمرأة:
الأوَّل: أنَّنا ونحن نعملُ على معالجةِ الصُّورةِ الشَّائهةِ عن المرأةِ المسلمةِ ينبغي ألَّا يأخذَنا الحذرُ والمبالغةُ أحيانًا إلى حدٍّ يخرجُ عن نورِ الوحيِ، فنرفضَ باسمِ الحرِّيَّاتِ والحقوقِ شيئًا من الشَّريعةِ كحجابِ المرأةِ، ومسؤوليَّتِها عن بيتِها، أو أن يدفعَنا الخوفُ من الوصمِ بالتَّعصُّبِ والتَّمييزِ إلى أن نقرَّ المثليَّةَ والتَّهتُّكَ والمساكنةَ وما وراء ذلك ممَّا حملَه هذا الطَّرحُ النَّكدُ الغريبُ عن الشَّريعةِ وآدابِها.
والثَّاني: أنَّنا ونحن ننكرُ ما في الواقعِ من ممارساتٍ مغلوطةٍ تعارضُ نورَ الوحيِ، لا ينبغي أن تختزلَ المنظماتُ والهيئاتُ في مجتمعاتِنا المسلمةِ قضايا المرأةِ في مسائلَ بعينِها دون أن تتجاوزَها إلى مشروعاتٍ حقيقيَّةٍ تمكِّنُ المرأةَ دينيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا.
وأردف: أن هذا المؤتمرُ يأتي دليلًا على فسادِ بعضِ الممارساتِ الشَّائهةِ في مجتمعاتِنا، وبعضِ التَّصوُّراتِ المغلوطةِ لدى الآخرين عنَّا، وإنَّ المرأةَ في واقعِنا وفي ظلِّ رعايةِ السَّيِّدِ الرَّئيسِ عبدالفتاح السِّيسي لتحظى بمكانةٍ كبيرةٍ، تعبِّرُ عنها المواقفُ والأحداثُ الَّتي صحَّحت العديدَ من الأفكارِ والمفاهيمِ المغلوطةِ في المجتمعِ، كما أولى الأزهرُ المرأةَ عنايةً كبيرةً تمثَّلت في إقرارِ حقوقِها، وتأكيدِ أهميَّةِ دورِها في النُّهوضِ بمجتمعِها، وأطلقَ العديدَ من الحملاتِ والمبادراتِ والبرامجِ التَّوعويَّةِ من أجلِ تصحيحِ المفاهيمِ المغلوطةِ، والقضاءِ على العاداتِ والتَّقاليدِ الَّتي ظلمتها وسلبتْها حقوقَها منها: حملةُ «نَصِيبًا مَّفْرُوضًا» للتَّوعيةِ بفلسفةِ الميراثِ وأحكامِه، والَّتي تناولت بعضَ أشكالِ الظُّلمِ الَّتي تتعرَّضُ له المرأةُ بسببِ الفهمِ الخاطئِ لبعضِ أحكامِ الشَّريعةِ، كما أطلقَ الأزهرُ حملةً بعنوانِ: «وعاشروهنَّ بالمعروفِ»، للتَّوعيةِ بأسبابِ الطَّلاقِ ومخاطرِه، وتوضيحِ الأسسِ السَّليمةِ لبناءِ أسرةٍ سعيدةٍ ومتماسكةٍ، فضلًا عن حملةِ «أولوا الأرحامِ» الَّتي استهدفت التَّوعيةَ بخطورةِ العنفِ الأسريِّ، ومعالجةِ أهمِّ أسبابِه، وضرورةِ نشرِ قيمِ الودِّ والمحبَّةِ بين أفرادِ الأسرةِ.
كما أطلقَ الأزهرُ مبادراتٍ جماهيريَّةً حولَ «تصحيحِ المفاهيمِ وبناءِ الوعي» تضمَّنت العديدَ من اللِّقاءاتِ والمحاضراتِ حولَ المرأةِ المصريَّةِ ومواجهةِ القضايا والعاداتِ الموروثةِ حولَ المرأةِ، وأعدَّ برامجَ تدريبيَّةً لتأهيلِ المقبلين على الزَّواجِ، وإعدادِ وتأهيلِ المصلحِ الأسريِّ؛ وعلى مستوى المبادراتِ المجتمعيَّةِ أطلقَ مجمعُ البحوثِ الإسلاميَّةِ مبادرةً موسَّعةً لمواجهةِ التَّكاليفِ الباهظةِ للزَّواجِ في محافظاتِ الجمهوريَّةِ بعنوانِ: «لتسكنوا إليها»، كما أطلقَ المجمعُ كذلك العشراتِ من القوافلِ الدَّعويَّةِ الَّتي استهدفت العملَ على إيجادِ حلولٍ للمشكلاتِ الأسريَّةِ المتنوِّعةِ الَّتي تهدِّدُ استقرارَ الأسرةِ خاصَّةً في توقيتٍ تعاني فيه الأسرةُ بعضًا من المشكلاتِ والعقباتِ الَّتي تحتاجُ إلى تكاتفٍ جماعيٍّ للمؤسَّساتِ والهيئاتِ بل والأفرادِ لمواجهتِها.
وعن الكتبِ الَّتي تتناولُ قضايا المرأةِ والأسرةِ باعتبارهما عنصرًا مهمًّا في المجتمعِ، أكد وكيل الأزهر أن الأزهر أصدرَ العشراتِ منها، ومن هذه الكتب: «قضيَّة ميراثِ المرأةِ، الحالاتُ الَّتي ترثُ المرأةُ فيها أضعافَ الرَّجلِ- دراسةٌ استقرائيَّةٌ تطبيقيَّةٌ في (147) حالةً، و«مَبادئُ الإسلامِ في تنظيمِ الأسرةِ»، و«المرأةُ وداعش.. قضايا بارزةٌ في إطارٍ اجتماعيٍّ»، و«النِّساءُ في صفوفِ الجماعاتِ المتطرِّفةِ»، و«أفكارُ الحداثةِ الخاصَّةِ بالأسرةِ»، و«التَّغيُّراتُ المعاصرةُ وآثارُها في العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ والأسريَّةِ»، و«التَّفكُّكُ الأسريُّ وآثارُه الاجتماعيَّةُ»، و«المسؤوليَّةُ الأسريَّةُ بين الواقعِ والمأمولِ»، و«جوانبُ الإنصافِ والإصلاحِ للمرأةِ في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ»، و«المرأةُ في البيانِ القرآنيِّ»، و«هديُ الرَّسولِ في تكوينِ الأسرةِ»، وغير ذلك، ولقد تُوِّجَت عنايةُ الأزهرِ بالمرأةِ بتكريمِ دولةِ رئيسِ الوزراءِ للأزهرِ الشَّريفِ لحصولِه على المركز الأوَّل في ملف التَّميُّز الحكومي في تمكين المرأةِ.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنَّ الإسلامَ في مصادرِه الأصيلةِ وتطبيقاتِه السَّليمةِ ليس فيه ما يدعو إلى الانتقاصِ من المرأةِ أو حرمانِها من حقوقِها، بل إنَّ الإسلامَ انتصرَ للمرأةِ في كثيرٍ من قضاياها، فالمرأةُ في الإسلامِ مكرَّمةٌ مصونةٌ، وليست عورةً تختبئُ وراءَ عاداتٍ موروثةٍ، أو ممارساتٍ خاطئةٍ، وإنَّ دورَها في صناعةِ الوعي عبر التَّاريخِ لا ينكرُ، وإنَّا لننتظر أن يقدِّمَ المؤتمرُ قراءةً صحيحةً تكشفُ عن حال المرأةِ بين الأصلِ المشروعِ والانحراف الممنوعِ والتَّزييفِ المصنوعِ، متوجها بتحيَّةٍ خاصَّةٍ لكلِّ امرأةٍ فهمت دورَها، وقامت بواجبِها.