الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

"فورين بوليسي": "عدم الاستخدام أولا" النهج الأكثر واقعية للحد من تصعيد التهديدات النووية عالميا

اسلحة نووية
اسلحة نووية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تواصل العديد من الدول النووية تحديث ترساناتها من الأسلحة النووية، منذ نهاية الحرب الباردة. وخلال شهر يونيو الماضي، خرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) المنتهية ولايته ينس ستولتنبرج، بتصريحات مثيرة حول نشر مزيد من الأسلحة النووية، حين قال إن الحلف يجري محادثات لنشر مزيد من الأسلحة النووية وإخراجها من المستودعات ووضعها في حالة الاستعداد، وذلك في مواجهة تهديد متزايد من روسيا والصين.
ويأتي هذا التصريح في وقت حث فيه روبرت أوبراين، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، الرئيس السابق دونالد ترامب، على إجراء تجارب نووية إذا فاز بولاية جديدة، بدعوى أن ذلك من شأنه مساعدة الولايات المتحدة في "الحفاظ على التفوق التقني والعددي على المخزونات النووية الصينية والروسية مجتمعة".
وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن هناك استنتاجا قاتما حول الدبلوماسية النووية في العصر الحالي، يتمثل في أنه سيكون من المستحيل حظر مثل هذه الأسلحة في أي وقت قريب في ضوء الأوضاع الراهنة. فمنذ إقرار معاهدة حظر الأسلحة النووية في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017، لم توقع أي دولة مسلحة نوويا على المعاهدة، كما أنه من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، إقناع هذه الدول بتقليص مخزوناتها النووية وسط المنافسة الجيوسياسية والعسكرية متزايدة الشدة. 
وأشارت المجلة إلى أنه على العكس من ذلك، أعلنت روسيا في فبراير2023 أنها ستعلق مشاركتها في معاهدة 2010 بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها (ستارت الجديدة) - وهي آخر معاهدة متبقية للحد من الأسلحة النووية تحد من القوات النووية الاستراتيجية الروسية والأمريكية.
وردا على ذلك، علقت الولايات المتحدة أيضا تبادل ونشر بيانات المعاهدة. وفي نوفمبر الماضي، ذهبت روسيا إلى أبعد من ذلك، وسحبت تصديقها على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، بدعوى "اختلال التوازن" مع الولايات المتحدة، التي فشلت في التصديق على المعاهدة منذ فتح باب التوقيع عليها في عام 1996.
وترى المجلة أنه في ظل هذا الوضع، من المستحيل أن تقف بكين هي الأخرى مكتوفة الأيدي، حيث تشير تقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن حجم الترسانة النووية الصينية قد زاد من 410 رؤوس حربية في يناير2023 إلى 500 رأس في يناير2024، ومن المتوقع أن يستمر في النمو. كما قد تنشر الصين وللمرة الأولى عددا صغيرا من الرؤوس الحربية على الصواريخ خلال وقت السلم. وعلاة على ذلك، ووفقا لوزارة الدفاع الأمريكية، من المرجح أن تزيد الصين من رؤوسها الحربية النووية إلى 1500 رأس بحلول عام 2035.
ونظرا لهذا الواقع، ربما تكون الطريقة الأفضل في الأمد القريب للحماية من المخاطر النووية ليست الحد من عدد الأسلحة النووية ولكن إدارة السياسات التي تحكم استخدامها. وفي هذا الصدد، يبدو أن تعهد الدول المسلحة نوويا بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية هو النهج الأكثر واقعية في الحد من تصعيد التهديدات النووية.
وأوضحت "فورين بوليسي" أنه من الناحية النظرية، يشير عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية إلى سياسة تمتنع بموجبها القوة المسلحة نوويا رسميا عن استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في الحرب، إلا في حالة القيام بذلك كضربة ثانية ردا على هجوم من قبل قوة معادية تستخدم أسلحة الدمار الشامل.
ومن بين الدول النووية الخمس التي وقعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) - الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - لم تعلن سوى الصين عن سياسة عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية. ففي 16 أكتوبر 1964، عندما فجرت الصين بنجاح أول قنبلة ذرية لها، أعلنت على الفور أنها لن تكون البادئ في استخدام الأسلحة النووية في أي وقت وتحت أي ظرف من الظروف، والتزمت دون قيد أو شرط بعدم استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها ضد الدول غير النووية أو في المناطق الخالية من الأسلحة النووية.
وفي عام 1998، قدمت الهند، التي ليست طرفا في معاهدة منع الانتشار النووي، تعهدا مماثلا، وإن كانت قد أكدت أن التعهد لا يشمل إلا الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية ولا تتحالف مع دولة مسلحة نوويا.
وحاول خبراء أمريكيون التشكيك في مدى صحة تعهد الصين، وناقشوا ما إذا كانت بكين قد تستخدم أو تهدد باستخدام الأسلحة النووية في أسوأ السيناريوهات، مثل أثناء الصراع حول جزيرة تايوان، حيث يعتقد بعض المراقبين في الولايات المتحدة أنه إذا قرر قادة الصين مهاجمة تايوان، فلا يوجد شيء يمكن لأي شخص القيام به لتغيير آرائهم إذا فشلت الوسائل التقليدية في تحقيق النجاح.
ولكن مثل هذه الحجج – وفقا للمجلة الأمريكية - ليست مقبولة، خاصة وأن الصين، التي أصبحت أقوى من أي وقت مضى، أصبحت الآن في وضع أفضل للالتزام بسياسات أعلنت عنها واستمرت قائمة لعقود من الزمان. ورغم أن الصين لم تستبعد إمكانية استخدام وسائل غير سلمية لما تسميه "إعادة التوحيد" (لجزيرة تايوان) في ظروف محددة، فإن بكين لم تذكر قط استخدام الأسلحة النووية ضد شعب تايوان، الذي يتم وصف أبنائه باعتبارهم "مواطنين". كما أنه في المحادثات شبه الرسمية بشأن الأسلحة النووية التي عقدت في شنغهاي شهر مارس الماضي، أبلغ الوفد الصيني الجانب الأمريكي أنهم مقتنعون تماما بأن الصين ستكون قادرة على الانتصار في معركة تقليدية بشأن تايوان دون استخدام الأسلحة النووية.
وشددت "فورين بوليسي" على أن الوقت قد حان للحديث عن عدم الاستخدام الأول للأسلحة النووية، وأن تتبنى كل القوى النووية سياسة رسمية بعدم الاستخدام الأول.
واعتبرت المجلة أن الموقف النووي للولايات المتحدة يشبه في الواقع موقف الصين أكثر مما يبدو. ففي مراجعة الموقف النووي لعام 2022، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها لن تفكر في استخدام الأسلحة النووية إلا "في ظروف قصوى للدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة أو حلفائها وشركائها". كما أن الحكومة البريطانية أعلنت هي الأخرى أنها لن تفكر في استخدام أسلحتها النووية إلا في ظروف قصوى للدفاع عن النفس، بما في ذلك الدفاع عن حلفائها في حلف شمال الأطلسي. وكذلك الحال بالنسبة لفرنسا التي أكدت أن سياسة الردع لديها قائمة على مبدأ "الاكتفاء الصارم" (امتلاك عدد كاف من الصواريخ، لتكون قادرة على إلحاق ضرر -في إطار حالة الدفاع عن النفس- بالعدو حتى تثبت له أنه غير قادر على مهاجمة فرنسا).
وترى "فورين بوليسي" أن التحدي الحقيقي حاليا هو جعل روسيا تلتزم بسياسة عدم الاستخدام أولا، حيث إن الاتحاد السوفييتي ورغم تبنيه سياسة رسمية بعدم الاستخدام أولا في عام 1982، إلا أنه بعد تفككه، عكس الاتحاد الروسي هذا النهج في عام 1993. كما أنه منذ بداية الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا في عام 2022، كان هناك قلق من أن روسيا قد تفجر قنبلة نووية تكتيكية في مكان ما لإرسال تحذير إلى أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي. وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يهدد صراحة باستخدام الأسلحة النووية، إلا أنه ألمح مرارا وتكرارا إلى استعداد روسيا لاستخدامها.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن روسيا تنتهج حاليا استراتيجية التصعيد من أجل خفض التصعيد، والتي نجحت جزئيا في الحرب في أوكرانيا، حيث حدت من مشاركة حلف شمال الأطلسي المباشرة ودفعت الولايات المتحدة إلى وضع قيود على ما يمكن لأوكرانيا أن تفعله بالأسلحة التي تزودها بها.
وتساءلت المجلة عن الأسباب التي تدفع روسيا حاليا أن تفكر في تبني سياسة عدم الاستخدام أولا بدلا من استراتيجية التصعيد من أجل خفض التصعيد؟
ونوهت المجلة إلى أن أسلوب التصعيد من أجل خفض التصعيد يعتمد على الخوف والخداع، ويحتوي على مخاطر هائلة، حيث يهدد الرد بالمثل بالتحول إلى حرب نووية كاملة لا يريدها أحد. وعليه، فإن حلف شمال الأطلسي يمكنه أن يبدأ بتعهد أحادي الجانب بعدم الاستخدام أولا ضد روسيا كبادرة حسن نية. وحتى لو لم يتم الرد على مثل هذا العرض على الفور من قبل روسيا، فقد يبدأ في إذابة التوترات.
وكخطوة ثانية وحاسمة، يمكن لحلف شمال الأطلسي أن يتعهد بوقف أي توسع آخر لتحالفه في مقابل تبني موسكو لسياسة عدم الاستخدام أولا، خاصة وأنه بعد انضمام السويد وفنلندا في وقت سابق من هذا العام إلى الحلف، لا يوجد سوى ثلاث دول طموحة على قائمة الانتظار: البوسنة والهرسك وكذلك جورجيا وأوكرانيا، التي لديها صراعات مستمرة وعميقة المشاكل مع روسيا ويعتبرها حلف شمال الأطلسي حساسة.
واعتبرت المجلة الأمريكية أن الطريق إلى الأمام لتحقيق انفراجة في هذا الصدد مازال ممكنا. فعلى سبيل المثال، اتفقت كل من روسيا والصين بالفعل على عدم البدء باستخدام الأسلحة النووية ضد بعضها البعض ومن الممكن أن تتوصل الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق مماثل، وبالتالي تهدئة الصراعات المحتملة التي تشمل حلفاء الولايات المتحدة ـ مثل الفلبين واليابان ـ فضلا عن المخاطر التي قد تنتج عن الحوادث العرضية في البحر أو الجو. كما من الممكن أيضا أن يسهل ذلك على الأوروبيين أن ينضموا إلى هذا المسار إذا انضمت إليه الولايات المتحدة.
وأخيرا، نبهت "فورين بوليسي" إلى أن هناك اتفاقا مشتركا بين القوى النووية الخمس على أن "الحرب النووية لا يمكن كسبها، ويجب عدم خوضها أبدا"، وأنه إذا كان من المستحيل حقا الفوز في حرب نووية، فما الذي يمنع هذه القوى النووية من التعهد بعدم الاستخدام أولا؟ لاسيما وأن الأسلحة النووية لم تساعد الولايات المتحدة في حروبها في فيتنام والعراق وأفغانستان أو الروس في أوكرانيا. والواقع أن الالتزام بعدم الاستخدام أولا من جانب الدول المسلحة نوويا من شأنه أن يمنح الناس الأمل في أن عالما خاليا من الأسلحة النووية، مهما كان بعيدا، لا يزال ممكنا في يوم من الأيام.