"لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم".. هذا البيت للشاعر الكبير المتنبي، أضحى شعارا يرفعه البعض، ويتخذونه مبررا لارتكابهم الجرائم، وإراقة الدماء تحت عنوان "الشرف".
فالغضب والثأر للذات والخوف من نظرة الناس، من أبرز الدوافع المحركة لارتكاب جريمة الشرف، حسبما يرى علماء النفس، إلا أن الانسياق الاعمى والاستسلام لمشاعر الغضب والكراهية، عادة ما يقود البعض الي ارتكاب مجزرة بحق من يظنون أنهم انتهكوا اعراضهم، وهو ما ينذر حتماً بهلاك المجتمع.
فلا فائدة ترجى من غياب إعمال العقل، والتيقن من القرائن حتى لا ترتكب الجرائم، بيد أن القوانين لم تغفل عن تلك النوعية من الجرائم الخاصة بالتحرش الجنسي وهتك العرض، ومعاقبة مرتكبيها بأغلظ العقوبات واشدها إيلاماً والتي تصل في كثير من الأحيان إلى الاعدام شنقا، وذلك كله حتى لا تستبيح الناس دماء بعضها بغير حق بعيدا عن القانون.
جريمة بشعة
اتسعت حدقة عينيه من الصدمة وبدأ الغضب يدب في أوصاله ويزداد رويدا رويدا، وهو يستمع إلى ما تقوله ابنته الصغيرة، التي اعتاد أن يأخذها معه إلى بيت والدته ويتركها لتبيت عندها في بعض الأحيان، وما تصفه من تحرش زوج جدتها بها ذات ليلة وهي نائمة في منزل جدتها بالقطامية.
بصوت يشوبه القلق والخوف وصفت طفلته كيف كان يتحسس ذلك العجوز الماكر جسدها الصغير، في انتهاك صريح لبراءتها دون مراعاة لصغر سنها، وهنا انتفض كالبركان الثائر واستل سكيناً من المطبخ، واندفع مهرولا إلى منزل والدته، وحينما واجهه بما تقوله الصغيرة لم يتمالك نفسه بعدما ردد ما قالته له مرة أخرى، إلا وهو يهوى عليه بالسكين ويطعنه ١٠ طعنات حتى فارق الحياة، ولم يكتف بذلك بل قطع عضوه التناسلي انتقاما منه، وأخذ يصرخ انتقمت لشرف ابنتي.
الحبس لا الإعدام
حدد المشرع طرق التعامل مع جرائم الشرف، وذلك لما تمثله من أحد حقوق الدفاع الشرعي عن النفس، فقد أورد قانون العقوبات في المادة (249) حق الدفاع الشرعي عن النفس لا يجوز أن يبيح القتل العمد إلا إذا كان مقصودا به دفع أحد الأمور الآتية: (أولا) فعل يتخوف أن يحدث منه الموت أو جراح بالغة إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة، و(ثانيا) إتيان امرأة كرها أو هتك عرض إنسان بالقوة، و(ثالثا) اختطاف إنسان.
وأوضح في المادة (251) من ذات القانون أنه "لا يعفى من العقاب بالكلية من تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي أثناء استعماله إياه دون أن يكون قاصدا إحداث ضرر أشد مما يستلزمه هذا الدفاع. ومع ذلك يجوز للقاضي إذا كان الفعل جناية أن يعده معذورا إذا رأى لذلك محلا وأن يحكم عليه بالحبس بدلا من العقوبة المقررة في القانون".
الغضب الاعمى
من جانبه؛ يقول الدكتور فتحي قناوي، الخبير بعلم الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن أسباب وقوع تلك الجرائم بارتكابها بهذه الصورة البشعة، هو سيطرة الغضب الأعمى على مشاعر من انتهك عرضه، علاوة على خوفه من نظرة الناس له والتي فيها نفسه وكأنه عارياً أمامهم حتي ينتقم لشرفه بقتل وتمزيق جسد من فعل هذا بعرضه بيديه بصورة تبدو وكأنها مجزرة.
ولفت الخبير بعلم الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية إلى أنه وبالرغم من حث الديانات السماوية والأعراف على الانتقام والثأر للشرف والعرض، إلا أن ذلك قيد بالقانون حتى لا تصبح غابة يفعل كل فيها ما يحلو له.
انهيار المجتمع
وتابع "قناوي" أن انتشار مثل هذا النوع من الجرائم الخاصة بهتك العرض والجرائم المضادة بالتعدى بالضرب أو القتل على مرتكبي النوع الأول من للجرائم، دون الرجوع الى القانون يؤدي حتماً إلى انهيار المجتمع، فتغليب الغضب الأعمى والمشاعر المفضية الي جريمة، وسط غياب العقل والتيقن، قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى إراقة دماء ذكية بغير ذنب ارتكبته سوى وقوعها في مرمى الشبهات، ولذلك كان أعمال القانون وتبليغ الجهات المختصة هو أسلم طريق واستبراء للدم والعرض.
حملة توعية
وأوضح الدكتور فتحي قناوي حديثه قائلاً، إنه يجب على أجهزة الدولة ومؤسساتها لاسيما الدينية منها والتعليمية والإعلامية، أن تنشر حملة توعية بكيفية التعامل مع تلك الجرائم، وطرق الحفاظ على أطفالنا من التعرض للتحرش أو هتك العرض، الذي يدفع لارتكاب الجريمة بحق من فعل بهم ذلك.
وأشار إلى أنه لا يعقل أن نضع صغارنا فريسة لتنتهك أعراضهم، ثم نقوم بقتل من فعل ذلك بهم، فأحياناً الأب الذي يرتكب جريمة القتل بحق من انتهك عرض ابنته يكون مخطئا في الأساس ويتحمل جزءًا من المسؤولية وهي عدم الحفاظ عليها من هذا الفعل ابتداءً.