شهدت دول العالم ومن بينها مصر ارتفاعا في درجات الحرارة على مدار الأشهر الماضية.
وعلى الرغم من أن عام 2023 كان الأعلى حرارة حول العالم، إلا أن عام 2024 شهد أكثر الشهور ارتفاعًا في درجات الحرارة على مر التاريخ، حيث شهد العالم خلال مايو ويونيو ويوليو الماضيين عدة موجات حرارية كبيرة شعرت بها جميع فئات السكان، ويتوقع الخبراء استمرار ارتفاع درجات الحرارة وتأثر المناخ خلال عامي 2024 و2025.
وفي مختلف أنحاء العالم أصبحت كل موجة حر أقوى وأكثر احتمالاً للحدوث بسبب تغير المناخ الناجم عن حرق النفط والغاز والفحم وإزالة الغابات، وعلى الرغم من تميز مصر بجوها المعتدل إلا أنها تتعرض مثل معظم الدول لارتفاع درجات الحرارة.
إحصائيات مزعجة
من جهته؛ أرجع الخبير العالمي الدكتور أندرو بيرشينج، نائب الرئيس للعلوم في مركز تغيرات المناخ العالمي، ارتفاع درجات الحرارة حول العالم نتيجة حرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي لمدة تزيد علي قرن ما سبب خطراً متزايداً، وموجات الحر التي ظهرت حول العالم هذا الصيف تعتبر كوارث غير طبيعية، وسوف تصبح أكثر شيوعا حتى يتوقف التلوث الكربوني.
ووفقًا لمركز تغيرات المناخ العالمي، أظهر مؤشر التحول المناخي (تحليل CSI) دور تغير المناخ في درجات الحرارة العالمية خلال الفترة من 16 إلى 24 يونيو 2024، وعدد الأشخاص الذين تعرضوا لدرجات الحرارة، حيث عانى 4.97 مليار شخص من حرارة شديدة وصلت إلى مستويات لا تقل عن 3 درجة csi مما يشير إلى أن تغير المناخ جعل درجات الحرارة هذه أكثر احتمالية بحدوثها ثلاث مرات على الأقل.
وجاءت القائمة كالتالي: 619 مليون نسمة في الهند، 579 مليون شخص في الصين، 231 مليون شخص في إندونيسيا، 206 ملايين شخص في نيجيريا، 176 مليون شخص في البرازيل، 171 مليون شخص في بنغلاديش، 165 مليون شخص في الولايات المتحدة، 152 مليون شخص في أوروبا (باستثناء روسيا)، 123 مليون شخص في المكسيك، 121 مليون شخص في إثيوبيا، و103 ملايين نسمة في مصر.
وسجلت التقارير في المملكة العربية السعودية، وفاة ما لا يقل عن 1300 شخص بسبب أمراض مرتبطة بالحرارة أثناء موسم الحج. وكانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، حيث تجاوزت درجة الحرارة في بعض المدن 50 درجة مئوية.
وجد تحليل المناخ المركزي أن مدينة مكة تشهد درجات حرارة أعلى بثلاث مرات على الأقل بسبب تغير المناخ كل يوم منذ 18 مايو، وأكثر احتمالًا بخمس مرات منذ 24 مايو.
ووجد تحليل سابق أجراه علماء المناخ في Climameter أن التغير الناجم عن حرق النفط والغاز والفحم في المملكة العربية السعودية أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة بما يقدر 2.5 درجة مئوية عن السابق.
ووفقا لمركز تغير المناخ فإنه تم تسجيل درجات حرارة مرتفعة في مصر تقترب من 50 درجة مئوية خلال الأيام القليلة الماضية، وفي محافظة أسوان الجنوبية، لقي ما لا يقل عن 40 شخصاً حتفهم خلال شهر يونيو، وتسبب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة استهلاك الطاقة في جميع أنحاء البلاد، واضطرت الحكومة إلى فرض انقطاع يومي للتيار الكهربائي لتجنب التحميل الزائد على الشبكة الكهربائية.
توقعات خطيرة بشأن 2024
وحذرت سمانثا بورجيس، نائبة مدير خدمة تغير المناخ في مركز كوبرنيكوس وهو برنامج مراقبة الأرض التابع للاتحاد الأوروبي، من استمرار الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي، حيث حطمت الأشهر الـ 12 الماضية أرقامًا قياسية لم يسبق لها مثيل.
وقالت "بورجيس" إن عامي 2023/2024 سيبدوان كأنهما عامان للطقس البارد، على نحو مماثل لكيفية ظهور عام 2015/2016 الآن ، حيث سيستمر المناخ أكثر احترارا، وسيستمر في تحطيم الأرقام القياسية، وسيستمر في إنتاج المزيد من الأحداث الجوية المتطرفة مع استمرار الانبعاثات الحرارية.
ويتوافق مع ذلك كلا من ماثيو بارلو أستاذ علوم المناخ في جامعة ماساتشوستس، وجيفري باسارا أستاذ الأرصاد الجوية في جامعة ماساتشوستس، حيث أوضحا في مقال علمي أنه من المرجح أن يكون الصيف هذا العام أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق، لكن يجب أن ندرك أنه قد يكون أيضًا أحد أبرد فصول الصيف في المستقبل.
وأضافا أنه بالنسبة للسكان الأكثر عرضة للحرارة، يتضمن الأطفال الصغار وكبار السن والعاملين في الهواء الطلق، كما أن الأفراد ذات الدخل المنخفض معرضين للخطورة أيضًا بسبب ارتفاع تكاليف تكييف الهواء باهظة الثمن.
وأوضح العالمان أن الحرارة الشديدة قد تؤثر على الاقتصادات العالمية، فقد تتسبب في ثني مسارات السكك الحديدية وتسبب ترهل الأسلاك، مما يؤدي إلى تأخيرات وانقطاعات في النقل، كما قد تتسبب في زيادة تحميل الأنظمة الكهربائية بالطلب المرتفع مما يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي في الوقت الذي يكون فيه الناس في أشد الحاجة إلى التبريد.
أسباب بشرية
من جهته؛ أوضح الخبير البيئي "حسان الطيب" إن ارتفاع درجات الحرارة لكوكب الأرض معروف الأسباب مسبقا ومعروف حجم الكوارث التي سوف تنتج من جرائها ولقد حذر علماء البيئة منذ عدة سنوات إن تلوث الإنسان البيئي منذ مائة عام مضت وتجارب البلاد على انفجارات نووية في المحيطات والبحار والجبال وكثرة المصانع الباعثة لانبعاثات وملوثات غازية كل هذا سبب التأثير المباشر وغير المباشر علي تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وأيضا القضاء علي المساحات الخضراء وتدميرها وقطع الأشجار في كل بلاد العالم.
وأضاف "الطيب" في تصريحات لــ "البوابة نيوز"، أن الزحف السكاني والعمراني في كثير من البلاد دمار للغابات واستغلال تجار الأخشاب والأراضي لا يهمهم غير الدخل السريع والكسب والربح دون التفكير في قوانين بيئة وخلافة ناهيك عن ضعف كل المنظمات للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والذى أصبحوا يفكرون بنظام المصلحة الشخصية والكيل بمكيالين.
وتابع: وخير دليل دمار أمة وشعب بأكمله وسقوط ملايين من الأطنان من المواد المتفجرة علي شعب وأرض غزة والكل مشارك في هذا الجرم دون استثناء كل بلاد العالم والمنظمات؛ مشيرًا إلى أن كوكب الأرض مثل السفينة والتي يتواجد فيها الجميع ويظهر بعض الناس بعمل ثقب في السفينة.
وأكد أن عدم توقيع الدول على اتفاقية المناخ ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية تتيح للدول الفرصة إلى الهروب بأكبر المصانع العملاقة الملوثة للبيئة فإذا كانت المنظومة كلها فاسدة فكيف نصلح عمل المفسدين وهم الأقوى قوة في العالم وفي أيديهم القرارات والفيتو.
التغيرات المناخية في مصر
في النطاق المحلي تعمل مصر على الاستعداد للتغيرات المناخية وما يترتب عليها من آثار، ومحاولة تجنب أو تلافي العواقب الشديدة لذلك تعمل هيئة الأرصاد المصرية جنبًا إلى جنب مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، حيث يتم التعامل مع بنك معلومات الأرصاد الجوية العالمي لبيان توقعات حالة الطقس على معظم دول العالم.
ويتم وضع مؤشرات التنبؤ بحالة الطقس عن طريق وجود أكثر من محطة أرصاد جوية في كل محافظة ومدينة ودولة، وفي معظم المطارات، وتقوم هذه المحطات بإعطاء تقرير كل ساعة، يشمل اتجاه الرياح وسرعتها، إمكانية الرؤية، الحرارة، الضغط، ووجود قطرات الندى في الجو، وتسجل أيضاً أي ظاهرة طبيعية أو غير طبيعية تحدث.
ثم يتم إدخال النتائج المقدمة من بنك معلومات الأرصاد الجوية، على أجهزة الحاسوب ليتم تسجيلها على خرائط، ويتم فيها فصل الكتل الباردة عن الكتل الساخنة، ومناطق الضغط العالي عن الضغط المنخفض.
وبالتالي يقوم الأخصائي الجوي بناءً على معلوماته وما درسه، في التعرف على أي كتلة ستدخل على البلاد وموعد دخولها، ويستنتج ما يتبعها من آثار مترتبة عليها، مثل الأمطار، الرياح، البرودة والحرارة، وبالتالي تتم عملية التنبؤ بحالة الطقس.
ومن أهم التغيرات التي طرأت على مصر، هو ارتفاع نسب الرطوبة بنسب عالية جداً، فضلا عن قلة كمية الأمطار، كما قلت السيول التي كانت تحدث في فصل الخريف.
وحول ارتفاع درجات الحرارة على مصر وتأثيرها على المصريين، قال الخبير البيئي "حسان الطيب" إنه من الممكن أن يكون لها جانب إيجابي وهو الجذب السياحي للدرجات العليا من الحرارة أجد بعض سياحة أوروبا وروسيا تفرح بعلاج أمراض العظام والروماتيزم بأجسادهم ونحن نهرب للغرف المكيفة من ارتفاع درجات الحرارة.
وأضاف، أن هناك جوانب سلبية عديدة لارتفاع درجات الحرارة قد يقع تأثيرها بشكل مباشر وغير مباشر على مصر مثل غرق بعض البلاد الأوروبية مستقبلًا من ارتفاع نسبة ذوبان المياه بالقطب الشمالي ومضاعفة المياه للمحيطات والبحار وبالتالي تأثير ذلك على البحر الأحمر والبحر المتوسط في مصر.
كما أشار إلي أن ارتفاع درجات الحرارة تؤثر بشكل مباشر على مجهود الإنسان وصحته ونصح الخبير البيئي بتوخي الحرص والحذر وشرب الماء الكثير وعدم التعرض لدرجات الحرارة العالية لمدة طويلة.
حلول إيجابية
وحول الحلول التي يمكن استخلاصها لحل مشكلة التغيرات المناخية؛ قالت المهندسة هبة محمد إمام، استشاري وخبير بيئي، إن مصر ومعظم الدول العربية تواجه تحديات كبيرة في مجال التغير المناخي، ولكن من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة والتعاون المشترك، يمكنها التكيف مع هذه التغيرات والحد من تأثيراتها والحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئة للأجيال القادمة.
وأضافت "إمام"، في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أنه يجب أن تتكاتف الدول العربية للخروج بحلول عملية لمعالجة ارتفاع الحرارة والتغيرات البيئية خاصة في نطاق الإقليم، من خلال وضع استراتيجيات وخطط عمل فعالة وتعزيز الوعي العام وتثقيف الجمهور حول أهمية الحفاظ على البيئة، كما يمكن تعزيز استخدام الطاقة المتجددة وتحسين إدارة الموارد المائية وتعزيز الزراعة المستدامة.
علاوة على ذلك، يتطلب مواجهة التحديات المناخية تعاونًا دوليًا وإقليميًا قويًا، بالإضافة إلى توفير التمويل والموارد المالية اللازمة للتكيف مع التغير المناخي، وبالعمل المشترك والجهود المتواصلة، يمكننا التغلب على التحديات المناخية وحماية الموارد الطبيعية وضمان الاستدامة والتنمية للأجيال القادمة، خاصةً أن التصدي للتغير المناخي يتطلب العمل المستمر والتزام الجميع.
وأشارت إلى أنه “يجب أن نتخذ إجراءات فورية للحد من ارتفاع درجات الحرارة والعمل على الحفظ على البيئة والحفاظ على التنوع الحيوي، كما يجب أن نعمل على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تبني سلوكيات صديقة للبيئة مثل التوجه نحو الزراعة المستدامة والتقليل من الاستهلاك غير المستدام للموارد الطبيعية”.