الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مستشفيات الحكومة وعلاج المواطنين لمن يدفع! د.فتحي حسين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الصحة هي تاج على رؤوس الأصحاء، وأغلى ما يمتلكه الإنسان على وجه الأرض. وبدونها تنعدم الحياة نفسها، وهذا الكلام لا يختلف عليه أحد.

وفكرة بيع أو تأجير المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص أو المستثمرين، سواء محليين أو أجانب، بالرغم من أنها فكرة جيدة في شكلها العام، إلا أنها غير مقبولة لدى معظم المواطنين في واقعها المعاش الذي يشير إلى الارتفاع الكبير في أسعار العلاج نفسه، فضلاً عن ارتفاع سعر الدواء واختفائه من الأسواق، وهو ما يهدد حياة المصريين الذين ربما لا يجدون الدواء الخاص بهم، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، وقد يتوفون بسبب ذلك. على كل حال، فإن فكرة إدخال الجانب الاستثماري في المستشفيات الحكومية موجودة ومعمول بها في بعض المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الأوقاف، مثل مستشفى الدعاة بمصر الجديدة، والتي وجدت فيها علاجاً استثمارياً خمس نجوم وكأنك تتعامل مع شرائح أجنبية وليست مصرية، بالرغم من كون المستشفى حكومي تابع لوزارة الأوقاف، إلا أنها تتعامل بشكل استثماري غالي القيمة بدرجة كبيرة. على سبيل المثال، قمت بتنظيف جرح في القدم تكلف أكثر من 4 آلاف جنيه، في أقل من ربع ساعة! وهذا بطبيعة الحال لا يرضي وزير الأوقاف الجديد أسامة الأزهرى. وقيس على ذلك عدد كبير من المستشفيات الحكومية التي بها جزء استثماري كبير، تمارس ضغطاً كبيراً على المواطنين!

والبداية كانت عندما اعتمد الرئيس السيسي القانون رقم 87 لسنة 2024 الخاص بـ "منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية"، بحسب ما نشر في الصحيفة الرسمية، من دون أن تسري الأحكام على مراكز ووحدات الرعاية الصحية الأساسية وصحة الأسرة، وعمليات الدم وتجميع البلازما الخاضعة لأحكام قانون تنظيم عمليات الدم وتجميع البلازما لتصنيع مشتقاتها وتصديرها رقم 8 لسنة 2021.

والحكومة من جانبها تدافع عن القانون نظراً إلى ضعف الإمكانات المتاحة لوزارة الصحة، بينما يقابل برفض نقابة الأطباء والحقوقيين ويثير مخاوف من تضرر المرضى.

ويبلغ عدد المستشفيات في مصر 1798 مستشفى تضم 121617 سريرًا، إلى جانب 5424 منشأة صحية ومركزًا، بالإضافة إلى وجود 1565 سيارة إسعاف، وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في عام 2022. ومما لا شك فيه أن ضعف الإمكانات المتاحة لوزارة الصحة لتقديم الخدمات الملائمة طبقًا للمعايير الموضوعة، ودور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات إلى جانب وزارة الصحة، ولكن زيادة أسعار الخدمات والعلاج بمبالغ طائلة لا تسمح إمكانيات المواطنين بدفعها في مستشفى حكومي ذات طابع استثماري. لابد من وقفة هنا، نظراً لعدم قدرة غالبية المصريين على الحصول على الخدمات الصحية المدفوعة بعدما كانت حقًا مجانيًا تكفله الدولة!

والسؤال هنا أيضًا ما هي الضمانات الكفيلة بحفظ حقوق العاملين في المستشفيات الحكومية؟ وكان من الأجدى على الدولة منح المستثمرين حزمة من الحوافز لتشجيعهم على بناء مستشفيات جديدة للعلاج، لدعم الإمكانات الصحية في مصر، لخدمة آلاف المرضى من المواطنين في مناطق لا توجد بها مستشفيات أصلاً، ودعم القطاع الأهلي والخاص لتطوير منشآته وتحمل مسؤولياته في تقديم الخدمات الصحية إلى جانب المنشآت الحكومية!

كما أن القانون أوجب علاج 70 في المئة من المرضى بشكل مجاني عبر التأمين الصحي، بينما الـ30 في المئة المتبقية سيدفعون لقاء حصولهم على الخدمة من دون مغالاة، وهذا الأمر متعارف والجميع يعلمه!

علاوة على أن الدستور المصري في نص المادة (18) يلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن ثلاثة في المئة من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وكذلك بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطي كل الأمراض!

نحن لسنا ضد الاستثمار في المجال الطبي سواء المصري أو الأجنبي، ولكن مع إنشاء مستشفيات جديدة وإضافة أسرة لتضيف للمنظومة الصحية بالكامل، لكن مع حفظ حق المريض في الحصول على خدمة طبية بسعر متاح تحت نظر الحكومة وليس المستثمر الأجنبي أو المحلي!

وهذا ما يدعونا إلى التفكير كثيرًا في عدم اللجوء إلى خصخصة المستشفيات الحكومية، حتى يجد المواطنون الفقراء، وما أكثرهم، العلاج بقدراتهم المحدودة وليس بمبالغ طائلة كما في واقع مستشفى الدعاة الحكومية التابعة لوزارة الأوقاف. الصحة والعافية هي الطريق لتقدم المصريين إذا توفرت لهم صحة وعلاج جيد بجانب التعليم والزراعة. ربما نسير بعدها في مقدمة الأمم. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء!