روبير الفارس يكتب: يوم ميلاد «الفرج»
أسامة ريان يكتب: خفة دم «فرج فودة».. هل هى جريرته؟
سليمان شفيق يكتب: فرج فودة لم يكن أول الشهداء ولن يكون آخرهم
أسامة سلامة يكتب: كنت حاضرًا فى المناظرة القاتلة
يوم ميلاد “الفرج”
يوم الميلاد نصرخ، إعلان الوجود في الحياة. والاحتفاء بذكري ميلاد “فرج فودة“ 20 أغسطس 1945. إعلان واعتزاز بصرخته التى ما زالت حية. رغم الاستشهاد. وإن كنا نريدها صرخة مدوية عالية. تصل لمن في قلوبهم صمم. وتزيل صدى النسيان وظلال السنين.. فالثمن الذى دفع فيها دم غالي وروح نفيسة. لذا نتعقب أصداء الكلمة حتى لا نسقط صرعى للظلمة. تماما كما كتب في قصيدته “الدوران الحر“ التي نشرتها مجلة شعر في عدد أكتوبر 1964 يقول
هانحن ندور
دوامة خوف وكآبة
والمحور كاس وكآبة
ارجلنا صهرتها الأنغام
فسبحنا في النغم المصهور
نلتمس قبسا من نور
نتلمس أصداء الكلمة
شوق وحنان ومحبة
وراء هذه الأصداء نتعقب خطي كلماته في مقدمة كتابه “قبل السقوط“ لتصل رسالته التى دفع دمه من أجلها فقال “لا أبالي إذا كنت في جانب والجميع في جانب آخر. ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم. ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بك قول ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول وإنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت. فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة وقصاد الحق لا طالب السلطان.
وأنصار الحكمة لا محبي الجكم وأتوجه إلي المستقبل قبل الحاضر «وها نحن في هذا المستقبل ننشد شجاعة وجراءة وقوة فرج فودة الذي تحل علينا اليوم ذكرى ميلاده فى الـ٢٠ من أغسطس من كل عام لنشعل النور بشموع ميلاده شوق وحنان ومحبة.
روبير الفارس
سليمان شفيق يكتب: فرج فودة لم يكن أول الشهداء ولن يكون آخرهم
كرمت من مؤسسات عديدة ولكني لن أنسي وأفخر بتكريمي من جمعية التنوير التي أسسها فرج فودة، قدمني يومها المهندس إسحق حنا قائلا: نكرم اليوم أحد رفقاء فرج فودة في رحلة التنوير فكرا وجمعية، حيث كان سليمان شفيق أحد مؤسسيها مع الشهيد، وما زالت تلك الكلمات تذكرني باللقاء الأول مع الشهيد ١٩٨٦ في مكتبه في جلسة امتدت لأربع ساعات لم أفارقه بعدها حتي اليوم السابق لاستشهاده.
وما زال فكر الإرهاب يعشش ودماء الشهداء تسيل.. تحل علينا الآن ذكرى اغتيال الشهيد فرج فودة ولم يكن فودة أول الشهداء ولا آخرهم، وما زال الإرهاب يعمل فكرا وسلاحا. فرج فودة (٢٠ أغسطس ١٩٤٥-٨ يونيو ١٩٩٢) كاتب ومفكر مصري، ولد في مدينة الزرقا بمحافظة دمياط في مصر. أغتيل على يد الجماعة الإسلامية في ٨ يونيو ١٩٩٢ في القاهرة. كما كانت له كتابات في مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار المصريتين. ولد فرج فودة في قرية الزرقا بالقرب من مدينة دمياط في ٢٠ أغسطس ١٩٤٥. التحق فرج فودة في الستينيات بكلية الزراعة وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد الزراعي في يونيو ١٩٦٧ من جامعة عين شمس. وفي الشهر نفسه، أستشهد شقيقه الملازم محيي الدين فودة والذي كان يصغره بعام واحد- في حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من تخرجت في الكلية الحربية، ولم يتم العثور على جثمانه. وشارك فرج فودة في مظاهرات الطلبة الغاضبة عام ١٩٦٨ واعتقل لعدة أيام في عهد الرئيس جمال عبدالناصر. شارك في تأسيس حزب الوفد الجديد، ثم استقال منه وذلك لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين لخوض انتخابات مجلس الشعب المصري العام ١٩٨٤، ثم حاول تأسيس حزب باسم "حزب المستقبل" وكان ينتظر الموافقة من لجنة شئون الأحزاب التابعة لمجلس الشوري المصري. أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمدينة نصر، وهي التي اغتيل أمامها أثارت كتابات د. فرج فودة جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت؛ فقد طالب بفصل الدين عن السياسة والدولة وليس عن المجتمع، كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شئون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في ١٩٩٢ بجريدة النور بيانًا بكفره. وبالرغم من منهجه الفكري المناقض لسياسات الرئيس عبد الناصر، ورفضه لممارسات التعذيب التي اتسم بها عصره، إلا أنه رفض أن يعزى عنف الجماعات الإسلامية المسلحة إلى التعذيب والقمع اللذين نالهما خلال ذلك العصر. فهو يشدد على أن عنف هذه الجماعات الموجه إلى المدنيين المصريين قد نشأ على يد التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين في الأربعينيات قبل عصر عبدالناصر، ودون سابق تعذيب أو قمع، مما جعله يؤمن بأن استخدام العنف نابع من فكر هذه الجماعات في الأساس. نقترب من ثمانين عاما من الإرهاب الشعب هو السبب الوحيد للصمود فى وجه الإرهاب، وهو الذى يضحى بأبنائه فى القوات المسلحة والشرطة والمدنيين العزل شهداء وجرحى فى مواجهة الإرهاب وبارونات الإعلام لا يبالون إلا بالمكاسب والإعلانات الجميع يعرف أن الإرهاب يبدأ فكرا، وأن كتابات مشايخ التطرف تقطر سما وتسببت في قتل فرج فودة وآخرين، وما زالت تنشر على المواقع المختلفة، كما أنهم قد هيمنوا طوال أكثر من نصف قرن على المنابر والشاشات بشكل معلن يفتون ويعلمون فنون التكفير والإرهاب، وللأسف لا يقترب منهم أحد من الحكم ولو بالعتاب، بل على العكس يرحب بهم فى كافة مناحى الحياة ويلقون كل تبجيل من البعض. كما أن الحلول معروفة منذ تقرير لجنة جمال العطيفى لتقصى الحقائق منذ أحداث الخانكة ١٩٧٢ وحتى التقارير التى نشرت بعد فض البؤر الإجرامية فى رابعة والنهضة ٢٠١٣، مرورا بمقتل الشهيد فرج فودة ١٩٩٣، ومحاولات اغتيال مكرم محمد أحمد ووزراء الداخلية حسن الألفى وشيخ العرب عبدالحليم موسى ورئيس الوزراء عاطف صدقى، ورئيس مجلس الشعب، رفعت المحجوب، وحوالى ألف مواطن، ولكن الحكم السابق فى مصر تعود على المصالحات والتواطؤ مع القتلة، ونذكر بأن الحكم الناصرى تواطأ مع الإخوان بعدم حل الجماعة ١٩٥٤ ثم الإفراج عنهم والمصالحة معهم ١٩٦٠، وبالتأكيد إن كان الرئيس السادات قد شرعن لتواجد الجماعة غير المشروع على هامش المجتمع المدنى، فإن عصر الرئيس السابق مبارك قد أدى لتمكين الجماعة سياسيا عن طريق عقد الصفقات المتبادلة بين النظام والجماعة مثل صفقة دخول ٨٨ عضوا من جماعة الإخوان فى البرلمان المصرى ٢٠٠٥، التى اعترف بها قيادات جماعة الإخوان فى أكثر من حوار معلن. وعلى الصعيد الاقتصادى ووفق قضايا غسيل الأموال فقط، بلغت الأموال المغسولة حوالى مليار ونصف المليار تقريبا، ووفق بعض التقديرات سيطر الإخوان على ٪٥٥ من تجارة العملة و٪٢١ من تجارة التجزئة، وعلى صعيد المجتمع الأهلى ارتفعت نسبة الجمعيات والمؤسسات الأهلية الإخوانية فى ثمانينات القرن الماضي من ٪٢ إلى ٪١٢ من العدد الكلى للجمعيات فى مصر علما بأن الجمعيات الإسلامية وفق تقديرات التضامن الاجتماعى ٪٢١، والمسيحية ٪٩، علما بأن القانون لا يسمح بالعمل فى الدين أو فى السياسة! ويضاف إلى ذلك أن الجمعيات الدينية الإسلامية حصلت على أكثر من ٪٢٨ من التمويلات الأجنبية الممنوحة للجمعيات فى التسعينيات من القرن الماضى وفق مصادر للباحث، وهكذا يمكن القول بأن العصر الذهبى للإخوان كان بدأ في ثمانينات القرن الماضي، أو يمكن القول أن الإخوان فى تلك الفترة نجحوا فى "أسلمة" المجتمع وتديينه بما فى ذلك الحزب الوطنى الحاكم، وكان نظام السادات ومن بعده نظام مبارك قد أضعفا المعارضة غير الدينية عبر عدة أحزاب كرتونية شكلية، وحطم البنى التنظيمية لباقى فصائل الإسلام السياسى، الأمر الذى أدى لتفرد الجماعة ككيان منظم مؤهل للتحالف مع أى سلطة للاستيلاء على الحكم، وهذا ما حدث بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. والسادات تحالف معهم منذ ١٩٧٤ ووضع لهم الأساس الدستورى فى المادة الثانية، ومبارك تصالح مع الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد بما عرف بالمراجعات منذ ١٩٩٧ بعد مذبحة الأقصر ثم مرة أخرى بصفقة (العادلى عاكف ٢٠٠٥)، وفى ٣ يوليو ٢٠١٣ اضطر النظام للوقوف مع قادة السلفيين ليحتفظ بهم ضد الإخوان بعد أن التحقوا بمعسكر ٣٠ يوليو فى انتهازية مفرطة.. رغم أن قواعدهم كانت فى الاعتصامات الإجرامية وما زالت تتطوع للقتل باسم الدين وفتاوى وتعليم قادتهم. كل ذلك يجعلنا احتراما لدم الشهداء نؤكد أننا نقدم أبناء القوات المسلحة والشرطة قربانا وأضحية لنظرية خائبة استمرت من ١٩٥٤ وهى أن الأنظمة المختلفة كانت تخشى من الاتهام بمحاربة الإسلام، رغم أن الدين الإسلامى وفق وسطيته وإعلانات الأزهر الشريف المتتالية يتبرأ من هؤلاء القتلة، حدث ذلك فى حين أن جمال عبدالناصر تعرض لمحاولة اغتيال والسادات استشهد برصاص الإرهاب فى وسط الجيش، ولا نخفى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى (حفظه الله) مستهدف قولا وفعلا من هؤلاء القتلة إننا أمام عقدة تاريخية منذ ١٩٢٨ واجهت كل الأنظمة، فى العصر الليبرالى تحالف صدقى باشا وحكومات الأقليات والملك فاروق مع الإخوان والفاشيين ضد حزب الوفد فتم دفع ثمن باهظ من مقتل الخازندار للنقراشى، وكاد ناصر أن يدفع حياته، ودفع السادات حياته، وتعرض الآلاف من أبناء الوطن من المدنيين العزل والأقباط وأبناء القوات المسلحة والشرطة للقتل على الهوية، والرئيس عبدالفتاح السيسى «بح صوته» من المطالبة بتجديد الخطاب الدينى ولا مجيب، وليس أمامنا سوى التصدى بالقانون لمشايخ التحريض والتكفير، وأعمال العقل والمنطق دفاعا عن الوطن والشعب، ماذا تبقى وإلى متى تنتظرون؟ هل تنتظرون عودتهم بالتواطؤ مثلما حدث بعد ٢٥ يناير ٢٠١١؟ لكنى أؤكد لكم أن دماء شهداء الواحات تفوح منها رائحة الخيانة، وأنات الجرحى تصم آذاننا وتفضح التواطؤ، وبكاء الأرامل واليتامى يدفعنا للمطالبة بسرعة الحساب قبل فوات الأوان.
في ذكرى اغتيال الكاتب فرج فودة على أيدى متطرفين فى القاهرة، وهو الحدث الذى كان مفصليا فارقا فى ١٩٩٢حيث بدأت فصوله الأولى بمشاركة فرج فودة فى مناظرة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى ٧ يناير ١٩٩٢ تحت عنوان: مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية، وكان فرج فودة ضمن أنصار الدولة المدنية مع الدكتور محمد أحمد خلف الله، بينما جلس على الجانب المقابل الشيخ محمد الغزالى، والمستشار مأمون الهضيبى مرشد الإخوان آنذاك، والدكتور محمد عمارة، وحضر المناظرة نحو ٢٠ ألف شخص.
وبعد تلك المناظرة حضر فودة، مناظرة أخرى فى نقابة المهندسين فى ٢٧ يناير حضرها ٤ آلاف شخص، ونظمتها اللجنة الثقافية بنقابة المهندسين بالإسكندرية، حملت عنوان "مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية"، وشارك فى هذه المناظرة، الدكتور فؤاد زكريا، رئيس قسم الفلسفة بجامعة عين شمس، والدكتور فرج فودة، ومن جانب التيارات الدينية الدكتور محمد عمارة، عضو مجلس الحقوق بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والدكتور محمد سليم العوا أستاذ القانون المقارن.
وكانت آراء "فودة" فى المناظرتين حول الدولة المدنية والدولة الدينية سببا فى إصدار فقهاء التطرف فتاوى بقتله، هو ما حدث فى ٨ يونيو ١٩٩٢ قبيل أيام من عيد الأضحى، حيث انتظره شابان من الجماعة الإسلامية، هما أشرف سعيد إبراهيم وعبدالشافى أحمد رمضان، وأطلقا عليه الرصاص.
فى هذا اليوم أغلق الدكتور فرج فودة باب مكتبه بالطابق الأول من العقار رقم ٢ بشارع أسماء فهمى فى مصر الجديدة، متجهًا نحو سيارته وعن يمينه ابنه "أحمد"، وعن يساره صديقه "وحيد"، ومشى فى ممر يبلغ طوله نحو ١٠ أمتار من باب المكتب إلى باب السيارة مرورًا من "بوابة العقار" الواسعة الحديدية السوداء، وفى تمام السادسة والنصف مساءً، أطلق عليه الرصاص وسقط فودة فى دمائه، وانطلق السائق وأمين شرطة كانا متواجدين بالمنطقة، وقبضا على أحد المتهمين.
تم نقل فودة إلى المستشفى وظل ٦ ساعات بالمستشفى فى محاولة لإنقاذه، لكنه توفى، وزاره فى هذه الساعات الفنان عادل إمام الذى كانت تربطه علاقة قوية بفودة، حيث كان يعتبره رمزا تنويريا كبيرا، لكن فودة توفى ولم تفلح محاولات الإنقاذ.
يذكر أن فرج فودة ولد فى قرية الزرقا بالقرب من مدينة دمياط فى ٢٠ أغسطس ١٩٤٥ والتحق فرج فودة فى الستينيات بكلية الزراعة وحصل على شهادة البكالوريوس فى الاقتصاد الزراعى فى يونيو ١٩٦٧ من جامعة عين شمس، وفى الشهر نفسه، استشهد شقيقه الملازم محيى الدين فودة والذى كان يصغره بعام واحد فى حرب ٥ يونيو ١٩٦٧، وشارك فرج فودة فى مظاهرات الطلبة الغاضبة عام ١٩٦٨ واعتقل لعدة أيام فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
رحم الله فرج فودة وكل شهدائنا.
أسامة ريان يكتب: خفة دم «فرج فودة».. هل هى جريرته؟
سؤال لطالما يؤرق كثيرين: هل من الضروري أن يكون المتحدث في الأمور العقيدية متجهمًا طوال الوقت؟ (مع الأخذ في الاعتبار "ولو كنت فظًا غليظ... "الآية الكريمة). ولو اضطر هذا المُتحدث لِسَوْق أمثلة توضيحية تكتسب مِسحة من فَكاهة –وحسب برجسون فإن الضحك من أهم علامات الإنسانية وكذلك الذكاء- والمتحدث هنا في منحى تعليمي، يعمق فكرة معينة لدى المتلقي. هل هذا المنحى يضر بمسألة الدعوة إلى طريق سواء واع؟ فيكون رد الفعل هو بالضرورة دموي؟
أذكر حديثًا دار مع أصدقاء عقب تلك المناظرة لعاصفة في معرض الكتاب - والغريب أن أعقبها اغتيال الرجل – لأنه بما أوتي من لباقة وعلم الأستاذ الجامعي، مع خفة دم الخبرات الموسوعية، استطاع استمالة الحضور بأمثلة لطيفة منطقية، لا تمس من قريب أو بعيد شخصيات نقدس ذكراهم وأعمالهم، لكنه كان مضطرًا لتوضيح الصورة للمتلقي إلى استدعاء أمثلة، على طريقة العصف الذهني، الذي نتباهى دائمًا بأننا من معتنقيه –وهو مِنّا براء- ونتبع المناهج الحديثة (جون ستيوارت مِل) في فهم وتفسير ما نعتقد، ويؤكد هذا د. حسن حنفي في مجلداته الثلاثة الأخيرة (صادرة عن هيئة الكتاب المصرية). فكان أن ضرب الشهيد د. فرج فودة مثالًا، في السياق حول وسائل الانتقال من دواب، كانت ميسرة في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، لكنه تساءل –كعصف ذهني- "ماذا لو" كانوا يحيون معنا في زمننا؟
وهنا طرق إلى وسائل مواصلاتنا الحالية، مع إضافات حول ماركات هذه الوسائل قياسًا على إمكانيات تتراوح بين فقر وغنى، وأواسط الناس.. فضجت القاعة بضحك لا يعني إلا عمق الفهم وتمكن الشهيد من توصيل الفكرة مع منطقه القياسي حول فقه الزمان والمكان، حتى أنه استمال شباب الحضور بالذات ومنهم متعصبون أصلا، وهذا ما أقلق أصحاب اليقين على المنصة، مع خفوت أصوات تابعيهم في القاعة.
وأحسب أن د. فرج قد خرج منتصرًا في هذا اللقاء، وتردد فيما بعد أن أحدهم قال –حسب الصحف- ربنا ياخده.. فكان ما نعرفه من نهاية مفزعة، رحمه الله.
أسامة سلامة يكتب: كنت حاضرًا فى المناظرة القاتلة
د. محمد عمارة تحول من مدير للمناظرة إلي خصم لفرج فودة واضطر سمير سرحان أن يديرها بدلا عنه.
أحرج فودة المواجهين له ولم يستطع ثلاثتهم الرد على ما طرحه من أفكار وما وجهه إليهم من أسئلة رغم مرور أكثر من ٣٠ عاما علي استضافة معرض القاهرة الدولي للكتاب لندوة من أهم الندوات فى تاريخه، وهي مناظرة بعنوان «مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية»، ما زلت أذكر تفاصيلها وكأنها عقدت بالأمس، كان ممثلا دعاة الدولة الدينية الشيخ محمد الغزالى والمستشار مأمون الهضيبى نائب مرشد الإخوان فى ذلك الوقت ومرشد الجماعة بعدها بسنوات، فى مواجهة الدكتور محمد أحمد خلف الله والدكتور فرج فودة مدافعين عن الدولة المدنية، وحسب «البريشورات» التى طبعها المشرفون على المعرض للإعلان عما تحتويه فعالياته كان من المفترض أن يدير المناظرة الدكتور محمد عمارة، ولكن الأخير عندما رأى القاعة وقد امتلأت بأصحاب اللحى الطويلة الذين احتلوها مبكرا وهم يكبرون ويهللون؛ طلب أن يكون فى جانب المتحدثين لصالح الدولة الدينية، ولم يجد الدكتور سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب والمشرف على المعرض وقتها حلا سوى أن يدير هو المناظرة التى أصبحت ثلاثة ضد اثنين على عكس المفترض فى مثل هذه المناظرات التى تتطلب التساوى بين الجانبين، وقد استطعت فى هذا اليوم أن أجد لنفسى موطئ قدم فى القاعة فى حين ظل المئات من أنصار الدولة المدنية يستمعون إلى المناظرة عبر الميكروفونات خارج القاعة، ولهذا شاهدت وسمعت وتابعت ما حدث عن قرب، لم يقدم الهضيبى وعمارة أى أفكار سوى كلمات عاطفية وشعارات رنانة، بينما كان الغزالى أكثر دراسة للفكرة فى كلامه، وفى المقابل كان كلام الدكتور خلف الله غير مؤثر على المستمعين ربما لأنه أكاديمى أكثر، فى حين أحرج فودة المواجهين له ولم يستطع ثلاثتهم الرد على ما طرحه من أفكار وما وجهه إليهم من أسئلة، وكان من أهم ما قاله أى دولة دينية تريدون؟ وقد كانت الخلافة الأموية وبعدها العباسية مليئة بالمظالم والقتل من أجل الحكم والأمثلة على ذلك كثيرة، واستشهد بما قاله الشيخ الغزالى نفسه فى كتابات سابقة بأنه بعد الخلفاء الراشدين لم تكن الخلافة راشدة، وسألهم أيضًا: لدينا تجارب لتطبيق الشريعة والحكم الإسلامى حولنا فى الخليج وإيران والسودان خلال حكم النميرى فهل أنتم راضون عنها؟ وما هى التجربة التى تريدون أن نكون مثلها؟ وقال كذلك: إن أى حكم لا بد أن يكون لديه برنامج تفصيلي للحكم ولحل المشكلات التى تواجه البلاد وأنتم ليس لديكم برنامج فكيف تحكمون؟ وهو الأمر الذى اعترف به الهضيبى فى رده داعيًا فودة لوضع البرنامج باعتباره مسلمًا، ورد الأخير بأن لديه برنامجًا بالفعل لحزب المستقبل الذى يريد إنشاءه وسيمنحه له بعد المناظرة مما أحرج الهضيبى بعد أن ارتد إليه سهمه، وحاول الثلاثة التملص بقولهم: إن الحكم فى الخلافة بعد الخلفاء الراشدين وتجارب الدول الثلاث ليس حجة على الإسلام، وإنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية كما جاءت فى القرآن، وأن الاشتراكية والرأسمالية لهما عيوبهما وأخطاؤهما فلماذا لا نجرب الحكم الإسلامى؟ ورد فودة بأنه من يضمن إلا يكون الحكم أيضًا غير رشيد، وأضاف أنه يقبل أن تهان الاشتراكية والرأسمالية ولكن الإسلام أعز عنده من أن يهان مطالبًا بتنزيه الإسلام من الأغراض السياسية لأنه دين عظيم، وقال إن هناك فصيلًا يريد الحكم الدينى ويمارس الإرهاب والقتل باسم الإسلام، وتساءل: يقومون بهذه الأفعال وهم ليسوا حكامًا فماذا سيفعلون بالناس إذا اعتلوا الحكم؟
انتهت المناظرة وكل طرف فى موقعه، ورغم تهليل القاعة لأصحاب الدولة الدينية إلا أنه بدا أنهم مهزومون وحجتهم ضعيفة وغير قادرين على مواجهة أفكار فودة، بعدها بشهور قليلة تم اغتياله أمام منزله على يد إرهابى اعترف فى التحقيقات أنه لم يقرأ لفودة ولكن صدرت فتوى باعتباره كافرًا ومرتدًا عن الإسلام، فقام بتنفيذ التعليمات.. مرت ثلاثون عامًا على المناظرة وعلى حادث الاغتيال، وما زالت الجريمة مستمرة على يد الإرهابيين الذين يغتالون كل من يقف فى وجههم ويفند أفكارهم ويكشف تفاهتها، ويكفرون من يخالفهم وينصبون محاكم التفتيش لمن لا يرضون عنه، رحم الله الدكتور فرج فودة وجزاه خيرًا عن دفاعه عن صحيح الإسلام.