الثلاثاء 24 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شـواطئ.. السياسة الدولية وخفايا العلاقات المصرية الألمانية (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتابع دكتور وجيه عبد الصادق عتيق فى كتاب "السياسة الدولية وخفايا العلاقات المصرية الألمانية" والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو فى الأصل أطروحته للدكتوراه باشراف من البروفسيور ألكسندر شولش Prof.Dr.Alexander Schoelch والتى يبحث من خلالها الجانب السياسى للعلاقات المصرية الألمانية خلال الفترة من 1952 إلى 1965 بقوله: وكان العداء بين مصر والقوى الغربية الكبرى قد بلغ أقصى درجاته عام 1956 وأصبح عبد الناصر العدو الأول لكل من إنجلترا وفرنسا، فهو يهدد مصالحهم تهديدًا خطيرًا فى جميع أنحاء العالم العربى والشرق الأوسط، حيث تمكن بمقدرة فائقة من إفشال مخططات الغرب كافة لربط الشرق الأوسط فى منظومة أحلافه العسكرية وسياسته الاستراتيجية. كما تمكن عبد الناصر من إحياء روح المقاومة الوطنية ضد جميع أشكال الوجود الاستعمارى فى منطقة الشرق الأوسط، مما ساعد على سرعة القضاء على الإمبراطورية البريطانية وأنذر بإخراج فرنسا من الجزائر.. وبإشعال ثورة الجزائر وتأميم قناة السويس أصبح القضاء على عبد الناصر أمرًا ضروريًا فى نظر كل من الحكومة الفرنسية والبريطانية، وبدأ هذا يأخذ شكلا عمليًا فى الخطط الفرنسية والبريطانية، وبمباركة أمريكية سرية ومشروطة بأن تكون العملية ضد عبد الناصر خاطفة وحاسمة. وانضمت إسرائيل إلى المؤامرة، وتطلب للخطط الفرنسية والبريطانية فى الهجوم على مصر أن تقوم فرنسا وإنجلترا بتقديم مختلف أشكال المساعدات العسكرية وبعملية نقل ومن دون حساب للمعدات الحربية الحديثة إلى إسرائيل، لضمان نجاح دورها فى المؤامرة والذى تلخص فى اختراق الجيش المصرى فى سيناء ووصول طلاع القوات الإسرائيلية بأقصى سرعة إلى قناة السويس. وبذلك استغلت إسرائيل حدة العداء بين مصر من جانب وإنجلترا وفرنسا من جانب آخر، وهذا تؤكده تطورات الأحداث فى عام 1956. 

يمكن لنا اعتبار عام 1957 عامًا انتقاليا فى مسار الدعم الغربى لإسرائيل، ففى ذلك العام وجدت إسرائيل نفسها عائدة مرة أخرى إلى الاستفادة الكاملة من الدور الألمانى الغربى فى الحصول على إمدادات السلاح.. وفى هذه المره برز الدور الألمانى بشكل أوضح وبثقل أكبر فى تسليح إسرائيل على التوالى بأحدث المعدات العسكرية. ومن أسباب العودة لبعث الدور الألمانى من جديد هو أنه بنهاية العدوان الثلاثى على مصر انخفضت إمدادات السلاح الفرنسى والإنجليزى بشكل للجيش الإسرائيلى، وكانت إحدى نتائج فشل العداون على المستوى السياسى والإعلامى، فكان على إسرائيل أن تعثر على مصدر جديد وبديل لفرنسا وإنجلترا لتعتمد عليه فى المحافظة على تفوقها العسكرى على الدول العربية.. ومن هنا شهد عام 1957 تحولًا إسرائيليا نحو الاعتماد على إمدادات الأسلحة الأمريكية، إلا أن العقبة التى ظلت تواجه إسرائيل هى أنها لا تستطيع الحصول من ذلك المصدر على نحو مباشر، بسبب عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى الظهور أمام العالم بمظهر الدولة التى تشجع العدوان على مصر، وخاصة بعد الحملة الدولية لإجبار الجيش الإسرائيلى على الإنسحاب من سيناء.. وفى الحقيقة، فمنذ أن امتلكت الولايات المتحدة الأمريكية زمام المعسكر الغربى أو ما قيل عنه بعد الحرب العالمية الثانية أنه المعسكر الديمقراطى كمفهوم أشمل يضم قوى أخرى غير غربية، وبعد أن تأكدت هذه الزعامة على النطاق الدولى بشكل خاص بعد انحسار الاستعمار والنفوذ البريطانى والفرنسى الذى دب فيه الضعف والانحلال السريع بعد مغامرة السويس، حاولت الإدارة الأمريكية أن تبدو أمام بلدان العالم الثالث بالدولة المدافعة عن استقلالها والمناصرة لقضاياها وحقوقها داخل وخارج الأمم المتحدة، وتبدو أيضا فى صورة الدولة الداعية للحرية والديمقراطية ضد النظم الشمولية والشيوعية منها على وجه الخصوص، كما حاولت نسج خصائص وسمات جديدة حول الشخصية الأمريكية تختلف عن شخصية البريطانى أو الفرنسى الاستعمارية الكريهة فى نظر أغلب شعوب العالم الثالث، ومن هنا أرادت الإدارة الأمريكية،  حفاظًا منها على مصداقيتها الدولية ولجذب الدول إلى فلكها، أن تبتعد عن كل ما قد يضر بهذه المصداقية خلال تلك الفترة..

من ناحية أخرى، حرصت إسرائيل على أن تتوجه – مع تحول ميزان القوى – نحو الولايات المتحدة الأمريكية وتوجه نفسها نحو الارتباط بالزعامة الجديدة، فالالتصاق بالأقوى من أولويات السياسة الإسرائيلية دائمًا. وكان على إسرائيل أن تمر بمرحلة انتقالية تتلقى فيها الأسلحة الأمريكية بالطرق غير المباشرة بواسطة ألمانيا الأتحادية، حين تحين فرصة الحصول على الدعم العسكرى المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية. 

وكان منفذو السياسة الإسرائيلية قد وضعوا فى حسبانهم أن عدم وجود علاقات دبلوماسية لهم مع ألمانيا الاتحادية، سيخدم الطرفين فى تحقيق التغطية اللازمة لإنجاح الدور الألمانى فى دعم إسرائيل عسكريا، فعدم تبادل الاعتراف العلنى الكامل وعدم تبادل السفراء بين الجانبين ساعد بالفعل على إمداد قنوات الدعم بحرية كاملة وبنجاح مثير من تحت السطح، على حد وصف أحد العارفين بالسياسة الألمانية الخارجية فى ذلك الوقت. كما اعترف شيمون بيريز Schimon Peres عام 1965 فى حديث له لإحدى كبرى المجلات الألمانية، بأن إسرائيل تمكنت منذ عام 1958 من الحصول على السلاح الأمريكى بمساعدة قوية من جانب الحكومة الألمانية، وقد تدفقت صفقات هذا السلاح على إسرائيل بواسطة ألمانيا الاتحادية من دون الحاجة لوجود الاعتراف الدبلوماسى بينهما. فأهمية السلاح لإسرائيل تفوق أهمية وجود سفير ألمانى فى تل أبيب على حد قول بيريز، الذى قام بالدور الأول فى عقد ومتابعة الصفقات السرية للسلاح مع الجانب الألمانى والأمريكى. 

وللحديث بقية