أهمية التعليم في مصر خاصة والعالم عامة لا يستطيع أن ينكرها عاقل، فما تقدَّمت أُمَّة إلا باهتمامها بالتعليم وتطويره وبذل الغالي والنفيس في سبيل إخراج جيل قادر على دَفْع عجلة التنمية، والنهوض بوطنه، وجعله في مصاف الدول المتقدمة الراقية.. جيل قادر على تحمُّل المسئولية للذَّوْد عنها ضد كل مَن تُسوِّل له نفسُه أن يفكر في النَّيل منها، والدفع بوطنه نحو الأمام، فقوة الدول تُقاس بقوة علمائها ومُفكريها وأدبائها ومثقفيها ومبدعيها.
نظرة إلى التعليم في مصر
التعليم في مصر –وأقصد التعليم الحكومي العام- يعتمد على التلقين والحِفظ، ويُحكم على مستوى الطلبة بمقدار حفظهم وتحصيلهم للمادة الدراسية التي يتلقونها، لا سيما بعض المواد التي تحتاج إلى «ميكس» بين الحفظ والفهم.
تعليم اللغة العربية في مصر
لكي تدرس اللغة العربية فأنت محتاج إلى حفظ قواعد النحو والصرف والنصوص الشعرية، وحفظ المعاني ومظاهر الجمال والصور البيانية والبلاغية، ثم نأتي إلى القراءة المتعددة فنحتاج إلى حفظ معاني الكلمات، وصولا إلى الأدب العربي، يجب أن نحفظ متى بدأت المدارس الأدبية وتاريخها وكيف نشأت، ومَن أثَّر فيها، ومَن تأثر بها، وأهم قصائدهم، وأهم نثرياتهم.. ومَن.. ومَن؟ كل هذا جميل، لكن طريقة تدريسه بشكل تلقيني هي «بيت الداء» كما يقولون. ثم نأتي إلى الرياضيات التي يحتاج تعلُّمها في البداية إلى حفظ جدول الضرب، وذلك يكون بالذوق تارةً أو بـ«الضرب» بالعصا إن تطلب الأمر ذلك! ثم نذهب إلى الكيمياء.. يجب على الطالب حِفظ المعادلات أولا، ومن لم يحفظ لن ينجح، ولن يكون من المميزين، والفيزياء أيضًا بها قوانين يُطالب الدارس بحفظها أولًا مع تشغيل الذهن قليلًا، ولكن لا يكون هذا إلا بعد حفظ القوانين المقررة.
كل هذا ليس عيبًا في المواد الدراسية التي تُدرَّس، وليس العيب -في نظري- ناتجًا عن الحِفظ، فالحفظ مطلوب ولكن مع إعمال العقل، والتطبيق العملي مع الدارسة النظرية، وتبسيط طريقة العَرْض.
كيف يمكن إصلاح التعليم في مصر؟
أعلم أن هناك أساتذة ومتخصصين سبقوني إلى هذا الأمر، لكنها محاولة مني لإضاءة شمعة بدلًا من لعن الظلام؛ فأنا على قناعة أن النقد الهدَّام لا يأتي بخير، وأن الأفضل هو عَرْض الحلول بدلًا من العويل.
إصلاح التعليم في مصر يبدأ من المدرسة
يبدأ الحل من «المدرسة» بما حوَت؛ أبنية، وأفنية، ومعامل، ومطاعم، وعلى رأس كل هذا المُعلِّم.
لكي نحقق نهضة في هذا الملف المهم يجب أن يحب الطلاب المدرسة، وهذا لن يحدث بين ليلة وضحاها، فالموضوع يحتاج إلى وقت، ولكن البداية يجب أن تكون سريعة، فلنبدأ من الآن.
انظر كيف يكون شعور الأطفال عند خروجهم للتنزه والترفيه أيام العطلات والإجازات؟ لا شك أنه شعور رائع، جرِّب واعتذر لأبنائك عن عدم التنزه في عطلتهم الأسبوعية، كيف سيكون رد فعلهم؟ لا شك أنهم سيغضبون غضبًا شديدًا! قِسْ على ذلك لو أنك قلت لهم يومًا ما: لا تذهبوا إلى المدرسة اليوم؟ هل سيغضبون أو أن السرور سيغمرهم للتخلص من عبء يوم ثقيل على قلوبهم؟!!
إذا أحب الطلاب المدرسة فنحن إذن على بداية الطريق الصحيح، ولكن كيف يتحقق ذلك؟
نحتاج إلى بعض الأفكار خارج الصندوق، فبإمكان رجال الأعمال المخلصين وأولياء الأمور الميسورين أن يشاركوا في هذا (طواعيةً) بإنشاء ملاعب رياضية في المدارس، لإقامة دورات ومسابقات يحضرها مسئول رياضي وخبراء رياضيون لانتقاء المتميزين والموهوبين رياضيًّا عسى أن يَخرُج من بينهم «صلاح» جديد.
لماذا يلجأ الطلبة إلى السناتر ويتركون المدرسة؟
إجابتي عن هذا السؤال تتلخص في كلمتين «طريقة العَرْض»، فلكل مرحلة طريقتها التي تناسبها، فطالب الابتدائي يحتاج إلى أسلوب تشويقي مُبسِّط باستخدام الصور والفيديوهات التعليمية الجاذبة التي تجعله يتمنى ألا ينتهي اليوم الدراسي، وطالب المرحلة الثانوية يحتاج إلى مَن يُصاحبه ويشعره بأنه خائف عليه وعلى مستقبله.
إنني لن أشير إلى سلبيات المُعلِّم في مدارسنا الرسمية، فالكل يعلمها، يدخل بعض المعلمين وبدلا من البدء في شرح مادته التي يتقاضى عليها أموالًا -قلَّت أو كثُرت- نراه يتحدث عن مَن سيفوز معي بدرجات أعمال السنة؟ إشارة منه إلى أن مَن «ليس معي فهو ضدي، ولا حق له عندي»!! أترون مثل هذا المعلم هل يقود العملية التعليمية إلى أي نهضة؟!! إن الطلبة يرون هؤلاء المعلمين تُجارًا.. ليسوا تجارًا عاديين، ولكن تجار بشر يجب تقويمهم فورًا.
لكن هذا لا يمنع من وجود أساتذة متميزين أصحاب ضمير وخُلق يحتاجون فقط إلى تهيئة البيئة والمناخ المناسب للعمل.
إن مصر الحبيبة غنية بأبنائها إذا استُغلوا، فقدراتهم فائقة، لكنهم مثل المعادن الثمينة تحتاج إلى مَن يُنقِّب عنها، ويُزيل عنها الغُبار، ويُخرِجها للنور.. فلنبدأ الآن وليكن شعارُنا «أضئ شمعة بدلًا من أن تلعن الظلام».