الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

أساطير الغرب عن الأقباط فى كتاب جديد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 المترجم الدكتور مجدى جرجس: الكتاب يحكى قصة محاولات استكشاف الغربيين للقبط وكنيستهم  كاهن يصنع من «دودة السمندل» جلدا لا يحترق

منذ القرن الرابع الميلادى لم تنقطع زيارات الحجاج الغربيين للأراضى المقدسة مرورًا بمصر. وذلك على الرغم من هذه القطيعة بين الكنيسة القبطية والغرب، فقد صارت مصر محطة مهمة فى طريق الحجاج الغربيين إلى القدس، فمصر المباركة  مسرحًا لبعض أحداث الكتاب المقدس، وبخاصة رحلة العائلة المقدسة.

كذلك حظى دير سانت كاترين بسيناء بمكانة مهمة فى رحلة الحجاج. وكانت كتابات بعض هؤلاء الحجاج، رغم قلتها قبل القرن الثانى عشر، تمثل القوام الرئيسى لمعارف الغرب حول القبط، ولكنها معرفة غائمة غير دقيقة.

وكشف كتاب القبط والغرب (١٤٣٩-١٨٢٢م) الأوروبيون واكتشاف الكنيسة القبطية الصادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة من تاليف “ اليستر هاميلتون “ وترجمة الاستاذ الدكتور  مجدى جرجس ان عدد الحجاج الغربيين إلى مصر قد ازداد فى القرن الثانى عشر، حيث ساد فى ذلك القرن اعتقاد فى الغرب بأن زيارة بعض الأماكن المقدسة تكفر عن الذنوب، وهو ما شكل حافزا إضافيا لزيارة كنائس القاهرة التى ارتبطت بالعائلة المقدسة.

وترسخ اعتقاد لدى الحجاج بأن زيارة كنيسة القديسة بربارة بمصر القديمة تكفر عن سبع سنوات (خطايا) فى حين أن زيارة كنيسة المعلقة بمصر القديمة تكفر عن ذنوب سبع سنوات وسبعة أيام.!! كان اهتمام الحجاج منصبًا على الأماكن المقدسة، وليس على القبط، لم يكن القبط سوى حراس لهذه الأماكن.  لذا لم يهتم الحجاج بمعرفة القبط أو حتى الحديث عنهم.

أساطير المعونة الإلهية 

ويقول الدكتور مجدى خلال الحروب الصليبية، جاء الغربيون إلى الشرق مباشرة، وصار الغرب يتابع عن كثب أخبار الشرق، وزاد الاهتمام فى الغرب لمعرفة الشرق، كذلك بدأ التفكير فى كيفية الحصول على تعضيد معنوي، على الأقل، للحملات الصليبية من الشرق.

وانتشرت قصص دعائية صاحبت حملات جنود الرب، تروج لأساطير حول المعونة الإلهية، وجيوش أخرى للرب فى الشرق، تنتظر إخوانهم مؤمنى الغرب لنصرتهم ومساعدتهم فى مسعاهم لدحر الإسلام والمسلمين. وفى هذا السبيل اختلقوا، أو توهموا، صورًا عن مسيحى الشرق، غير هؤلاء الذين قابلوهم وحاربوهم.

جلد لا يحترق

ومن بين أشهر هذه القصص التى ارتبطت بالحروب الصليبية قصة "يوحنا الكاهن حاكم بلاد الهند الثلاثة"، ذلك الحاكم الذى يسيطر على مساحة شاسعة من البلاد تمتد من بلاد الرافدين إلى الهند، "تفيض أرضه لبنًا وعسلًا"، وأنهار من الذهب، وتتمتع بلاده بالثروات الطبيعية وكنوز من الجواهر والمعادن النفيسة، وأن لديه مقتنيات سحرية هائلة.

وتعج بلاده بأعراق وأجناس بشرية عجيبة، ورد ذكرهم فى أخبار الأولين. كما توجد بأراضيه كل الوحوش البرية، والتى تنصاع لأوامره ورغباته، منها نوع من النمل المتوحش، ودودة السمندل التى لا تحرقها النار، ويصنع يوحنا لنفسه رداء من جلدها لا يحترق. 

الحبشة هندية؟

ويكشف الدكتور مجدى ان  تصور المعاصرين فى القرن الثانى عشر عن بلاد الهند تصور مشوش. حيث كانوا يعتقدون بأن بلاد الهند الثلاثة هى ما يعُرف الآن بشبه القارة الهندية، والهند الشرقية، وبلاد الحبشة. فاعتبروا ان ما يٌسمى بالحبشة هو جزء من بلاد الهند.

وتصف خرائط القرن الثانى عشر بلاد الحبشة على أنها الشريط الممتد شرقًا من أفريقيا بمحاذاة بلاد الرافدين وفارس.

وبعد حوالى مائتى عام، بدأ الاعتقاد بأن يوحنا الكاهن هذا كان نسطوريًا، وربما كان عدوًا أو حليفًا لجنكيز خان، ثم أرجعت خرائط القرن الرابع عشر بلاد الحبشة إلى موضعها الحالى فى شرق أفريقيا.

وعلى الرغم من أن الكتاب أحادى المصدر، أى يمثل الجانب الغربى ومصادره، والمؤلف يقر بذلك، إلا أنه يقدم مادة ثرية مشوقة، ويثر أفكارا كثيرة يجب البحث عن شظاياها فى مصادرنا العربية.

الغموض 

هذا الكتاب ليس عن تاريخ القبط أو الكنيسة القبطية، ولكنه مراجعة لتراث التصورات الأوروبية حول الشرق عامة والكنائس الشرقية الأرثوذكسية بشكل خاص، ومقابلته بالواقع.

والكتاب، من زاوية ما، يعد دراسة هامة جدًا فى تاريخ الاستشراق المبكر. وهو بمثابة رحلة شيقة يتتبع فيها المؤلف كيف حمل الأوروبيون تصوراتهم عن الكنيسة القبطية، ثم جاءوا للتحقق منها، ليكتشفوا واقعًا مختلفًا، ومن ثم سجلوا جوانب هامة عن مصر عامة والكنيسة القبطية خاصة فى فترة تكتنفها الغموض وتصمت عنها المصادر، وهى الفترة  التى تمتد من منتصف القرن الخامس عشر وحتى بدايات القرن التاسع عشر.

ويقول الاستاذ الدكتور مجدى جرجس مترجم الكتاب انه بعد تاريخ حافل بالسيطرة والهيمنة على أوروبا، بدأت كنيسة روما تواجه مشاكل كثيرة منذ أوائل القرن الخامس عشر، وحاق بها الخصوم من كل ناحية، من الداخل ومن الخارج. فى الداخل، بدأ الأوربيون يتململون من سطوة كنيسة روما ويراجعون شرعية هذه السطوة، خاصة بعد تفجر الصراعات السياسية بين الممالك والأسر الحاكمة فى غرب أوروبا.

وظهر من بين رجال الكنيسة نفسها من يتساءل حول مصدر هذه الهيمنة وشرعيتها، وجاءت الضربة الافتتاحية من بعض الباحثين من رجال الكنيسة الذين أخذوا ينقضون الأسس التى يدعيها الكرسى البابوى لشرعية سلطاته السياسية، وأخذوا يشككون فى شرعية ولاية الكرسى البابوى على المشهد السياسى فى أوروبا.

وظهرت دراسات تنقض الأسس القانونية والوثائقية التى منحت بابا روما الحق فى هذه الهيمنة، أهمها دراسة لورنزو فالا حول وثيقة "هبة قسطنطين" المزعومة التى كانت الأساس الذى يعتمد عليه بابا روما فى سلطاته السياسية.

وعلى الطرف الآخر من أوروبا، بات التمدد العثمانى يتسارع ويقترب من حدود ولايات بابوية، وتوغل فى أوروبا الشرقية، وصار على مقربة من تخوم كنيسة القسطنطينية.

ودرءًا لهذا المخاطر، بدأ التفكير فى عقد وحدة بين الكنيستين، كنيسة روما وكنيسة القسطنطينية، وبالفعل عُقد مجتمع فلورنسا فى الفترة من ١٤٣٨ إلى ١٤٤٥م، وتم إعلان الوحدة بين كنيستى روما والقسطنطينية فى عام ١٤٣٩م.

كان هذا الانتصار لكنيسة روما ونجاحها فى ضم كنيسة القسطنطينية تحت لوائها حافزًا للتفكير فى باقى الكنائس الشرقية وبخاصة الكنيسة القبطية، تحت ادعاء وحدة العالم المسيحي.

وبالفعل أرسل بابا روما رسالة إلى البطريرك القبطى البابا يوأنس الحادى عشر (١٤٢٧-١٤٥٢م) يدعوه فيها إلى حضور المجمع، وأبدى أسفه على كل تلك القرون الماضية التى شهدت انقسام العالم المسيحي.

توالت المجامع المسكونية فى القرنين الرابع والخامس الميلادي، ومثلت الكنيسة القبطية الدور الأكبر فى إدارة الجدال اللاهوتي، ووضع صياغات العقيدة المسيحية على مستوى العالم.

على أن استمرار الخلافات حول طبيعة شخصية السيد المسيح وصل نقطة ملتهبة فى منتصف القرن الخامس الميلادي، ومن ثم، تقرر عقد مجمع مسكونى فى مدينة خلقيدونية عام ٤٥١م لحسم هذه الخلافات.

وانتهى هذا المجمع إلى رفض وشجب تصورات القبط عن شخصية السيد المسيح، ولعن كل من يتبنى هذه التعاليم.

وأصر البطريرك القبطى البابا ديسقورس على موقفه، وتبعه فى ذلك جموع الشعب القبطي، وانحاز السريان والأرمن إلى القبط وشاركوهم الرأى والعقيدة.

ومن ثم، صارت هذه الكنائس الثلاث مغضوبًا عليها ومرفوضة من قبل الغرب، واعتبرت كنائس مارقة خارجة عن الإيمان القويم. ولما كان للكنيسة القبطية الدور الأكبر فى هذه المجادلات والسجالات العقائدية، نالها القسم الأكبر من الشجب واللعن، وصار ينُظر إلى القبط على أنهم هراطقة ضالون.

شكل هذا التاريخ نقطة فاصلة فى تاريخ القبط، حيث انقطعت صلاتهم بعدها بالعالم المسيحي، وانكبوا على أمورهم الداخلية، وأعادوا تأسيس كنيستهم على أسس وطنية، ظهرت فى جوانب كثيرة، أهمها الطقوس والألحان.

على أن الأمر الأكثر خطورة هو قرار التخلى عن اللغة اليونانية؛ إذ قررت الكنيسة المصرية لفظ لغة الدولة وكنيستها، وأخذت تطور لغة خاصة بها، وهى المعروفة باللغة القبطية.

وعلى الرغم من استمرار آباء الكنيسة فى الكتابة باليونانية، إلا أنها تراجعت رويدًا رويدًا، وانزوت وحلت محلها اللغة القبطية كلغة للكنيسة وللحياة اليومية. وتغيير اللغة زاد من اتساع هوة القطيعة، حيث صار القبط يمارسون حياتهم وعباداتهم بلغة أخرى يصعُب تتبعها أو معرفة ما يدور بها. ومن ثم بات الغرب لا يعرف شيئًا عن القبط بعد عام ٤٥١م. 

و لم يمض قرنان من الزمان بعد مجمع خلقيدونية عام ٤٥١م حتى دخل القبط فى طور جديد وتحول آخر مهم. وهو دخول العرب مصر فى عام ٦٤١م، وانعزلت مصر كليًا عن العالم البيزنطى والغرب.