ليست إيران وحدها من يواجه معضلة كبيرة وخيارات كلها مرة، فهى أرجأت ردها العسكرى على الكيان الصهيونى بعد اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية حتى لا تتهم بإفساد ما سمى بجولة مفاوضات الفرصة الأخيرة لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتبادل الأسرى؛ التى يواجه أطرافها بدورهم نفس المعضلة؛ فالجميع يدرك أن فشل المفاوضات يعنى رد عسكرى إيرانى قد ينطلق من طهران أو عبر حلفائها فى لبنان وسوريا والعراق واليمن؛ ومهما كانت طبيعة الرد وقوته ستضطر حكومة الكيان الصهيونى إلى رد مماثل قد يفضى إلى حرب إقليمية حشدت لها الولايات المتحدة عشرات القطع البحرية وأقوى ما فى ترسانة أسلحتها الصاروخية والجوية.
الجميع لا يريد الحرب ودول المنطقة معرضة للتورط فيها بشكل مباشر.
حتى واشنطن التى ترسل المعدات وعشرات آلاف الجنود إلى الشرق الأوسط بخلاف صفقة أسلحة ضخمة إلى العدو الصهيونى بلغت ٢٠ مليار دولار لا تريد هذه الحرب؛ وكل هذه الترسانة العسكرية الضخمة إنما أرادت بها ردع إيران ودفعها إما لإلغاء الرد أو تخفيض حجمه وقوته.
ومع ذلك يعجز أطراف العملية التفاوضية عن ممارسة الضغوط اللازمة على مجرم الحرب بنيامين نتنياهو وهناك مؤشرات عن قرب الإعلان رسميًا عن فشل جولة الفرصة الأخيرة؛ فقد بادرت وزارة الخارجية الأمريكية وبالتزامن مع وصول عميد دبلوماسيتها أنتونى بلينكن إلى عاصمة الكيان الصهيونى بالإعلان عن أن بلينكن سيعمل على إنجاز هدنة مؤقتة فى قطاع غزة.
الحديث عن هدنة مؤقتة بين جيش الإحتلال والمقاومة الفلسطينية فى غزة يعنى مباشرة عدم القدرة للتوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار وتبادل الأسرى بسبب تعنت مجرم الحرب نتنياهو ورفضه لما سبق التوافق حوله من مبادىء عامة فى يوليو الماضى من قِبل جميع الأطراف بما فيهم حركة حماس بناءً على مقترح الرئيس الأمريكى جو بايدن.
اقتراح الهدنة قد ترى فيه إيران فرصة أخرى لإرجاء ردها، أو اكتفائها بدور الدعم والإسناد اللوجيستى لحلفائها فى المنطقة ليتولو هم عملية الرد؛ بما يساعد على خفض حدة الصراع وحصره بين جيش الاحتلال الصهيونى والفصائل المسلحة فى جنوب لبنان واليمن والعراق.
هذا السيناريو لو حدث يتوافق مع ما قاله السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبنانى مؤخرًا حيث أعلن صراحة أنه ليس مطلوبًا من إيران التورط فى قتال مباشر مع العدو ويكفى أن تقوم بعمليات الدعم والإسناد اللوجيستى والسياسى.
أغلب الظن أن الرد الإيرانى سيأتى على هذا النحو فى كل الأحوال فلدى طهران ما تخاف عليه (مشروع نووى طموح - مصافى النفط) والأهم اقتصاد يعانى ووضع داخلى غير مستقر.
بات واضحًا للجميع أن الوحيد الذى يريد الحرب هو نتنياهو الذى يصر على شروط من المستحيل أن تقبل بها المقاومة أهمها رفضه انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة وإصراره على التواجد فى محورى نتساريم بوسط قطاع غزة وفلادلفيا بمعبر رفح وهذا الأخير أيضًا ترفض مصر استمرار بقائه تحت سيطرة الاحتلال؛ فقد انخرطت فعليًا منذ أسابيع فى مباحثات مع السلطة الفلسطينية من أجل الاتفاق على طريقة إدارة معبر رفح.
مجرم الحرب يصر أيضًا على احتفاظه بحق الاعتراض على الإفراج عن شخصيات بعينها من الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال، وابعاد بعض المفرج عنهم إلى خارج الأراضى الفلسطينية كما يرفض عودة النازحين المدنيين إلى شمال غزة إلا بعد خضوعهم جميعًا لعمليات تفتيش.
غير أن أخطر ما يصر عليه الصهيونى نتنياهو هو تقديم تعهد أمريكى مكتوب يضمن استمرار الحرب على غزة حتى بعد إتمام الاتفاق وعملية تبادل الأسرى.
مصادر فى حماس كشفت لوسائل إعلام عربية أن واشنطن أعدت مقترحًا بهذا الشأن قد يناقش فى جولة القاهرة المقبلة مفاده إرجاء التفاوض على الوقف الدائم لإطلاق النار إلى المرحلة الثانية على أن يتم ذلك بسقف زمنى محدد فإذا رفضت حماس مطالب الكيان الصهيونى فى هذه المرحلة من التفاوض عاد جيش الاحتلال حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.
الانتخابات الرئاسية الأمريكية تخيم بتعقيداتها على مفاوضات الفرصة الأخيرة، بايدن أو بالأحرى الحزب الديمقراطى الحاكم يريد وقفًا لإطلاق النار بأى ثمن حتى يقدم للناخب الأمريكى إنجاز سياسى يساعد على نجاح مرشحته كامالا هاريس وفى نفس الوقت لا يريد حرب إقليمية تؤثر على فرص نجاحها، لذلك قد تكون الهدنة المؤقتة هى الخيار الأمثل فى ظل غياب الرغبة والقدرة معًا للضغط على نتنياهو بحسابات انتخابية والاحتفاظ بدعم اللوبى الصهيونى للحزب الديمقراطى.
اللافت فى كل ذلك أن جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية الصهيونية أيضًا لا يريدون التورط فى حرب اقليمية رغم الدعم الأمريكى اللامحدود وأعلن وزير الدفاع يؤاف جالانت أن نتنياهو هو من يفشل عملية التوصل لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، كما صرح قادة الجيش أن العملية العسكرية فى غزة قد انتهت ويمكن العودة إليها عند ورود معلومات استخبارية جديدة، ويؤكد قادة الأجهزة الأمنية أنه قد آن الآوان للتوصل إلى صفقة مع حركة حماس.
جيش الاحتلال غرق فى وحل غزة وبحسب بياناته هو سقط منذ بداية العدوان أكثر من ١٠ آلاف جندى صهيونى من الجرحى والمصابين بصدمات نفسية بخلاف الخسائر فى المعدات والآليات الحربية؛ وقادته أول من يدرك أن دخول الكيان الصهيونى فى حرب إقليمية موسعة يهدد بقائه أو على الأقل قد يؤدى إلى إضعافه وتفكيكه تدريجيًا خاصة وأن المحيط الإقليمى على مستوى الشعوب فى أقل تقدير بات معاديًا ورافضًا لوجود دولة الكيان الغاصبة.
هذا الشعور عبر عنه ضابط موساد متقاعد يدعى يائير رافيد فى مقال نشره فى صحيفة يديعوت أحرونوت قال فيه أن الهدوء والاستقرار على الحدود بين دولة الكيان ومصر يخفى وراءه كراهية المصريين للشعب الصهيونى، موضحًا أن المصريين يتخذون مواقف حادة تجاه دولته فى كل حدث أو أزمة تتعرض إليها مع إحدى دول المنطقة لافتًا إلى أن المناهج الدراسية لن يحدث فيها تغيير كبير يغير من مشاعر المصريين.
الضابط الصهيونى وصف مصر رغم اتفاقية السلام بأنها الدولة العدوة الصديقة وقال أن تركيز أجهزة الاستخبارات والجيش على حزب الله وحركة حماس أنستهم أن العدو الحقيقى والأهم هو مصر.
صحيح أن ضابط الموساد السابق خصص مقاله للتحذير من الشعب المصرى لكنه يعكس إدراك الصهاينة أن جرائمهم التى لن يكفوا عنها جعلتهم مكروهين ومرفوضين من أكبر وأهم شعوب المنطقة رغم وجود اتفاق سلام.
آراء حرة
لا وقف للحرب ومفاوضات الفرصة الأخيرة قد تفضي إلى هدنة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق