الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بعض الحب لا ينمو إلا في بلادٍ بعينها!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كانت الحبكة الروائية تتطلب مبررا قويا ومقنعا، لكى يتناول الروائي المبدع "محمد حسن علوان" فى روايته الشيقة والممتعة "موت صغير"، قصة حب الشيخ الأكبر "محى الدين بن عربي" للفتاة الحسناء "نظام"  ابنة الشيخ زاهر.

قبل أن يحكى عن هذه الحسناء "نظام"، كان عليه أن يجيد تصوير جفاف الحب بينه وبين زوجته  مريم بنت محمد بن عبدون، والتى قيل عنها  أنها غيرت مجرى حياته بتقواها وورعها، وفى نفس الوقت، كان عليه  أن يصور معركة الشيخ الأكبر النفسية وصراعه الداخلى بين ماضٍ ولى وحاضر زاهر.

لقد صور فى سطور قليلة انسحاب الشغف والحب بينه وزوجته، لكى يبدأ فى سرد تدفق مشاعر الحب الجديد المتوهج:

ودّعت "مريم "بلا قبلات.. صرفتْ خدَّها عني... واكتفت بمصافحتي وتقبيل يدي..

استقلت هودجها الذي استأجرته لها، مع قافلةٍ من الحجيج المغاربة العائدين إلى ديارهم، راكبين البحر من "جدة" إلى "عيذاب"، أعطيتها من المال ما يكفي للطريق وزيادة، ولم أوصِها بشيء، خرجت من قلبي وخرجت من قلبها، دون وداع، هكذا شاء الله، وهكذا أرادت لنا "مكة".

بعض الحب لا ينمو إلا في بلادٍ بعينها، ولا يعيش في بلادٍ أخرى، وحبنا كان نافورةً لا يجري ماؤها إلا في الأندلس، حتى إذا فارقناها، أنحسر ماؤها حتى جفّ تمامًا في قيظ "مكة" ‫.

 هذه "مريم" التي أحببتها يحملها هذا الهودج، فوق تلك الناقة، باتجاه  الغرب.. توقفت بعد خطواتٍ قليلة، فظننت أن "مريم" تنزل من الهودج وتعود، لكنها لم تفعل استأنفت الناقة سيرها بعد قليل وغابت في الأفق، ولم أرَ "مريم" بعد ذلك إلا في المنام، عادت إلى "بجاية"، وأقامت مع أهلها 16 سنة ثم ماتت، وجاءني من يعزيني بها.

ثم يكمل سرده بعد رحيلها:

‏عندما عدت إلى البيت، ولم أجدها فيه، شعرت بنارٍ حارقة توقد في جوفي، قبل أشهر كنت زوجًا... والآن أنا عودٌ وحيدٌ، لا زوجة لي ولا ذرية، كيف ودّعتها عند هذا الباب دون أن  أحزن، ثم عدت لأجد الأحزان مكدّسةً في انتظاري؟

هرعت إلى الكعبة، ورحت أطوف دون أن أعدّ، شعرت أن في قلبي أشيبًا يحتضر وطفلًا يولد... سكراتٌ وصرخات... لحدٌ ومهد... شمسٌ تشرق وأخرى تغرب... "مريمُ" تستردّ حبها وترحل بعيدًا، و"نظام" تخاتل مشاعري دون أن تقدم... وبين المرأتين من  أنا؟ ماذا سأفعل؟ وماذا سأكون؟ في داخلي عواصف لم تهدأ بعد، حتى أعرف أين أتجه، عاصفة في روحي، وأخرى في عقلي، وهذه الثالثة الآن في قلبي، صوفيٌّ أنا أم عاشق؟ أم كلاهما معًا؟ عالمٌ أم عارف؟ شيخٌ  أم مريد؟ وليٌّ أم شقيّ؟ يا ربّ لا أقطع طوافي هذا حتى أرسو على بر..

 ورحت أطوف وأطوف، سبعًا، عشرًا، مئةً ومائتين، ألفًا وألفين..

لا أقف إلا لأداء الصلاة المكتوبة ثم أكمل الطواف، انتصف الليل، طلع الفجر، بان الصباح، فتحت الحوانيت، ازدحم المكان، اشتدت الحرارة،  انكسر الضوء، زال النهار غربت الشمس، انصرف الباعة، سكن المسجد، تهالكت وصار مشيي وئيدًا، شعرت بالدوار، اتكأت على جدار الكعبة، ورحت أجرّ قدمَيّ جرًا،لم أعد أرى ما أمامي، ولا أسمع من بجانبي، سقطت وأظنني نمت على "شاذروان" الكعبة..

واستيقظت على أذان الفجر.. يومان وأنا أطوف صليت وجلست أتأمل الكعبة، وأهمّ بإكمال الطواف، وقدماي تصرخان من الألم والتعب..‫ استجمعت قواي وقمت من مكاني وطفت شوطا وشوطين، وأنا شبه غائبٍ عن الوعي، فإذا بي أردّد بصوتٍ خفيض: لَيْتَ شِعْرِي هَلْ دَرَوْ،أَيَّ قَلْبٍ مَلَكُو...لَيْتَ شِعْرِي هَلْ دَرَوْ،أَيَّ قَلْبٍ مَلَكُو...لَيْتَ شِعْرِي هَلْ دَرَوْ،أَيَّ قَلْبٍ مَلَكُو، وبقيت على هذه الحال أشواطًا لا أحصيها، أمشي بلا هدى، أطوف بلا توقف، أهذي بلا علم، حتى شعرت بنقرةٍ على كتفي، فزعت التفتّ فإذا بها ورائي: ‫

"نظام"! ‫

كانت تخفي فمها بخمارها، وبدت عيناها تضحكان، خجلت من حالتي، وتعبي من جفاف فمي، ورثاثة ثيابي، بدا ارتباكي واضحًا، ولساني معقودًا لا يملك كلامًا فتكلمت هي: ‫

– ماذا تفعل هنا يا رجل؟ ‫
ومن هذه  اللحظة تفجرت ينابيع الحب وتدفقت كالشلال بين الشيخ الأكبر والحسناء"نظام"...

الأسبوع المقبل بإذن الله نعرف التفاصيل..