يعد توغل القوات الأوكرانية فى روسيا ضربة قوية لموسكو، حيث يلحق ضررا كبيرا بسمعة الكرملين ويزيد من حدة التوتر فى المنطقة، إلا أنه من غير المرجح أن يغير هذا الحدث من موقف الكرملين تجاه الحرب، وفقًا لما ذكرته صحيفة "التايمز" البريطانية.
كان توغل القوات الأوكرانية فى الأراضى الروسية فى السادس من أغسطس مفاجأة كبيرة، ليس فقط لروسيا، بل أيضا للعديد من الأشخاص داخل أوكرانيا، بالإضافة إلى المراقبين المهتمين بالوضع فى المنطقة.
فما الدافع وراء هذا الهجوم الجريء من قبل أوكرانيا، بينما تتمركز قواتها فى مواقع مختلفة على طول خط المواجهة الذى يمتد لألف كيلومتر؟ بعد مرور أسبوع تقريبًا، لا يزال الجيش الروسى يكافح لاحتواء التوغل، لكن الدوافع وراء العملية بدأت تتكشف.
وفقا لصحيفة "التايمز"، وبعد ثمانية أيام من الهجوم، تقدمت العمليات العسكرية الأوكرانية، التى يُعتقد أنّها تضم ما يصل إلى عشرة آلاف جندى ومعدات عسكرية غربية، حوالى ٢٠ ميلًا، مما يُعتبر أول تنازل لأرض لروسيا أمام جيش أجنبى منذ الحرب العالمية الثانية.
يتوقع الرئيس الأوكرانى فولودومير زيلينسكى أن يؤدى "غزو أوكرانيا" إلى سقوط نظام بوتين فى النهاية، معلّقًا فى خطاب له: "قبل ٢٤ عامًا، كانت كارثة كورسك (البداية الرمزية لحكم بوتين)، والآن، من الواضح أنّها نهايته، ومرة أخرى من كورسك".
يعتبر توقيت الهجوم الأوكرانى سيئًا للغاية بالنسبة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين، حيث يشير تقرير الصحيفة إلى أن شهر أغسطس يعتبر تاريخيًا شهر الكوارث والاضطرابات فى روسيا، بدءا من الانقلاب الفاشل ضد ميخائيل غورباتشوف فى عام ١٩٩١ من قبل المتشددين فى جهاز المخابرات السوفييتي.
منذ ذلك الحين، وشهد شهر أغسطس أحداثا هامة مثل غرق الغواصة كورسك، وهجمات إرهابية، وكوارث طبيعية، وأزمة مالية فى روسيا.
مع بقاء أكثر من أسبوعين من هذا الشهر المشئوم، لا بدّ لبوتين أن يتساءل عما إذا كان سيُصبح ضحية جديدة لعنة أغسطس، وفقًا للصحيفة.
يأتى الهجوم الأوكرانى أيضا بعد عام واحد فقط من قيام المرتزقة الموالين ليفغينى بريغوجين، زعيم مجموعة فاجنر، بتمرد مسلح ضد موسكو، مما كشف عن هشاشة دفاعات روسيا.
ومع ذلك، يخرج ضابط الاستخبارات السوفييتية السابق سالمًا تقريبًا فى كل مرة، ولا تزال قبضته على روسيا قوية كما كانت، إن لم تكن أقوى من ذى قبل.
قال المحلل السياسى الروسى المُنتقد للكرملين أندريه كوليسنيكوف: "لا يوجد شيء أفضل من غزو جيش أجنبى لحشد الناس حول علم بلادهم". وأضاف أن هذا العلم يرمز لبوتين بالنسبة للعديد من الروس.
وتساءل المحلل الروسى عن دوافع الغزو الأوكرانى لروسيا، وعن معنى غزو كورسك بالنسبة للحرب.
فسر العديد من الروس القصف عبر الحدود الأوكرانية والضربات بطائرات بدون طيار ردا على الغزو على أنها دليل على صحة ادعاءات بوتين بشأن ضرورة الحرب لإحباط هجوم وقائى محتمل من قبل كييف وحلفائها فى حلف شمال الأطلسي.
يرجح أن يستمر هذا السيناريو، وفقا لألكسندر جابوييف، رئيس مركز كارنيغى روسيا أوراسيا للأبحاث، الذى أوضح: "يقول الناس إنّنا لم نصدق فى البداية عندما أخبرتنا الحكومة أنه حرب وقائية، ولكن الآن أظهر لنا الأوكرانيون ألوانهم الحقيقية، ولذا يتعين علينا الرد."
وعلى الرغم من الغضب إزاء التعامل الفوضوى مع عمليات الإجلاء، والفشل فى الدفاع عن المدن والقرى الحدودية بشكل فعال، فإن المناطق الواقعة فى الخطوط الأمامية فى روسيا كانت من بين المؤيدين الأكثر حماسة لـ "العملية العسكرية الخاصة" التى يشنها الكرملين فى أوكرانيا، وفقا لبحث أجراه مشروع كرونيكل.
يشير جابوييف إلى أن الغزو الأوكراني، على الرغم من كونه إهانة لبوتين، من غير المرجح أن يؤثر بشكل دائم على قبضته على السلطة، ما لم يتدهور الوضع بشكل كبير.
وأضاف: "إنها انتكاسة كبرى، لكنها ليست انتكاسة ذات طبيعة استراتيجية، على الأقل فى هذه المرحلة، وفى غياب المزيد من المفاجآت الكبرى، فإن ذلك من شأنه أن يعزز الرواية الحكومية بأن هذه معركة من أجل روسيا نفسها."
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الخطوة الأوكرانية ستساعد جهود روسيا الرامية إلى استقطاب المزيد من المجندين العسكريين من دون الإعلان عن جولة جديدة من التعبئة الوطنية.
والواقع أن الوعد بالمكافآت المالية، وليس الحديث عن الوطنية أو الأيديولوجية، أثبت حتى الآن أنها الوسيلة الأكثر نجاحًا فى إقناع الرجال بالتطوع فى الحرب.
ووفقا لتقرير "التايمز"، إذا تمكنت أوكرانيا من التمسك بمنطقة كورسك، فقد تسعى إلى مقايضة بعض الأراضى التى استولت عليها بمناطق خاضعة للسيطرة الروسية.
ولكن يبدو أن بوتين ليس فى مزاج يسمح له بإجراء مناقشات مع كييف، حيث قال الثلاثاء الماضي: "ما الذى يمكننا حتى التحدث معهم بشأنه؟".
وتعهد بوتين بالانتقام مما وصفه بأنه "استفزاز واسع النطاق"، لكن يبدو أن المكاسب التى تحققت فى منطقة كورسك أذهلت القيادة العسكرية الروسية، التى لم تقم بعد برد قوى على التوغل.
ويحذر المحللون الجيوسياسيون وخبراء الدفاع من أن الرد الروسى سيأتي، وبينما يمكن أن تستمتع كييف بنجاح عمليتها عبر الحدود فى الوقت الحالي، إلا أنها بحاجة إلى خطة لما سيحدث بعد ذلك.