علي مدار 30 شهرا يتعرض الاقتصاد العالمي لمزيد من الخسائر والاضطراب جراء استمرار الصراع الروسي الأوكراني والذي أفرز عن وجود فريقين اثنين أحدهما يدعم الجانب الأوكراني بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية و دول حلف الناتو، والفريق الآخر ممن قر الوقوف لجوار المعسكر الروسي خشية تهديد مصالحه الاقتصادية والسياسية تارة أو تحت مسمي تصفية الحسابات التاريخية والسياسية مع العدو الأمريكي والأوروبي خصوصا إيران و كوريا الشمالية و الصين .
ولعل قواعد اللعبة التي لا تزال تتحرك ما بين قطبي الصراع الروسي الأوكراني سواء معسكر الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا و الصين وكوريا الشمالية وإيران؛ يحكمها صراع الطاقة والمقدرات الاقتصادية باعتباره أحد صراعات القوى إذ استطاع الأحداث الروسية الأوكرانية والتي تم استغلال حرب الغاز الطبيعي ضمن أحد أهم أوراق الضغط التي لا تزال تستخدمها "موسكو" للسيطرة علي الموقف وربما تطويق دول الاتحاد الأوروبي وحليفها الأعظم " أمريكا" لفرض هيمنتها عالميا أو حتي على دول المنطقة.
ارتفاع سعر الغاز
مع احتدام الصراع الروسي الأوكراني مطلع الأسبوع الماضي، ارتفعت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في البورصات الأوروبية بالتوازي مع سقوط نقطة سودجا لنقل الغاز الطبيعي التابعة لروسيا في يد قوات أوكرانية، لتصعد معها الأسعار لنحو 38.8 يورو بنسبة 5.8% وسط قلق واضطرابات داخل الأسواق خشية تعطل تدفق الغاز الروسي من تلك النقطة لمناطق في أوروبا .
حسبما لما نقلته وكالات الأنباء العالمية والتي أكدت أن شركة نقل الغاز الأوكرانية قد أكدت استمرار تدفق الغاز الروسي بنقطة سودجا مستمر في التدفق لأوروبا علي الرغم من وقوع اشتباكات مع قوات "بوتن" لكنه تم بالفعل نقل ما يقارب من 80.5 مليون متر مكعب بنهاية الأسبوع الماضي.
الضغط بالعقوبات الأوروبية
وفقا للأرقام الرسمية فإن روسيا تحتل المرتبة الثانية عالميا في واردات الغاز الطبيعي بنسبة 13% بعد الولايات المتحدة الأمريكية التي تصل صادراتها 48% يليهما قطر بنسبة 12% والجزائر بنسبة 8% في المرتبة الرابعة و نيجيريا بنسبة 5% ثم دول أخري تصل لـ13% من بينها مصر واسرائيل وتركيا وقبرص وغيرهما.
فعلي مدار العامين والنصف الماضية، وصل مجموع العقوبات التي فرضتها المفوضية الأوروبية علي روسيا لإثنائها على حربها ضد أوكرانيا، نحو 14 حزمة من العقوبات كان آخرها فرض إجراءات عقابية على الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي المسال والتي انخفضت في الوقت الحالي لـ13% مقابل 35% أي ما يفوق النصف، رغم أن موسكو قد صدرت بالفعل ما يقارب من 52% من واردات الغاز لأوروبا نفسها في العام.
وعلي ما يبدو أن الغرض من تلك العقوبة المفروضة في يونيو الماضي تقليل التوسعات الحربية لموسكو في مواجهة أوكرانيا ، إذ تسري تلك العقوبة لمدة 9 شهور .
ولعل أوروبا أصبحت تخشي أن ينقلب سحرها عليها خصوصا مع قرب قدوم فصل الشتاء والذي تستهلك فيه كميات أكبر من الغاز الطبيعي لدعم إمدادات الطاقة والتدفئة لحين تنفيذ استراتيجيتها للتخلص من الاعتماد علي الوقود التقليدي والغاز الروسي بحلول 2027، فعلي الرغم من توجه دول أوروبا من تطبيق تلك الحزمة من العقوبات إلا أن ألمانيا أحد أكبر دول الاتحاد الأوروبي عارضت بشدة تطبيقه أو حتي التزامها بتقليص صادرات روسيا لها وكذلك المجر إذ تستهلكان ما يقارب من 40% من واردات الغاز الأوروبي من روسيا لهما والتي سجلت في العام الماضي نحو 17.5 مليون طن.
وتواجه ألمانيا علي وجه التحديد أزمة اقتصادية بسبب ارتفاع سعر الغاز لما له تبعات علي مواطنيها من زيادات أسعار السلع وفواتير الكهرباء والطاقة في البلاد.