الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

لِمَ الفلسفة؟ (3 – 1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

خلال اليومين الماضيين تعالت بعض الأصوات مطالبةً بإلغاء تدريس مقرر الفلسفة لطلاب الثانوية العامة، ومن الواضح أن المسؤولين عن التعليم في بلادنا رحبوا بالفكرة، وعقدوا العزم على تطبيقها بالفعل، وتعتزم وزارة التربية والتعليم تنفيذ ذلك مع بداية العام الدراسي القادم (2024 - 2025). إن ما يحدث هو أحد إفرازات الفكر المتخلف الذي يسود مجتمعنا، «والذي ظهرت عليه مظاهر الانقراض والانهيار، وأصبحت بلادنا في حاجة إلى فكر جديد حر ينقذها ويثبتها في وجه الأخطار». هكذا يُشخّص المرحوم الدكتور عبد الغفار مكاوي حال مجتمعاتنا العربية وبخاصةٍ مجتمعنا المصري؛ في كتابه: (لِمَ الفلسفة؟، ص ١٣).  الكتاب الجيد هو الذي تشعر بعد أن تقرأه بأن ثمَّة تغييرًا إلى الأفضل قد طرأ على عقلك ووجدانك، وتشعر أيضًا بعد قراءته أنك أصبحت إنسانًا جديدًا مختلفًا عما كنت عليه قبل قراءته، وإذا صدق هذا المعيار على بعض الكتب مرةً؛ فإنه يصدق على كتاب «لِمَ الفلسفة؟» للدكتور عبد الغفار مكاوي مرات ومرات. 
ولهذا كان يأمل عبد الغفار مكاوي أن يجد القارئ نفسه بعد الانتهاء من قراءة الكتاب، وهو أكثر قدرة على التساؤل غير المحدود، فهذا التساؤل هو الضمان الوحيد لحريته وشجاعته ومسئوليته عن صنع عالم مشترك لا يشكو الفقر، ولا يسوده الجهل، أي عالم يعمه الخير، ويتسيد فيه العقل، عالم تسوده الحرية، ويقام فيه العدل.
«إن الفلسفة هي وحدها التي تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين، وإنما تقاس حضارة الأمة وثقافتها بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها، ولذلك فإن أعظم نعمة يُنـعم الله بها على بلد من البلاد هي أن يمنحه فلاسفة حقيقيين». (لِمَ الفلسفة؟، ص ٧).
هكذا يُصَدّر الدكتور عبد الغفار مكاوي كتابه: «لِمَ الفلسفة؟» بسطور للفيلسوف الفرنسي ديكارت، وردت بكتابه «مبادئ الفلسفة» ترجمة المرحوم الدكتور عثمان أمين. 
إن معاودة قراءتى لكتاب «لِمَ الفلسفة؟» الصادر عام ١٩٧٨، أشعرتنى بأن المرحوم الدكتور عبد الغفار مكاوى إنما يرصد المشهد الثقافى والسياسى والاجتماعى المتهرئ في مصر اليوم؛ فإذا كان ديكارت يقول - بوصفه فرنسيًا - «إن الفلسفة هى وحدها التى تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين»، فإن ديكارت لو عاد مرة أخرى للحياة لقال إننى أعني بالأقوام المتوحشين والهمجيين أقطار منطقة الشرق الأوسط، بخاصةٍ مصر التى تعلو أرجاءها أصوات قبيحة تنادي بضرورة إلغاء تدريس الفلسفة؛ نظرًا لعدم وجود مردود مادي وعملي من وراء تدريسها.
إذا كان ديكارت قد قال – كما أشار الدكتور عبد الغفار مكاوي في صدر كتابه - «إن أعظم نعمة ينعم الله بها على بلد من البلاد، هي أن يمنحه فلاسفة حقيقيين».. فإن علينا أن نقول من واقع المشهد الحالي في مصر: 
«إن أشد نقمة يبتلي الله بها بلدًا من البلدان، هي أن يسلط على أهله فئة من أعداء الفكر يطالبون بإلغاء الفلسفة من أجل تحقيق مآرب سياسية مريبة».
اختار الدكتور عبد الغفار مكاوي أن يقدم لنا «تعريفًا» للفلسفة كما تعلمناه من تاريخها القديم والوسيط، وشاء أن يجعله مدار الفصل الأول الذى يتناول هذا السؤال: «ما الفلسفة؟»، وخلاصة هذا التعريف مستمدة من كلمة «الفلسفة» نفسها بوصفها «سعيًا إلى الحكمة»، أى تأمل عقلى حر وشامل في «الكل».
 ولا يزال هذا التعريف في رأي الدكتور مكاوي صالحًا في إجماله، وإن كانت ضرورات العصر والتطور العلمي والاجتماعي تحتم تطبيقه تطبيقًا مختلفًا عما كان عليه عند الأقدمين، فمن العسير إن لم يكن من المستحيل اليوم أن نقبل المثل الأعلى الذي ينطوي عليه، وهو المعرفة المجردة من كل علاقة بالحياة اليومية والسياق الاجتماعي. 
ولهذا نجد الفصل الثاني من كتاب «لِمَ الفلسفة؟» أشبه «بنقيض الموضوع» بالقياس إلى الفصل الأول الذي قدم «الموضوع»، فهو يحاول الإجابة عن السؤال المطروح «لِمَ الفلسفة؟»، مستعينًا بتعريف هيجل، الذي حدد معنى الفلسفة في أنها «عصرها معبرًا عنه بالأفكار»، وقد أخذ الدكتور عبد الغفار مكاوي بهذا التعريف؛ لأنه ينطوي على نظرة كلية شاملة، كما يتضمن النقد والتحليل، وكلاهما ضروري في عصر يهيب بالفلسفة أن تقترب من الواقع، وتغادر أبراجها الجامعية من حين إلى حين.