إرشيد: ضربة قاسية لقطاع السياحة وتراجع الإيرادات 40٪
عبد الفتاح: عام 2025 ضائع اقتصاديًا مع ارتفاع عجز الموازنة
خسائر باهظة تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي جراء الحرب الممتدة على غزة، ما دفع تل أبيب إلى البحث عن بدائل لتغطية عجز الموازنة المتوقع بلوغه 8 مليارات دولار خلال عام 2024.
وبعد مرور 10 أشهر على بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، ما زال الاقتصاد الإسرائيلي ينزف بقوة ليخسر 200 مليار دولار، بسبب توسع الإنفاق العسكري وهروب الاستثمارات وارتفاع معدلات البطالة.
وقال الدكتور مازن إرشيد، الباحث في الشأن الاقتصادي، بدايةً، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤًا ملحوظًا في معدلات النمو الاقتصادي، حيث تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي قد تراجع بمعدل 2.5% خلال هذه الفترة. يعود هذا التراجع إلى عدة عوامل، منها الانخفاض الحاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تقلصت بنسبة تقارب 30% مقارنةً بنفس الفترة من العام السابق. الشركات الأجنبية أصبحت أكثر حذرًا من المخاطر السياسية والأمنية التي تحيط بالمنطقة، مما أدى إلى إعادة تقييم خططها الاستثمارية في إسرائيل.
وأضاف إرشيد: من ناحية أخرى، كان لقطاع السياحة ضربة قاسية، حيث تراجعت الإيرادات السياحية بنسبة 40% خلال فترة الحرب. العديد من شركات الطيران العالمية أوقفت رحلاتها إلى إسرائيل، وفضل السائحون وجهات أخرى أكثر استقرارًا. السياحة التي تمثل جزءا كبيرًا من الدخل القومي الإسرائيلي تأثرت بشكل كبير، مما زاد من الضغط على الحكومة لتعويض هذا النقص من خلال تدابير اقتصادية أخرى.
إنفاق متزايد
الإنفاق العسكري المتزايد أدى إلى تفاقم العجز في الموازنة العامة للدولة. قُدّر الإنفاق العسكري الإضافي بأكثر من 10 مليارات دولار خلال الأشهر العشرة، مما دفع بالعجز إلى مستويات قياسية تجاوزت 8% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا العجز أجبر الحكومة على زيادة الضرائب وفرض تدابير تقشفية، مما أدى إلى تراجع الاستهلاك المحلي وزيادة التضخم الذي بلغ 6.2% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقد.
التأثير على القطاع العقاري كان أيضًا واضحًا، حيث شهدت أسعار العقارات تراجعًا بنسبة 15% في المناطق المتضررة بشكل مباشر من الصواريخ والهجمات. هذا التراجع نتج عن هجرة العديد من السكان من هذه المناطق بحثًا عن أمان أكبر، مما أدى إلى انخفاض الطلب وارتفاع عدد العقارات غير المباعة.
واتفق الدكتور أحمد محمد عبد الفتاح الخبير الاقتصادي، مع رأى إرشيد، قائلًا: ألحقت الحرب على غزة أضرارا جسيمة باقتصاد إسرائيل، وكبدت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق وفروع العمل خسائر مالية فادحة، بسبب الإجراءات الاقتصادية المختلفة وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو خلال هذه الحرب.
وتسببت الحرب في إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال، حوالي 40% منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اليوم- حيث تم إيواؤهم في 438 فندقا ومنشأة إخلاء، وهو ما كلف الوزارات الحكومية 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار)، بحسب بيانات وزارة الرفاه والسياحة الإسرائيلية.
ويقف الاقتصاد الإسرائيلي أمام مفترق طرق، مع انهيار وشلل شبه تام وخسائر فادحة بقطاع البناء والعقارات، وبالصناعات والزراعة والسياحة الداخلية، وذلك مع استمرار الارتفاع في كلفة الحرب وتداعياتها على الموازنة العامة لإسرائيل، التي تعاني عجزا بقيمة 6.6% من الناتج المحلي، بحسب ما أفاد تقرير بنك إسرائيل.
وأضاف الخبير، من الوجهة الاقتصادية الحكومة الإسرائيلية تتصرف بتهور وبانعدام مسئولية في كل ما يتعلق بنفقات الحرب وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي وسط العجز المتفاقم في الموازنة -الذي وصل بالفعل إلى 6.2%، من الناتج المحلي الإجمالي، ومتوقع أن يصل 6.6% بنهاية 2024- تظهر أن القفزة في الإنفاق الحكومي لا تتعلق فقط بالحرب، وإنما أيضا بالسياسات الاقتصادية الخاطئة للحكومة.
مع توقع المحللين بارتفاع التضخم المالي، وتفاقم العجز بالموازنة للعام 2024 والديون العامة للحكومة، التي لا تكلف نفسها عناء إشراك المحافظ في مباحثاتها وسياساتها الاقتصادية.كما أشاروا أن "الوضع أسوأ بكثير مما بدا، حيث تحدث محافظ بنك إسرائيل كثيرا عن المخاطر الجديدة للتضخم المالي، بسبب تطور الحرب وتأثيرها على النشاط الاقتصادي، وانخفاض قيمة الشيكل، والقيود على النشاط بسوق العمل خاصة بفرع البناء والعقارات".و أنه لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق التعافي الكامل للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب.
تابع الخبير، أنه من خسائر وتداعيات الحرب يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تداعيات الحاجة إلى تجنيد الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من جنود الاحتياط، إلى جانب إجلاء مئات الآلاف من الإسرائيليين من منازلهم في مستوطنات "غلاف غزة"، والنقب الغربي، والحدود اللبنانية، وتعطيل العمل بالمدارس والجامعات، والمرافق الاقتصادية، بما في ذلك السياحة والمطاعم والمقاهي وأماكن الترفيه.
ليتعطل الاقتصاد الإسرائيلي ويتكبد خسائر فادحة، حيث أظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 أكتوبر الماضي حتى نهاية مارس 2024، بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار).
وجراء التداعيات والعواقب الاقتصادية للحرب، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى توسيع الموازنة العامة للعام 2024، حيث بلغت 584 مليار شيكل (158 مليار دولار)، بزيادة قدرها حوالي 14% مقارنة بحد الإنفاق الأصلي الذي تم تحديده في العام الماضي كجزء من ميزانية السنتين 2023-2024.
ولمواجهة التكلفة الباهظة للعملية العسكرية وبغية منع العجز التراكمي بالموازنة العامة لوزارة الأمن، تمت زيادة الميزانيات المخصصة لوزارة الأمن، بإضافة 30 مليار شيكل (8.1 مليارات دولار)، وبذلك بلغ الحجم الإجمالي لميزانية الأمن خلال الحرب حوالي 100 مليار شيكل (27 مليار دولار).
وبسبب الإنفاق العسكري والخسائر المباشر للاقتصاد الإسرائيلي، حدث ارتفاع في تكاليف ديون الدولة لتصل إلى 62% من الناتج المحلي الإجمالي للاحتلال بعد أن كانت 59% في العام 2023/2022.
ويُستدل من تقارير سلطة الضرائب أن قيمة الأضرار غير المباشرة والتعويضات للمتضررين في مستوطنات الغلاف والنقب الغربي وصلت 12 مليار شيكل (3.35 مليارات دولار)، حيث تشمل الخسائر والأضرار التي تكبدتها فروع الزراعة، والسياحة الداخلية، والترفيه والمطاعم والمقاهي، والصناعات الخفيفة.
أما بخصوص الأضرار والخسائر في الجليل الأعلى والغربي والبلدات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان والجولان المحتل، لا يوجد هناك بيانات رسمية وجرد للإضرار من قِبل سلطة الضرائب، وذلك بسبب خطورة الأوضاع والقتال مع حزب الله.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الخسائر الأولية في شمال البلاد جراء صواريخ حزب الله، تقدر بحوالي ملياري شيكل (540 مليون دولار)، حيث تضررت أكثر من 500 منشأة سكنية زراعية وصناعية وتجارية، على ما أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي لا تستبعد أن يكون حجم الخسائر والأضرار مضاعفا.
وأظهرت معطيات مؤسسة التأمين الوطني أن 65 ألفا و32 إسرائيليا فتحت لهم ملفات تعويضات بالمؤسسة، وذلك جراء إصابتهم بما يسمى "أعمال حربية وعدائية"، حيث تم تحويل حوالي 22 مليار شيكل (6 مليارات دولار) مخصصات تعويضات للمدنيين المصابين، وكذلك دفع 4.2 مليارات شيكل (1.1 مليار دولار)، زيادة إضافية في كلفة خدمة الاحتياط بسبب التغيب عن أماكن العمل.
وأنفقت الحكومة الإسرائيلية في شهر مارس 56.5 مليار شيكل، ومنذ بداية العام بلغت النفقات 147 مليار شيكل (39.7 مليار دولار)، مقارنة بـ106.5 مليارات فقط (28.7 مليار دولار)، في الربع الأول من عام 2023، وهي زيادة تراكمية قدرها 38.1%.
وبلغت تقديرات نفقات الحرب منذ بداية عام 2024، 27.6 مليار شيكل (7.5 مليارات دولار)، حيث بلغت الزيادة التراكمية في النفقات للحرب تحديدا 12.2%، وفقا لمعطيات نشرتها صحيفة "كلكليست" الاقتصادية.
كما شهدت أعمال البناء والبنية التحتية في إسرائيل شللا شبه كامل بعد أن جمدت الحكومة الإسرائيلية تصاريح العمل لحوالي 80 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية، وتقدر خسائر فرع البناء حوالي 150 مليون شيكل يوميا (40 مليون دولار)، بينما تخشى شركات المقاولات من مصير القروض التي تقدر بنصف تريليون شيكل، بحسب ما أفادت القناة 12 الإسرائيلية.
وتسبب الشلل بفرع البناء والعقارات في خسائر للمصارف وتراجع أرباحها، حيث بلغ حجم القروض العقارية التي حصل عليها مشترو الشقق 71.3 مليار شيكل (19.2 مليار دولار) في عام 2023، وذلك وفقا لبيانات بنك إسرائيل.
وهذا يمثل انخفاضا بنسبة 39.6%، مقارنة بحجم القروض العقارية الجديدة الممنوحة في عام 2022، التي بلغت 117.6 مليار شيكل (32.7 مليار دولار).
ويعتبر حجم القروض العقارية الممنوحة في عام 2023 هو الأدنى منذ عام 2019، عندما بلغت القروض العقارية الجديدة 67.7 مليار شيكل (18.2 مليار دولار).
ووفق البنك المركزي الإسرائيلي تراجع احتياطي النقد الأجنبي في البلاد نهاية أبريل حوالي 5.63 مليارات دولار حيث وصل إلى 208 مليارات، كما تراجعت الاحتياطيات بحوالي 41% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وفق وزارة المالية الإسرائيلية، بلغت استدانة إسرائيل بسبب الحرب في غزة حوالي 43 مليار دولار عام 2023، وامتدت إلى عام 2024 حيث شملت:
304 مليارات دولار إجمالي الدَّين العام الإسرائيلي حتى نهاية 2023.
21 مليار دولار ديون إضافية.
6 مليارات دولار إجمالي القروض عام 2022.
بلغت نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي حوالي 62.1 بالمئة.
هناك توقعات ببلوغ هذا الدَّين مستوى 67 بالمئة عام 2024.
إسرائيل جمعت 8 مليارات دولار من بيع سندات دولية منذ أكتوبر حتى أبريل الجاري.
ويتوقع الخبير أن يكون عام 2025 ضائعا اقتصاديا، مع ارتفاع عجز الموازنة وهو ما سيفضي في النهاية إلى مزيد من التدهور في نسبة الدين العام مقارنة بالناتج المحلي، وربما مزيدا من خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل.