يتابع دكتور وجيه عبد الصادق عتيق فى كتاب "السياسة الدولية وخفايا العلاقات المصرية الألمانية" والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو فى الأصل أطروحته للدكتوراه باشراف من البروفسيور ألكسندر شولش Prof.Dr.Alexander Schoelch والتى يبحث من خلالها الجانب السياسى للعلاقات المصرية الألمانية خلال الفترة من 1952 إلى 1965 بقوله: قدر للاقتصاد الإسرائيلى ألا ينهار بحصول إسرائيل على أموال التعويضات، التى ينظر إليها من جانب أغلب المؤرخين على أنها المنقذ الذى وصل فى الوقت الأشد حرجًا لكى يصلب عود إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط. وتبين لنا مذكرات ناحوم جولدمان فى صراحة شديدة أن التعويضات الألمانية كان لها الفضل الأول فى تثبيت الوجود الإسرائيلى المهدد بالانهيار على أرض فلسطين، فقد ظلت ألمانيا الاتحادية حتى منتصف الستينيات تقريبا تلبى احتياجات الاقتصاد الإسرائيلى الأساسية وتدفع فواتير الواردات الاستراتيجية، حتى تمكنت إسرائيل من النهوض والبقاء.
ترددت أصداء التعاون العسكرى بين إسرائيل وألمانيا الاتحادية منذ وقت مبكر، ووصلت لمصر معلومات دقيقة عنه إلى مصر فى حينه. وحسب ما تؤكده الوثائق المصرية، فقد بدأ النشاط الإسرئيلى أولا فى استخدام الأراضى الألمانية منذ عام 1945 كمقر لتدريب وحدات خاصة من الجيش الإسرائيلى داخل معسكرات بعض قوات الحلفاء فى الشطر الغربى لألمانيا.. ففى تقرير مفصل للسفير المصرى فى بون أرسله إلى الخارجية المصرية كشف فيه – بناء على مصادر ألمانية موثوق بها – عن أن معسكرات جيش الاحتلال الأمريكى استوعبت فور أنتهاء الحرب العالمية الثانية العديد من الأفراد الإسرائيليين، بغرض التدريب على أساليب القتال استعدادًا للحرب مع العرب عند إعلان قيام إسرائيل.
ونفهم من هذا أن الإعداد لإعلان قيام إسرائيل شمل من الناحية الحربية الأراضى الألمانية نفسها، وأن إسرائيل توافرت لديها فرص جيدة لتمكينها من الانتصار على العرب فى الجولة الأولى – حرب 48 – من سلسلة الحروب المتصلة لها مع جيرانها من الدول العربية وذلك قبل أن تنشب تلك الحرب. ثم يضيف تقرير السفير المصرى أن معسكرات الجيش الفرنسى فى ألمانيا الاتحادية شهدت أيضا فى العامين 1953-1954 تدريبا واسع النطاق لجنود وضباط من الجيش الإسرائيلى على أحدث أنواع الأسلحة الفرنسية، كما أن بعض العناصر الإسرائيلية اشتركت عمليًا فى مناورات الفرنسية التى جرت فى صيف 1954 فى أراضى ألمانيا الاتحادية.
ففى أوائل عام 1955، تلقت الحكومة المصرية معلومات تفيد أن الجيش الإسرائيلى حصل على أسلحة أمريكية بشكل غير مباشر، يحتمل أن تكون وصلت إليه عن طريق طرف ثالث تطوع لكى يقوم بدور الوسيط، تسهيلًا لوصول هذه الصفقة فى سرية تامة إلى إسرائيل. وعلى الفور كلفت وزارة الحربية المصرية ملحقها العسكرى فى واشنطن بتقصى الحقيقة وراء هذه المعلومات، وبناء على هذا التكليف وبعد فتره امتدت إلى تسعة أشهر من البحث، توصل الملحق العسكرى إلى أن ذلك الطرف هو ألمانيا الاتحادية. وجاء فى تعليق السفير المصرى بواشنطن حول دور ألمانيا فى وصول المعدات العسكرية الأمريكية إلى الجيش الإسرائيلى، أن إسرائيل والحركة الصهيونية تستغل بجدارة ما يثار من دعاية إعلامية حول صفقة الأسلحة التشيكية لمصر، وذلك بالتأثير على بعض الدول الغربية لتقديم السلاح للجيش الإسرائيلى. كما أن إسرائيل أخذت منذ ذلك الحين تبحث عن مزيد من مصادر التسليح دون الاكتفاء بما تحصل عليه من الأسلحة الفرنسية والإنجليزية. وقد نبه السفير فى مذكراته إلى الحكومة المصرية إلى احتمال نجاح إسرائيل فى الحصول على مساعدات عسكرية من أطراف غربية أخرى، نتيجة انفتاح إسرائيل فى الحصول على مساعدات عسكرية من أطرف غربية أخرى، نتيجة انفتاح مصر المتزايد على الكتلة الشرقية وشدة مناهضتها للغرب.
وكانت الحكومة الأمريكية فى ذلك الوقت تمتنع عن تصدير الأسلحة بصفة مباشرة إلى إسرائيل، وذلك حتى تبدو أمام العالم بأنها تلتزم بمبدأ عدم تصدير المعدات الحربية إلى المناطق الملتهبة مثل الشرق الأوسط، وحتى لا تغضب أصدقاءها العرب فى المنطقة، فالإدارة الأمريكية فى ذلك الوقت كانت تضع صداقة بعض الدول العربية معها محل اعتبار، خصوصا وأن مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط الذى كانت تتبناه أمريكا تطلب مشاركة الدول العربية فيه. كما أن الحكومة الأمريكية امتنعت عن التصدير المباشر للسلاح لإسرائيل، حتى لا تعطى للاتحاد السوفيتى المبرر لتلبية احتياجات مصر وسوريا على سبيل المثال من السلاح.. ولكن عدم الموافقة على التصدير المباشر لا يعنى منع وصول الأسلحة الأمريكية اللازمة لإسرائيل بالطريق غير المباشر.
ولذا فمن شبه المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية ساعدت إسرائيل فى العثور على الطرف الوسيط المناسب،الذى يؤمن وصول المعدات الأمريكية فى سرية تامة.. فقد كشفت مذكرة المصرى فى واشنطن للخارجية المصرية عن أن إسرائيل تبذل محاولات دءوبة فى الحصول على الأسلحة الأمريكية عن طريق دولة أوروبية وسيطة، وتؤكد المذكرة أنه فى مقدمة الدول الأوروبية التى تقوم بدور الوسيط بصفة عامة لإسرائيل تأتى ألمانيا الغربية فى المقام الأول ثم تليها إيطاليا.
ومن المؤكد أن الاتحاد السوفيتى الذى كان يرصد كل صغيرة وكبيرة للتحركات الأمريكية على الساحة الأوروبية – آنذاك- قد تابع مسار هذه الشحنة كما تابع غيرها واكتشف محتوياتها. ولم تغب عن أعين عناصر مخابراته منذ خروجها من الموانئ الأمريكية ووصولها الموانئ الألمانية، ثم راقبها حتى وصلت إلى محطتها الأخيرة فى إسرائيل.. فرصد ومتابعة تحرك المعدات والقوات العسكرية كانت من أهم سمات ومتطلبات المواجهة بين الدولتين العظميين خلال حقبة الحرب الباردة. ولذا نعتقد فى أن الاتحاد السوفيتى كان المصدر الأساس للمعلومات التى حصلت عليها مصر والخاصة بشحنة الأسلحة لإسرائيل.
وللحديث بقية