كانت حادثة إسقاط المقاتلة الروسية من سلاح الجو التركي في السماء السورية نهاية العام 2015، نقطة تحول في علاقة الفصائل السورية و تركيا.
فتلك الحادثة تسببت في تراجع كبير في المكاسب التي حققتها الفصائل السورية المسلحة، بل كانت أيضاً بداية لتحجيم سيطرة الفصائل على أجزاء واسعة من البلاد، وذلك نتيجة للتقارب التركي-الروسي.
فقد قدمت أنقرة حينها، الكثير من التنازلات في الملف السوري من أجل إصلاح العلاقات مع موسكو بعد تلك د.الحادثة.
ومن هنا انفجرت الأوضاع بين الفصائل وتركيا، وحدث شرخ كبير في العلاقة بين الطرفين.
كما اكتمل التوتر بعد الاعتداءات العنصرية على اللاجئين السوريين في عدة ولايات تركية وعدد كبير منهم من الفصائل، إضافة إلى تصريحات الرئيس التركي عن رغبته في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد وتطبيع العلاقات مع دمشق، فهذا الأمر اثار جنون الفصائل المسلحة السورية خاصة مع هيئة تحرير الشام.
كل هذه الأمور جعلت تركيا هدفاً لانتقادات واسعة من قبل الفصائل.
سبب التراكمات بينهم
في الأعوام التسع الأخيرة، كانت هذه التراكمات، التي تسجلها الفصائل على تركيا، معتبره إياها عبثت في الملف السوري باستخدام تضحياتهم لمصالحها ومصالح الدولة التركية، توسع الشرخ بين الفصائل المسلحة وتركيا، وتلك التراكمات تمثلت بالأمور التالية.
مشاركة تركيا في أستانة
إذ بدأت روسيا في بداية عام 2017 مسار أستانة، وهو مسار تقني و ميداني و عسكري يهدف إلى إنهاء مسار جنيف التفاوضي الأممي، ونجحت بالتدريج في تحقيق ذلك.
وانضمت تركيا إلى هذا المسار، وأدى دورها إلى الضغط على الفصائل للجلوس على طاولات الحوار خلال نحو 20 جولة.
ولم يسفر هذا الحوار إلا عن تراجع سيطرة الفصائل المسلحة على الأرض نتيجة للتفاهمات التركية-الروسية، خاصةً في ما يتعلق باتفاق مناطق خفض التصعيد الأربع. على الرغم من كون تركيا هي الضامن للمعارضة المسلحة في هذا السياق، إلا أن روسيا تخلت عن الاتفاق وفرضت سيطرتها على المناطق الأولى (دمشق ومحيطها)، والثانية (حمص ومحيطها)، والثالثة (درعا والقنيطرة ومحيطهما)، مما أدى إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين وتحويلهم إلى نازحين في ظروف.
وفي عام 2018، توسعت المعارك في منطقة خفض التصعيد في إدلب ومحيطها.
مرتزقة
إذ دفعت تركيا بعدد كبير من العناصر التابعة لفصائل الجيش الوطني إلى القتال كالمرتزقةً إلى جانبها وفي مناطق نفوذها في أرمينيا وليبيا، هذا الأمر أدى إلى مقتل العديد من العناصر السوريين على جبهات القتال هناك.
الهيمنة على القرار
إذ أصبح ما يسمى ب "الجيش الوطني السوري" وهو أحد الوحدات المقاتلة في الجيش التركي، وتحت سيطرة أنقرة التامة.
وهذا التوجه انعكس في عدم تدخل الفصائل لمواجهة الخروقات التي قام بها الروس على مناطقهم، وذلك وفقاً لتعليمات أنقرة.
كما أن الفصائل، بما في ذلك الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، أصبحت تتحرك وفق الأجندات التركية، حيث دفعت أنقرة بترشيح رئيس للحكومة المؤقتة من القومية التركمانية، وهو ما واجه انتقادات لكونه تركيا أكثر من كونه سوريا.
الملف السوري
إذ استخدمت تركيا الملف السوري أداةً سياسية لتحقيق المصالح، حيث يلعب أردوغان دورا مهما في علاقاته بين الغرب والشرق من خلال ملف سوريا.
و باتت أنقرة تستخدم هذا الملف كورقة مساومةٍ بين حليفها الروسي والغرب، وكذلك في المحيط الإقليمي والعربي.
ومنذ نحو أربعة أعوام، بدأت أنقرة تلوح بإمكانية فتح مسارات التفاوض مع النظام السوري الشرعي لتطبيع العلاقات، وقد بدأت بالفعل محادثات تقنية بوساطة روسية في هذا الشأن.
وتعتبر الفصائل هذا الأمر بمثابة تخلٍ من طرف أنقرة عنهم، والتلاعب بتضحياتهم لتحقيق مصالح لا علاقة لها بقضيتهم المزعومة.