نجحت المظاهرات الطلابية التى اندلعت فى بنجلاديش منذ بداية يوليو الماضى أن تستقطب إلى جانبها كل الفئات الاجتماعية الأخرى، لتسقط حكم رئيسة الوزراء الشيخة" حسينة واجد" المستمر نحوعشرين عاما، وتدفعها لمغادرة البلاد إلى الهند، وطلب اللجوء السياسى من الحكومة البريطانية، وتسيلم أمور البلاد إلى الجيش وإلى رئيس البلاد" محمد شهاب الدبن ". السبب المعلن للمظاهرات، التى تتشابه فى بعض الأوجه مع مظاهرات إعصار الربيع العربى العاصف، هو مجموعة من المطالب الإصلاحية التى بدأت بالدعوة إلى إلغاء نظام الحصص فى وظائف الخدمة المدنية، وإلغاء حظر التجول وإقالة وزير الداخلية، ووقف التعرض الأمنى للمتظاهرين داخل السلكين الأكاديمى والإدارى، ثم تصاعدت للمطالبة بسقوط الحكومة التى ترأسها الشيخة حسينة وإخراجها نهائيا من المشهد السياسى .
وكانت رئيسة الوزراء قد خصصت ثلث تلك الحصص لأقارب المحاربين القدامى فى الحرب من أجل استقلال البلاد عن باكستان عام1971، فتم اتهامها بمنحها للأقارب وللموالين لها ولحزبها "رابطة عوامى ". وطوال نحوشهر من المظاهرات واشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن،تصاعدت عمليات تخريب المنشآت العامة والخاصة،وهدم المحال التجارية للسيخ وحرق معابدهم،وهم يشكلون نحو 8% من عدد السكان البالغ تعدادهم 170مليون نسمة، 60% منهم من الشباب.
وكان نظام الحصص معمولا به منذ بدايات الاستقلال وألغى فى العام 2018 وأعادت الشيخة حسينة العمل به مؤخرا من جديد. ورغم استجايتها لإعادة النظر فى النسب المخصصة لمن اتهمت بأنهم من الموالين لها ولحزبها، إلا أن المظاهرات استمرت واتسمت بالعنف،وقتل خلالها نحو 400 شخص بينهم رجال شرطة. كما أعلن الطلاب التوجه نحو العصيان المدنى،وهو مايعنى أن السبب الذى أدى إلى موجات التظاهر،كان عنوانا للائحة أخرى من الاتهامات التى ُوجهت إلى حكومتها، لاسيما بعد أن اعتقلت قادة الجناح الطلابى لحزب الجماعة الإسلامية وكانت قد حظرته . ويشكل هذا الحزب الفرع البنغالى لجماعة الإخوان، والامتداد للجماعة الإسلامية الباكستانية لمؤسسها فى العام 1941 أبو الأعلى المودودى،وهو من أكبر الأحزاب فى البلاد،وأكثرها ثراء لما يملكه من شركات استثمارية وجامعات ومدرارس فى أنحاء البلاد.
وكانت الحكومة قد أعدمت خلال السنوات الأخيرة 6 من رموز الجماعة الإسلامية، وصادرت بيوتهم وأموالهم، بعد أن أدينوا بارتكاب مجازر بحق الهندوس،أثناء حرب الاستقلال عن باكستان فى السبعينات، والتى كانت الجماعة تعترض عليها،ويحارب أعضاؤها جنبا إلى جنب مع الطرف الباكستانى.ولأن لدى الجماعة خطابا لكل موقف،كما هى العادة، فقد ظهرت فى بنجلادش بعد الاستقلال، و؟اسست عام 1979 حزبا، وعملت واسثمرت لتصبح قوة اقتصادية هائلة فى البلاد !
على رأس بنود لائحة اتهامات المتظاهرين، زيادة أعداد العاطلين ليصلوا إلى نحو 18 مليون عاطل من خريجى الجامعات وارتفاع الأسعار بجانب ارتفاع مماثل فى معدلات التضخم والفقر و الغلاء، وغلق عدد من المصانع والشركات،وشيوع الفساد، وإغلاق المجال السياسى العام وانتهاك الحريات العامة والاعتداء على حقوق الإنسان ،وقمع المعارضين وفتح السجون لاعداد هائلة منهم،وإعداد إبنها لكى يخلفها فى رئاسة الحكومة بعد تقاعدها.
وصلت نسبة النمو فى بنجلادش فى فترة حكم الشيخة حسينة إلى 7% لتصبح فى المرتبة السابعة لأسرع الاقتصاديات نموا فى العالم، وخفضت نسبة الفقر، وزادت أعدا دالمتعلمين من الجنسين ووفرت حماية عملية وتشريعية لحقوق النساء،وأصبحت الدولة من أكبر المنافسين فى السوق العالمية فى مجال صناعة الملابس، لكن كل ذلك لم يمنع من ارتفاع معدلات الفقر. وتطرح التطورات التى آلت إليها الأوضاع فى بنجلادش عددا من الإشكاليات،فى مقدمتها:ما مدى قدرة النظام البرلمانى السائد فى بلاد حافلة بالتعدد الدينى والثقافى والقومى على تحقيق الأمن الاجتماعى والتوزيع العادل لعوائد النمو وإحداث الاستقرار السياسى لبلاد عالية الكثافة السكانية ؟ وماهى قدرة رئيس الحكومة الانتقالية العائد من منفاه،الاقتصادى العالمى "محمد يونس "على الحفاظ على الطبيعة الحداثية والعلمانية لنظام الحكم،وتحقيق التوزان الاقتصادى، وهو القادم من مدرسة التعاون مع صندق النقد والبنك الدوليين من جهة ؟ ومن جهة أخرى مع التحالف الوثيق بين حزب الجماعة الإسلامية ، مع الحزب القومى البنغالى العنصرى المحافظ،بقيادة رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء الذى من المرجح خوضه الانتخابات المقبلة ؟
تلك اسئلة ستظل مطروحة فى الساحة السياسية فى بنجلاديش حتى تجرى الانتخابات العامة خلال الثلاثة اشهر القادمة بعد حل البرلمان، وستبقى مطروحة داخل الساحة البنغالية وخارجها بعد انتهائها.
أمينة النقاش
آراء حرة
فى أحداث بنجلادش.. فتش عن الجماعة الإسلامية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق