في خطوة جديدة نحو تحويل كوكب المريخ إلى بيئة يمكن أن تستوعب الحياة البشرية، اقترح الباحثون تقنية هندسية مبتكرة تهدف إلى تدفئة الكوكب الأحمر. نُشرت هذه الدراسة في مجلة *Science Advances*، حيث يستعرض العلماء كيفية تصميم قضبان صغيرة من غبار المريخ قادرة على حبس الحرارة داخل الغلاف الجوي للكوكب. هذه الاستراتيجية تمثل خطوة واعدة نحو تحقيق هدف إعادة تشكيل المريخ أو تعديله ليصبح أقرب إلى بيئة الأرض، وبالتالي أكثر ملاءمة للبشر.
يعيش كوكب المريخ في حالة من البرودة الشديدة، حيث يبلغ متوسط درجة حرارة سطحه حوالي 85 درجة فهرنهايت تحت الصفر، وهو ما يجعل من المستحيل على رواد الفضاء البقاء على قيد الحياة في ظروفه الحالية. إلا أن الباحثين يرون أن الفجوة بين ما هو عليه المريخ الآن وبين أن يصبح بيئة صالحة للحياة قد تكون أقل اتساعًا مما كان يُعتقد في السابق.
منذ مليارات السنين، كان المريخ أكثر دفئًا ورطوبةً، وكان يمتلك غلافًا جويًا أكثر سمكًا، ما جعله بيئة أكثر ملاءمة للحياة. أما اليوم، فإن الحياة كما نعرفها على الأرض لا يمكنها البقاء هناك. درجات الحرارة على المريخ تتراوح بين 75 درجة فهرنهايت تحت الصفر في النهار و225 درجة فهرنهايت تحت الصفر في الليل، والغلاف الجوي الرقيق للكوكب، الذي يتكون في معظمه من ثاني أكسيد الكربون، لا يحتفظ إلا بالقليل من حرارة الشمس. كذلك، فإن الضغط الجوي على المريخ يمارس جزءًا بسيطًا من الضغط الجوي على الأرض، مما يعني أن البشر سيحتاجون إلى ارتداء بدلات فضائية على السطح للبقاء على قيد الحياة.
الماء أيضًا لا يستطيع البقاء على سطح المريخ لفترات طويلة بسبب الغلاف الجوي الرقيق، مما يجعل العثور على موارد المياه العذبة أمرًا صعبًا. إلا أن جليد الماء يمكن أن يوجد تحت السطح في المناطق القطبية من الكوكب.
في محاولات سابقة، درس العلماء كيف يمكن رفع درجة حرارة المريخ لجعله بيئة أكثر ملاءمة للحياة. إحدى النظريات كانت تستند إلى تعزيز الغلاف الجوي للمريخ بمركبات تحتجز الحرارة، مما يخلق تأثيرًا يشبه البيت الزجاجي. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة لم تُنفذ نظرًا لعدم توفر مركبات كافية على سطح المريخ لتحقيق ذلك.
الدراسة الجديدة تقترح استخدام مادة شائعة بالفعل على المريخ لتسخين الغلاف الجوي. فكرة الباحثين تعتمد على تصميم قضبان نانوية صغيرة مصنوعة من الألومنيوم والحديد المتوفرين بكثرة في غبار المريخ. هذه القضبان ستسمح لأشعة الشمس بالمرور لكنها ستحتجز الحرارة المتصاعدة، مما يؤدي إلى تدفئة الكوكب. بحسب الحسابات التي أجراها العلماء باستخدام النمذجة الحاسوبية، يمكن لهذه القضبان أن ترفع درجة حرارة المريخ بشكل فعال، مما يجعلها أكثر كفاءة بمقدار 5000 مرة من الاستراتيجيات السابقة.
في النهاية، قد تساهم هذه الخطة في زيادة الضغط الجوي على سطح المريخ، حيث سيذوب ثاني أكسيد الكربون المحتجز في الجليد بفعل الاحترار، مما يطلق الغاز في الغلاف الجوي ويعزز هذه العملية بشكل طبيعي. هذا التطور يمكن أن يكون خطوة حاسمة نحو تحقيق حلم تحويل المريخ إلى كوكب صالح للحياة.