"مزيكا ورقص شرقي"، هكذا اشتهرت الأفراح المصرية قديما، من الأمراء حتى البسطاء والطبقات الشعبية، وكانت الراقصات أغلبهن مصريات، لأن مصر هي البلد الذي أبدع الرقص الشرقي وتفنن فيه، حتى أبدع فيه الكثير من الفنانات وأصبح لكل واحدة منهن مدرستها الخاصة في الأداء، ولكن، خلال السنوات الماضية، انتشر عدد من الراقصات، سواء الأجنبيات أو المصريات، واللاتي أسأن للمهنة باستعراضهن أجسادهن فقط بطريقة مبتذلة وفاضحة، دون تقديم فن راقٍ، حتى أن بعضهن تورطن في قضايا مخلة بالآداب، ما تسبب في انتشار سمعة سيئة عن ذلك الفن الراقي.
«البوابة نيوز» تفتح ملف فن الرقص الشرقي، وتقدم نبذة عن رائدات ذلك الفن اللاتي أصبحن علامات ووصلن به إلى العالمية، وطالب بعض الراقصات بإنشاء رابطة للقرص الشرقي، لحماية الفن من الدخيلات عليه.
تحية كاريوكا
من أشهر راقصات مصر، ولدت في الإسماعيلية عام 1915، واسمها الحقيقى بدوية محمد كريم، بدأت في ممارسة الرقص والغناء والتمثيل وهي في سن صغيرة، وسافرت إلى القاهرة وتعرفت على المغنية سعاد محاسن، ثم ذهبت إلى بديعة مصابني بعد سفر المغنية سعاد إلى الشام وحينها اكتشفتها الراقصة بديعة مصابني وضمتها إلى فرقتها عام 1935.
ثم توجهت إلى السينما والمسرح بمساعدة سليمان نجيب الذي قام بمساعدتها وتنميتها ثقافيًا وسياسيًا وطورت تحية أسلوبها الخاص والفريد في الرقص ووضعت قواعده وحمل بصمتها، وهو الأسلوب الذي تأسست عليه مدرسة كاملة في الرقص الشرقي. وبدأت شهرتها عام ١٩٤٠ بتقديم رقصة الكاريوكا العالمية، وهى الرقصة التى التصقت بها بعد ذلك حتى أنها لازمت اسمها.
سهير زكي
أول من رقصت على أغاني أم كلثوم. ولدت في مدينة المنصورة، ثم سافرت إلى الإسكندرية، حيث عرفت الشهرة ثم اتجهت إلى القاهرة ورقصت في برنامج أضواء المسرح وفي أماكن السهر، وشاركت في أكثر من خمسين فيلما كراقصة وممثلة.
ورقصت أمام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، كما رقصت في حضور شاه إيران السابق، كما زارت موسكو بدعوة من الجنرال أندري جريتشكو وزير الدفاع السوفيتى إبان حكم الرئيس بريجينيف.
نعيمة عاكف
ولدت في مدينة طنطا، وكان والدها يمتلك سيركا، يقدم عروضه خلال ليالي الاحتفال بمولد السيد البدوي، وخرجت نعيمة إلى النور لتجد نفسها بين الوحوش والحيوانات والألعاب البهلوانية مثل أبيها وأمها وأسرتها.
وقدمت فن الرقص والغناء والمونولوج والتمثيل ثم انتقلت إلى ملهى الكيت كات الذي كان يرتاده معظم مخرجي السينما، فالتقطها المخرج أحمد كامل مرسي وقدمها كراقصة في فيلم "ست البيت" ومنه اختارها المخرج حسين فوزي لتشارك في بطولة فيلمه العيش والملح.
وحصلت نعيمة عاكف على لقب أحسن راقصة في العالم من مهرجان الشباب العالمي بموسكو عام 1958 ضمن خمسين دولة شاركت في هذا المهرجان.
سامية جمال
ولدت في محافظة بني سويف واسمها الحقيقي زينب خليل، ظهرت في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، وبدأت حياتها الفنية مع فرقة بديعة مصابني حيث كانت تشارك في التابلوهات الراقصة الجماعية.
وفي عام 1943 بدأت بالعمل في مجال السينما حيث شكّلت ثنائياً ناجحاً مع الفنان فريد الأطرش في عدة أفلام وقدّمت على أغنياته أحلى رقصاتها.
وعملت سامية جمال من خلال ممارستها للرقص الشرقي لسنوات طويلة على تطوير أسلوب خاص بها، حيث تميز رقصها بالمزج بين الرقص الشرقي والرقصات الغربية، كما ركزت في رقصها على تقديم حالة من الانبهار للمتفرج من خلال الملابس والموسيقى والإضاءة والتابلوهات الراقصة.
نجوى فؤاد
ولدت في حي الجمرك بمدينة الإسكندرية وعملت كراقصة في الصالات ثم مزجت بين الرقص والتمثيل وشاركت في بطولة العديد من الأفلام.
وكانت أول فرصة حقيقية عندما وقعت عقد فيلم ملاك وشيطان مع المنتجين صلاح ذو الفقار وعز الدين ذو الفقار، وشكَّل الفيلم نقلة نوعية في مشوارها السينمائي، كما قدمت استعراضات راقصة من ألحان محمد عبد الوهاب منها «قمر 14» و"ليلة الدخلة".
فيفي عبده
أول راقصة ترقص بالجلباب الأبيض على المسرح من خلال مسرحية "حزمني ياه"، بدأت حياتها راقصة فنون شعبية بفرقة عاكف، وقد هربت من أهلها حين عارضوا فكرة عملها في مجال الرقص ورقصت أمام رؤساء دول العالم.
ظهرت للمرة الأولى في السينما بأدوار صغيرة وكان أول عمل فني فعلي لها في فيلم من عظماء الإسلام عام 1970، ثم توالت أدوارها في السينما.
لوسي
ولدت في شارع محمد علي، وبدأت كراقصة في حفلات الزفاف والملاهي الليلية، ثم قدمت عدة أدوار صغيرة حتى عملت في التليفزيون والسينما، حيث قدمت أول أعمالها في مسلسل (ليالي الحلمية) الجزء الأول عام 1987. في عام 1997 لعبت بطولة فوازير رمضان (أبيض وأسود).
ورغم مسيرتها الفنية إلا أن موهبتها الحقيقية في التمثيل بعيدا عن الرقص تجلت في فيلم (سارق الفرح) عام 1995. حصلت على جائزة التمثيل في مهرجان الإسكندرية عام 1996.
دينا
ولدت في إيطاليا، احترفت الرقص وهي شابة صغيرة وكان عمرها 15 عامًا، حيث كانت في مرحلة الثانوية العامة، وانضمت لفرقة رضا الاستعراضية، تخرجت في كلية الآداب قسم الفلسفة جامعة عين شمس.
بدأت شهرة الراقصة دينا في تسعينيات القرن العشرين وكانت بدايتها في الرقص في المرحلة الثانوية حافظت على موقعها في المقدمة رغم زحام الراقصات اللبنانيات والروسيات وقلة من المصريات في مصر.
الحل.. رابطة للراقصات لإنقاذ المهنة
فيفي عبده: فن راقٍ على من ينتمي إليه الالتزام بمعاييره وضوابطه
لوسي: الرقص أصبح على الطبلة فقط.. ونفتقد للمزيكا
نبيلة عبيد: رقصت في أفلامي بأسلوب يهدف لتقديم فن يحترم الجمهور
محمود قاسم: المنتشرات على السوشيال ميديا أسأن للمهنة وأصبحت في تدهور وانحطاط
مع حدوث الكثير من الأزمات داخل مهنة الرقص الشرقي، بسبب الدخيلات عليه من المصريات والأجنبيات، يبحث المهتمون بذلك الفن عن حلول لإنقاذه وعودته كما كان معبرا عن الثقافة الشعبية المصرية، ومن أبرز تلك الحلول إنشاء رابطة للرقص الشرقي، تفرض سيطرتها على ذلك المجال، وتنقي المهنة من الدخيلات عليه.
وقالت الفنانة الاستعراضية فيفي عبده: إن الرقص الشرقي فن راقٍ للغاية، ومعترف به مثل باقي الفنون، ومصر هي البلد الذي خرج منها الرقص الشرقي والتاريخ أثبت ذلك منذ قدماء المصريين.
وأشارت في تصريح خاص لـ"البوابة"، أن كل ما ينتمي إلي هذه المهنة ينبغي الالتزام بمعاييرها وضوابطها، مؤكدًة أنه خلال الفترة الماضية انتشرت راقصات يسئن إلي المهنة ولم يلتزمن بمعايير الرقص وينبغي عليهن الابتعاد عنها وتركها لعدم تشويه صورة الرقص الشرقي.
وطالبت فيفي عبده، بضرورة وجود رابطة تحكم الرقص الشرقي ووضع معايير له وأسس تُختار عليها الراقصة، وقالت إنها منذ زمن بعيد وهي تنادي بذلك، ولكنها كانت مشغولة في عملها وغير متفرغة للحديث عن هذا المطلب، ولكن الآن ومع انتشار ما يسمي ب"أشباه الراقصات" وُجب الحديث والسعي للحفاظ علي المهنة وأساسياتها.
بينما قالت الراقصة لوسي، إنها لا تشاهد الراقصات اللاتي انتشرت خلال الفترة الماضية علي مواقع التواصل الإجتماعي لأنهن لا يمتن للرقص الشرقي بصلة.
وأضافت لوسي في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أنها لا تتابعهن على الإطلاق، وأنها خلال الأيام الماضية كانت مدعوة في أحد الأفراح ووجدت راقصة لم تعرف اسمها ولكن كانت ترقص بشكل جيد وقامت بالرقص معها.
وتابعت: "لم أر أي تدهور في الرقص الشرقي وليس الجميع يشبه الآخر، فهناك اختلاف في نوعية الرقص حاليا وفقا لاختلاف الأجيال والزمن وكل راقصة لها طريقتها الخاصة، منذ جيل الراقصة الكبيرة نجوي فؤاد وسهير زكي إلي جيلي وما بعدي وأيضا ليس هناك موسيقي جيدة وأصبح طبلة فقط والرقص الشرقي يفتقد المزيكا".
وقالت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد: إنها قدمت فن الرقص الشرقي في الكثير من أعمالها السينمائية مثل "الراقصة والسياسي" و"الراقصة والطبال" وغيرهما بأسلوب راقٍ يهدف إلي تقديم فن يحترم عقل الجمهور".
وأضافت في تصريحات خاصة لـ "البوابة"، أنها عاشقة للرقص الشرقي منذ طفولتها ولم تخضع لدورات رقص لتتعلم، فعندما كان عمرها 6 سنوات كانت تقف أمام المرآة وترقص، إلا عند مشاركتي في فيلم وأقدم به دور راقصة فكان العظماء إبراهيم عاكف ومحمد الموجي هم من تعلمت منهما كيفية الوقوف في البداية والنهاية وفقاً لطبيعة المشهد كانت الرقصة خاضعة لمخرج العمل.
وتابعت من الصعب في الوقت الحالي أن يعود قيمة الرقص الشرقي مثل ما قُدم زمان، متسائلة هل من الممكن أن تعود تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف وسهير زكي وفيفي عبده ونجوي فؤاد ؟ فبالتأكيد من المحال أن يعود هؤلاء العظيمات مرة أخري أو نجد مثلهن مرة أخري لأن الزمن تغير ونوعية الموسيقي تغيرت أيضًا.
ويقول الناقد الكبير محمود قاسم: "الرقص الشرقي يعد من أهم الفنون المعترف به علي مستوي العالم وهناك مدارس للرقص في عدد من الدول الكبرى مثل روسيا وأمريكا اللاتينية وجميع أنحاء العالم".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ البوابة"، أن الرقص الشرقي في الغرب له مقاييس ومعايير مهمة تُقاس بها أهمية الراقصة، أما في مصر فهناك راقصات من المحال تكرارها مرة أخري مثل تحية كاريوكا والبارعات نجوى فؤاد وسامية جمال فكن يجيدن المزج بين أنواع الرقص الشرقي والغربي، فكل راقصة منهن لها مذاقها وأسلوبها الخاص في الرقص.
وأشار إلى أن الراقصات المنتشرات على "السوشيال ميديا" خلال الفترة الماضية فتعد ظاهرة سيئة للغاية وأسأن لمهنة الرقص الشرقي فأصبح الرقص الآن في تدهور وانحطاط عكس ما كان يُقدم زمان ولا يصح أن يطلقوا عليها اسم راقصة.