يبدأ الأقباط الأرثوذكس، اليوم الأربعاء، فترة صوم السيدة مريم العذراء، حيث يأتي بعد أسبوع من صوم الأقباط الكاثوليك، ويستمر لمدة 15 يومًا حتى يوم 22 أغسطس.
ويمثل هذا الصوم تكريمًا وتطويبًا لها، فيتحقق ما ذكر في إنجيل لوقا (فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني) لو48:1، ويرتبط هذا الصوم بالأديرة والكنائس الشهيرة التي تحمل اسمها.
ويذهب الزوار والمصلون والعالم من كافة الأطياف من مختلف أنحاء مصر إلى هذه الأدير والكنائس وتصل أعدادهم إلى الملايين فيذهبون لنوال بركة هذه الأماكن.
ومن أشهر تلك المعالم دير المحرق بالقوصية، دير جبل الطير بالمنيا، وفي دير المحرق ينطلق أشهر موالد السيدة العذراء مريم، وتعد هذه البقعة المقام عليها الدير آخر مكان وصلت له العائلة المقدسة في مصر قبل أن يعودوا إلى الأرضي المقدسة.
ويُعتبر الصوم من الدرجة الثالثة من بين أصوام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويسمح به أكل الأسماك، بالإضافة إلى الأكلات النباتية ويمنع أكل اللحوم والألبان وكل المنتجات الحيوانية كباقي الأصوام.
وعلى الرغم من أن الصوم من الدرجة الثانية إلى أنه يحظى بمكانة كبيرة في القلوب، وذلك يرجع لمكانة السيدة مريم العذراء في ذاتها لدى المصريين، فقد وطأت قدميها أرض مصر وتجولت في شوارعها، وتجلت في سمائها عدة مرات؛ لذلك مكانتها كبيرة وذكرياتها ما زالت محفورة فى أذهان شعب مصر، لذلك إحياء ذكراها أمر اعتاد عليه المصريون في أي مناسبة ترتبط باسمها، وتحقق قولها في الكتاب المقدس (فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني) لو48:1.
ويترأس الأنبا يؤانس، أسقف أسيوط طوال شهر أغسطس دورة يومية بالدير مع شمامسة الدير يحملون أيقونات السيدة مريم العذراء والسيد المسيح، وتستمر حتى عقب إنتهاء فترة الصوم سنويًا.
كما ينظم دير درنكة فعاليات احتفالات يومية خلال فترة صوم السيدة مريم العذراء، تتمثل فى قداسات يومية، ونهضة روحية مسائية يشارك بها عدد من أسقفية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما يترأس الأنبا يؤانس تسبحة نصف الليل مع الأقباط الزوار لترتيل مدائح وتراتيل العذراء احتفالها بصومها السنوي.
وقال القس مارتيروس جمال، كاهن كنيسة السيدة العذراء مريم ورئيس الملائكة ميخائيل بديروط يقول لـ "البوابة نيوز"، إنه بالطبع قيمة ومكانة السيدة العذراء في الكنيسة القبطية أمر لا يحتاج إلى دليل، فمعظم الكنائس القبطية على اسم العذراء، وحتى الكنائس التي لا تحمل اسم العذراء بها مذبح على اسمها، كما أنها تأتي دايما في مقدمة القديسين المتشفع بهم في القداسات وصلوات الكنيسة والمتنوعة.
وأضاف، كما أن كم الأعياد الخاصة بالعذراء في الكنيسة القبطية، تظهر قدر التكريم المقدم لها، فتحتفل الكنيسة بعيد ميلادها، وعيد دخولها إلى الهيكل، وعيد نياحتها، وعيد إصعاد جسدها، وقد خصصت الكنيسة يوم 21 من كل شهر قبطي تذكارًا لها، كما أن أعياد البشارة، والميلاد، والختان، ودخول المسيح الهيكل، ودخول المسيح مصر، هي أعياد تمثل السيدة العذراء بها عنصر أساسي، ولا ننسى أن للكنيسة القبطية الدور الأبرز في الدفاع عن مكانة السيدة العذراء، ضد بدعة نسطور الذي أنكر عليها لقب والدة الإله، الأمر الذي تصدى له البابا كيرلس الأول.
وأوضح، أن النقطة الأخيرة التي يجب الإشارة إليها في هذا الصدد، وهي رغم التكريم والتبجيل الكبير الذي يقدم للسيدة العذراء، إلا أن الكنيسة، لم تضعها موضع العبادة، ولم تقل إنها فوق الطبيعة البشرية، بل هي إنسانة تحت آلام مثلنا، وكانت في حاجة إلى الخلاص مثل كل البشر، تبتهج روحي بالله مخلصي، وفي أشهر لحن عن العذراء "افرحي يا مريم" تقول الكنيسة "افرحي يا مريم العبدة والأم، لأن الذي في حجرك الملائكة تمجده.
ولفت إلى أن صوم السيدة العذراء فعل عبادة يقدم إلى السيد المسيح، لكنه على أسم السيدة العذراء، وروعة هذا الصوم انه يكون فرصة رائعة للتأمل في فضائلها، والأرتواء من مدرستها الإيمانية والروحية، ولهذا الصوم مكانة كبيرة عند كل الأقباط بل وعند بعض أخواتنا المسلمين أيضًا، تكثر النهضات، والزيارات إلى أديرتها وكنائسها.
وأشار إلى أن وصوم السيدة العذراء من أكثر أنواع الصيام التي يحرص الشعب القبطي على تتميمه، بل أن بعض البسطاء يبدأون الصوم قبل بدايته بأسبوع حبًا في السيدة العذراء، لافتًا إلى أن تاريخيا صوم السيدة العذراء دخل إلى الكنيسة متأخرا، لذا لا نجد تغييرا في طقس الصلوات والقداسات، لكن يحرص على تلاوة الألحان والترانيم الخاصة بالسيدة العذراء، فلحن افرحي يا مريم يقال بعد صلاة الصلح، وفي النهضات تقال كل ألحان التماجيد الخاصة بها.
فيما يقول الباحث في التراث الشعبي أشرف أيوب، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، إننا نجد في هذا الصوم البعض ينذر أسبوع صيام إضافي قبل الصوم الأساسي، فيصومون 21 يومًا بدلا من 15 يومًا ويكون غذاء بعض الأقباط فى هذه المناسبة عيش ناشف وملح، ويمتنع البعض عن أكل السمك فيه رغم أنه مصرح بأكله، ويأكل البعض خبز وعنب فقط، ومعظم الأقباط وخاصة بالصعيد يتناولون وجبة تسمى "شلولو" وهي عبارة عن ملوخية ناشفة وماء وملح وتوم وليمون، ولا يأكلونها إلا فى صيام العذراء فقط.
وأضاف، يعبر التاريخ الشفاهي عن هذه الوجبة، حيث يقال إن العذراء أثناء رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، لم تلقى ما تأكله، فأعطاها البعض قليل من الملوخية الناشفة، فوضعت عليه ماء وتناولته، ويتندر البعض بهذه الوجبة: "شلولو " طبيخ الست على الفرشة، لسهولة إعداده وجرت العادة أن تهدي السيدات القبطيات هذا الطبق لجاراتهن المسلمات فى هذه الأيام مثل أطباق الكعك التي يهديها المسلمون للأقباط، وقديمًا كان الأقباط ومازالوا في فترة الصوم يعلقون صور العذراء على واجهات منازلهم وفي الشرفات، ويضعون أسفلها مصباحا مضيئا أو يثبتون حولها عقدا من النور، ولا نغفل تراث الأقباط الشعبي من احتفاظهم دائما بصور القديسين، وخاصة صور القديسة مريم، في حافظة نقودهم أو معلقة فى سيارتهم، ونرى صورة العذراء تزين منازلهم وغرفهم، وذلك للتبرك بها، وأيضًا يوجد الأيقونات الصغيرة المصنوعة من الذهب والتي يتحلى بها النساء كما توضع بجانب الأطفال حديثي الولادة كتميمة للبركة وحفظ المولود.
العدرا في القوصية
عاشت السيدة العذراء والسيد المسيح ويوسف النجار في مصر ثلاثة سنوات وقضت منها 6 أشهر و5 أيام في دير العذراء المحرق بمنطقة القوصية بأسيوط وهي أطول فترة قضتها العائلة المقدسة في مكان واحد، حيث عاشوا تلك الفترة في منزل مهجور هو نفس مكان الكنيسة الأثرية بالدير.
وأجمعت الكتب الكنسية المعترف بها في الكنيسة القبطية والكتب القديمة (الموثوق في صحتها) التي تطرقت للحديث عن العائلة المقدسة، واتفق الباحثون في شبه إجماع تقريبًا على أن العائلة المقدسة بعد ما ارتحلت من أورشليم إلى مصر وانتقلت بين عدة بلاد وقرى، حطَّت رحالها في قسقام وقد دلّت الدراسات على أن سفح جبل قسقام بمركز القوصية بأسيوط حيث كانت في ذلك الزمان، صحراء قفرة لا يسكنها أحد على الإطلاق، إلا أنه كان يوجد بيت مهجور من الطوب اللَّبن وسقفه من سعف النخيل ويقع على منحدر هضبة شرقية واسعة، وفي خارجه من الجهة الشمالية يوجد بئر ماء، والتجأت العائلة المقدسة إلى هذا البيت بتدبير إلهي استراحت فيه بعد عناء ومشقة الترحال، ولهذا المكان قدسية خاصة في نفوس المصريين مسيحيين ومسلمين.
وتنقسم أعياد العذراء مريم بشكل عام إلى الأعياد الميرمية الكبرى، ويبلغ عددها سبعة أعياد، وتأتي أهميتها من كون جميع الكنائس في العالم تحتفل بها، والأعياد المرتبطة بمراحل من حياتها، كالزيارة إلى أليصابات أو تقدمتها إلى هيكل سليمان، ويختلف الاحتفال بها حسب الرعايا والطوائف وحسب البلدان أيضًا، ثم الأعياد الخاصة بذكرى ظهورها أو طلب شفاعتها لبلد أو منطقة وتتميز بكونها محصورة في البلد والمنطقة وأحيانًا بالطائفة الخاصة بذلك أو الكنيسة المشادة على اسمها.
وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـ "أم النور" تسعة مرات فى العام، بالإضافة أن لها شهرًا خاصًا احتفاليًا في نهاية كل عام وهو شهر "كيهك" وذلك خلال الفترة من ثلث شهر ديسمبر إلى 7 يناير، وأعياد الكنيسة هى: (عيد البشارة 13 أغسطس، عيد ميلادها 9 مايو، عيد دخولها الهيكل 13 ديسمبر، عيد مجيئها مصر ومعها العائلة المقدسة، أول يونيو، عيد وفاتها 30 يونيو، عيد العذراء ومعجزة حل الحديد وهو يوم 21 من كل شهر قبطي، تذكارًا لنياحتها في 21 طوبة (الموافق يوم 30 يناير تقريبًا)، عيد ظهورها فى الزيتون على قباب كنيسة العذراء، وكان ذلك يوم 2 أبريل سنة 1968 واستمر على مدى سنوات ويوافق 2 أبريل).
وبالنسبة للمعالم الدينية فحملت العديد من الأديرة والكنائس في مصر اسم العذراء مريم تكريمًا لاسمها وتخليدًا لسيرتها، وبلغ عدد الأديرة التي تحمل اسم العذراء فى مصر 13 ديرًا، أربعة منهم للراهبات، ومثلها للرهبان، والخمس أديرة البقية هم أديرة أثرية، ويحرص الأقباط على زيارتها والصلاة فيها في كافة المناسبات، وذكرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر موقعها الرسمي الأديرة المعترف بها وهم كالاتي: (دير السيدة العذراء بدرنكة، دير جبل الطير بالمنيا، دير المحرق، دير العذراء السريان، دير البراموس بوادي النطرون، دير الحواويش، دير الحمام بالفيوم الجنادلة، دير العذراء والملاك ميخائيل ديروط، دير السيدة العذراء مريم العامر بجبل أخميم، دير البتول ملوي)، وبالنسبة للكنائس، يحصر الموقع الكنسي "تكلا هيمانوت" جميع الكنائس التي تحمل اسم "أم النور" في مصر حيث وصلت ما يقرب من 500 كنيسة.