الكلام عن جر المنطقة إلى حرب إقليمية كبرى، يمكن اعتباره كلاما للاستهلاك الإعلامي، لا إيران لديها تلك القدرة رغم أذرعها المتعددة في عدة عواصم عربية ولا إسرائيل ومن وراء إسرائيل يمتلك القدرة على شن الهجوم الواسع المتنوع، لذلك لابد من التعامل مع الموقف المتأزم الآن، ونحن نضع نصب أعيننا أن إسرائيل قررت ومنذ السابع من أكتوبر التعامل مع المنطقة بشكل عام ومع خصومها وفق منهج معركة الألف جرح، إسرائيل تمارس هذه المعركة يوميا ونحن نراها بأعيننا وبالرغم من ذلك يحلو لنا الكلام عن الهجوم الواسع المرتقب الذي لن يحدث، استطاعت إسرائيل وفق تلك السياسة الحربية أن تغتال ما يزيد عن 300 عنصر من حزب الله بينما يرد الحزب في خطاباته بكلام عن إسناد غزة ولم يتكلم عن خسائره التي نراها فادحة مقارنة مع حجم الحزب الساكن في جنوب لبنان.
معركة الألف جرح هي ذاتها هي معركة الاستنزاف التي خاضتها مصر ببسالة في الفترة من 67 حتى 73، وهي معركة أثبتت نجاحها في تكسير عظام الخصم، هذا هو ما يحدث معنا الآن فلا داعي أن نتفاخر بأننا ارهقنا جيش إسرائيل منذ السابع من أكتوبر حتى الآن، إسرائيل ماضية في خطتها تقصف الرقبة تلو الرقبة ونحن نرد بأننا أرهقنا جيشهم.
ومعركة الألف جرح ليست اختراع من عندي، ولكنها خطة معروفة ومدروسة بعناية في تل أبيب، يتركون لنا الشجب والتنديد بينما هم يتحركون على الأرض محققين المكسب تلو الآخر، وفي اغتيال إسماعيل هنية المثل النموذجي لأن هنيه لم يكن ضمن بنك أهداف العدو وأن الإشارات كلها كانت تتجه نحو اغتيال يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى، أما هنيه فهو الهدف الذي لم يخطر على بال المراقبين باعتباره المفاوض الأبرز وهو الذي يضمن عودة المختطفين الإسرائيليين من غزة، هنا اعتبرت إسرائيل أن هنيه هو مجرد جرح جديد تضيفه إلى الجراح التي نفذتها قبل ذلك، ولكن هذه المرة جاء الهدف مزدوجا أو كما نقول بمصر أن إسرائيل اعتبرت اغتيال هنية هو ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو إهانة إيران والثاني ضرب فكرة السياسي في منظمة حماس بمعنى أن مصطلح المكتب السياسي لحماس هو مصطلح مراوغ لأن في كل المفاوضات السابقة بخصوص وقف الحرب في غزة كانت الكلمة النهائية دائما تأتي من عند يحيى السنوار وأن المكتب السياسي ورئيسه إسماعيل هنية ما هو إلا واجهة ديكورية تصلح لتقديم التهنئة والعزاء في المناسبات العامة.
وبالنظر إلى المخطط الإسرائيلي في العدوان المتواصل نعرف أن قضية المختطفين لم تعد هي القضية رقم واحد على أجندتهم ولكن الثأر من حماس صار شغلهم الشاغل لأنه حسب التفسيرات ترى إسرائيل في تصرف حماس غدرا بها، خاصة وأن إسرائيل باركت الإنقسام الفلسطيني وهو ما منح حماس ما يقترب من عشرين عاما وهي على مقعد السلطة في غزة، هذا الغدر الذي تراه إسرائيل في صورة السابع من أكتوبر صار هو الهاجس اليومي لعصابة نتنياهو، لذلك هو يتمادى في غيه ويتفنن يوما بعد يوم في تطوير معركة الألف جرح، لا يعنيه عداد الموتى المتصاعد في غزة، لأنه مشغول بإعادة ترميم صورته، ومن هذا الترميم نكتشف كلمة السر في المفاوضات الفاشلة التي تمت خلال الأشهر الماضية، ولا أعتقد أن هناك ضوء في نهاية النفق، طالما العقيدة الحاكمة في إسرائيل تؤمن ب الإبادة الجماعية للفلسطينيين وطالما نرى على الجانب الآخر منظمة حماس وهي سعيدة بتراجع إسم فلسطين لصالح إسمها كجماعة دينية حكمت غزة.
آراء حرة
معركة الألف جرح
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق