الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

على فكرة.. ليس دفاعا عن محافظ سوهاج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من الطبيعى أن تسعى التيارات الدينية المتشددة لفرض أسلوب حياتها وسلوكياتها اليومية ونمط أزيائها وطريقة تفكيرها على المجتمع، رغم أنها تقاليد  مجلوبة لنا من خارج الديار، وغريبة على أنماط حياة المصريين، لكنها تمضى قدما فى طريقها،لكى تثبت،لمن تنقصه الأدلة،أنها باتت تحكم المجتمع المصرى، من رأسه إلى  أخمص قدميه. ولم لا ؟ طالما تمتلك القوة الكامنة فى المتاجرة بالدين لفعل ذلك وتكتسب القدرة على معابثة المشاعر الدينية التلقائية فى الوجدان الشعبى. 

 لكن من غير الطبيعى أن تصمت السلطات التنفيذية فى أعلى مستوياتها أن يجرى ذلك بالمخالفة للقانون والدستور وحتى للأعراف  السائدة والحس السليم.وكشفت المعركة الدائرة فى ساحات الاقتتال على وسائل التواصل الاجتماعى  وخارجها،حول تعنيف محافظ سوهاج لطبيبة  مستشفى المراغة المركزى، عن عمق هيمنة تلك التيارات وسطوة نفوذها  فى المجتمع.
محافظ سوهاج قام بعمله، وفاجأ مستشفى مراغة المركزى بالزيارة، فهاله حال الفوضى وانعدام النظافة وغيبة  التقاليد العادية فى أى مستشفى كأن يرتدى الأطباء الزى المميز لهم  وأن يمتنعوا عن التطبيق الحرفى للقانون فى الحالات الطارئة، وكلها أمور بديهية لا علاقة لها بنقص الإمكانيات والخلل العام السائد فى المنظومة الطبية، لكن علاقتها وثيقة بحالة اللامبالاة التى تسود بعض المرافق العامة،التى تقدم الخدمة للمواطنين، وبافتقاد الحكمة الواجبة أثناء تقديمها.
نعم،أخطأ المحافظ لأنه انتقد الطبيبة علنا أمام غيرها من المرضى والموظفين، واستخدم  كلمات قاسية لوصف امتناعها عن استقبال طفل مريض قبل أن،يدفع أهله ثمن تذكرة الكشف  حين وصفها بعدم الإحساس بالمسئولية وانعدام الضمير. لكن الجميع توقف أمام خطأ المحافظ، وتجاهل خطأ الطبيبة.اعتذر لها علنا رئيس الحكومة، وواصل وزير الصحة حملة الاعتذارات واستقبلها فى مكتبه، ولم يغب الأمر عن الجلسة العامة لمجلس النواب، حين اعتبرت إحدى عضوات البرلمان أن حملة الاعتذارات لطبيبة منتقبة كما قالت هى تأكيد أن مصر لا تفرق بين المواطنين  وتقدير قيمة المرأة. ولم يكن أمام المحافظ سوى ان  ينحنى أمام العاصفة،وأن ينضم إلى الحملة  ويستقبل الطبيبة فى مكتبه ويعتذر لها.وقدمت نقابة اطباء سوهاج  استقالتها احتجاجا على تصرف المحافظ وتضامنا مع الطبيبة، وتضامنت  النقابة العامة للأطباء  مع الاستقالة تمهيدا لاتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة للدفاع عن حقوق الطبيبة، وأكدت فى بيانها إدانتها للمحافظ، وكلها ضرورات انتخابية ملزمة ومعروفة،لكن تغيب عنها المسئولية المهنية  والأخلاقية أيضا. 
وفى حومة الاعتذارات والتضامنات والإدانات لم يتوقف أحد  لكى يقول لنا رأيه فى جوهر المشكلة: ألم يكن غضب المحافظ  مبررا ؟أولم تخطئ  الطبيبة  حين  قدمت أولوية تسديد ثمن الكشف، على تخفيف ألم المريض،لاسيما إن كان طفلا لحين دفع التكلفة ؟لقد سمى الطبيب حكيما لأجل الرحمة والحكمة والبراعة التى تنطوى عليها مهنته السامية. ولأجل هذا قدس الفراعنة المصريون مهنة الطب وبات لها أكثر من إله.
فى حملة  الاعتذارات الصاخبة  من قبل  السلطات التنفيذية وأهل المهنة فى نقابات الأطباء،لم  يدافع أحد عن حق المجتمع،ويتقدم لكى يلفت نظر الطبيبة،أنها حرة فى ارتداء النقاب فى الطريق العام،لكنها ليست كذلك أثناء ممارسة دورها كطبيبة. السبب واضح وضوح شمس أغسطس الحارقة،وهو أن قوى التطرف الدينى،باتت فوق سلطة القانون ولا شأن لها بحقوق المجتمع!