فى الوقت الذى أعلن البيت الأبيض الإثنين الماضي، أن المخاوف من اندلاع حرب شاملة فى الشرق الأوسط "مبالغ فيها"، إلا أنه بحلول يوم الأربعاء الماضي، لم يكن الأمر واضحًا تمامًا وربما كان الوضع مغايرا بعد اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية.
فقد أصبح الشرق الأوسط متقلبا، حيث يمكن أن يحدث أى شيء فى أى وقت، ويمكن أن يتغير الكثير فى غضون ٤٨ ساعة.
إرباك المعادلة الجيوسياسية
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه بالنسبة للرئيس الأمريكى جو بايدن، فإن الاغتيالات المتتالية لقائد حزب الله فى لبنان والزعيم السياسى لحماس فى إيران قد أربكت المعادلة الجيوسياسية مرة أخرى وأعادت النظر فى تقييم المخاطر.
والآن، بعد أن أصبح "بطة عرجاء متذمرة" بدون حملة انتخابية خاصة به - على حد وصف الصحيفة-، كان بايدن يأمل فى استخدام الوقت المتبقى له فى منصبه لإنهاء العنف فى قطاع غزة إلا أن هذا الهدف لم يعد سهلا بسبب عمليات القتل المستهدفة خلال الأسبوع الماضي، فعلى الأقل ليس فى الأمد القريب.
لكن فريق بايدن تعهد يوم الأربعاء بعدم الاستسلام، وواصل فريق من المفاوضين الأمريكيين فى روما السعى إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بينما التقى فريق آخر من المبعوثين الأمريكيين بمسئولين فى المملكة العربية السعودية لمناقشة التوترات الإقليمية.
يتوقع المسئولون الأمريكيون أن حزب الله وإيران قد يهاجمان إسرائيل ردًا على الاغتيالين، لكنهم يأملون فى منع دوامة العنف.
تشاؤم وصدمة
من جانبه قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومى فى البيت الأبيض: "إن هذه التقارير التى وردت خلال الساعات الأربع والعشرين أو الثمانى والأربعين الماضية لا تساعد بالتأكيد فى خفض درجة العنف، ولن أكون متفائلًا بشأنها".
وأضاف: "من الواضح أننا قلقون بشأن التصعيد، حتى فى الوقت الذى نسعى فيه إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار".
وصُدم كبار المسئولين فى البنتاجون والجيش بالاغتيال، وخاصة القرار بإصدار الأمر بتنفيذه فى العاصمة الإيرانية، وهى الخطوة التى تجعل من الصعب على إيران عدم الرد.
لكن أحد كبار الضباط العسكريين الأمريكيين، قال إنه فى حين يجب أن تشعر إيران بالحرج من الثغرة الأمنية غير العادية، فقد تكون أيضًا خائفة من الانخراط فى حرب شاملة مع إسرائيل.
جاء اغتيال إسماعيل هنية بعد أقل من يوم من غارة فى إحدى ضواحى بيروت أسفرت عن مقتل فؤاد شكر، أحد قادة حزب الله، ردًا على هجوم وقع نهاية قبل الأسبوع فى بلدة تسيطر عليها إسرائيل وأسفر عن مقتل ١٢ طفلًا ومراهقًا.
وأعلنت إسرائيل علنًا مسئوليتها عن هجوم حزب الله بينما لم تؤكد تورطها فى مقتل هنية، على الرغم من أن مسئولين أمريكيين اعترفوا سرًا بأن الإسرائيليين هم من نفذوا الهجوم.
ويقول مايكل كوبلو كبير مسئولى السياسات فى منتدى السياسة الإسرائيلية، وهى مجموعة بحثية وتعليمية تؤيد حل الدولتين: "كانت صفقة الرهائن محتملة وأن الحرب فى الشمال ليست كذلك، إلا أن الوضع تغير وكل هذا يوضح للمرة الألف مدى عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث".
إهدار الفرص
وكتب كوبلو على وسائل التواصل الاجتماعي، أن إسرائيل لم يكن لديها خيار سوى اغتنام أى فرصة تتاح لها لقتل هنية، بعد هجوم ٧ أكتوبر على إسرائيل، بحسب "نيويورك تايمز".
وأضاف: "الخطأ هنا ليس قتل هنية، بل إهدار الفرص لصفقة الرهائن، والتى أصبحت الآن أكثر ترجيحًا".
كان هنية من بين المفاوضين عن حماس فى محادثات وقف إطلاق النار، لكن صانع القرار الرئيسى كان يحيى السنوار، قائد المجموعة الذى يُعتقد أنه مختبئ فى غزة.
وقال محللون إن السنوار وهنية كانا يُنظَر إليهما على أنهما خصمان داخل حماس، وبالتالى قد لا يكون السنوار حزينًا كثيرًا، لكنه قد لا يزال يشعر بأنه مضطر لمقاومة أى اتفاق فى المستقبل القريب.
ويقول ناتان ساكس، مدير مركز سياسة الشرق الأوسط فى مؤسسة بروكينجز: "ما كان بالفعل عملية تفاوض وصنع قرار معقدة بين قادة حماس فى الخارج وفى غزة سيصبح الآن أكثر تعقيدًا". لا يزال هذا هو المفتاح لآمال إدارة بايدن الأوسع نطاقًا فى استقرار الوضع، وبالتالى من المرجح أن يظل هدفًا مركزيًا، على الرغم من الاحتمالات الأطول".
وأشار مسئولون فى الإدارة إلى أن مفاوضات وقف إطلاق النار استمرت على الرغم من الضربات الإسرائيلية السابقة ضد قادة حماس، بما فى ذلك الضربة التى استهدفت محمد ضيف، الزعيم الغامض للجناح العسكري لحماس، قبل أسبوعين ونصف فقط.
وقال روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن مثل هذه الاغتيالات تهدف فى الواقع إلى إبقاء ضغوط إدارة بايدن على إسرائيل لتفضيل الضربات المستهدفة ضد قادة حماس بدلًا من العمليات العسكرية واسعة النطاق التى تتسبب فى سقوط ضحايا من المدنيين.
وبينما قد يؤدى ذلك إلى زعزعة المحادثات، جادل ساتلوف بأنه قد يسهل على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب.
وأضاف: "من المؤكد أن هذا يمنحه الآن مساحة أكبر للمناورة والسؤال الآن هو هل سيسمح له الجانب الآخر بلعب هذه اللعبة أم سيصعدون؟.
كان بايدن عازمًا على تجنب حرب إقليمية منذ هجوم ٧ أكتوبر وتمكن من تجنبها فى أبريل بعد أن أطلقت إيران حوالى ٣٠٠ صاروخ وطائرة بدون طيار ضد إسرائيل ردًا على اغتيالها لقائد إيراني.
ويواجه الآن بايدن سيناريو تصعيد آخر، حتى مع تسليمه الراية لنائبته كامالا هاريس لتصبح المرشحة الديمقراطية للرئاسة.