تستعرض “البوابة نيوز” مشهد التحضيرات للاحتفال بإعلان البطريرك مار اسطفان الدويهي طوباويًّا من الصرح البطريركي في بكركي بحضور عميد مجمع القديسين الكاردينال مارتشيللو سيميرارو الذي وصل إلى مطار بيروت للمشاركة في قداس تطويب البطريرك إسطفان الدويهي في الصرح البطريركي في بكركي.
حيث يعتبر الموارنة البطريرك إسطفان الدويهي أعظم بطاركتهم شأنًا، وأول مرجع علمي في كتابة تاريخهم وتنظيم طقوسهم. ومن أحد كبار المؤرخين في العهد العثماني، وأبو التاريخ اللبناني الحديث، ورائد من رواد النهضة الفكرية في الشرق.
وهو البطريرك السابع والخمسون، ولد سنة ١٦٧٠ وتوفي سنة ١٧٠٤ ، له تأليف عديدة قيّمة من أهمها «تاريخ الأزمنة»، وسلسلة «البطاركة الإنطاكيين الموارنة» و«منارة الأقداس»، أعلن مكرماً في ٢٠٠٨، وأنجزت اللجان المختصة في الكرسي الرسولي في روما تحقيقها النهائي لإعلانه طوباوياً في ٢ اغسطس في الصرح البطريركي في بكركي.
وريادته تكمن في الإهتمام بالتربية وتوسيع التعليم في الوسط الماروني وتأسيس المدارس، واستمرارًا لنهجه أوصى المجمع الماروني سنة ١٧٣٦ على التعليم المجاني والإلزامي للبنات والصبيان، كما ساهم في نسبة الطلاب المرتفعة الذين أرسلوا الى روما لتلقي التعليم العالي في المدرسة المارونية، وتجميع التراث الماروني وأرشفته أكان في أوروبا من خلال أرشيف الفاتيكان، أو أكان في المخطوطات والمراسلات والأرشيف الموجود في لبنان. وفي «منارة الأقداس» إهتمام بالليتورجية فهو مؤسس للطائفة من الجانب الليتورجي والديني والعقيدي ومؤسس للوعي التاريخي عند الموارنة كونه من أوائل الذين كتبوا تاريخ الموارنة.
فالدويهي قام بمأسسة الكنيسة، فلم تعُد أفرادًا يديرون شؤونها. والمأسسة تجلت في مؤلفاته التاريخية والتربوية والكنسية الليتورجية إلى جانب ذلك تكمن أهميته أنّه كان محاورًا للطوائف، وخاصة الدروز الذين عاش في وسطهم في مجدل المعوش. والموارنة في زمنه توسعوا بإتجاه جبل لبنان، قبلها آخر نقطة للوجود الماروني كانت خط بكفيا - بيت شباب. ويعتبر الدارسون والمحللون أنّ انفتاحه على الطائفة الدرزية كان المدماك الأساسي للوطن ولفكرة الكيان، ففي القرنين السابع والثامن عشر إنتشر الموارنة ديموغرافياً وتوسع وجودهم نحو الشوف وعاليه وجزين والقليعة ومرجعيون وغيرها.
فضلاً عن علاقته الجيدة مع روما فقد عرف الإنفتاح على الغرب اللاتيني مع الحفاظ على الشخصية المشرقية الإنطاكية والدويهي طلب منه التعليم في الجامعات الأوروبية وكان خياره العودة لتعليم أبناء لبنان فهو كان رجل علم وثقافة وتقوى ومؤسسات ولعل يعود أسباب تقدّم الموارنة في مؤسساتهم على تنوّعها وخاصة التعليم الى الدويهي .
ولد في ٢ اغسطس ١٦٣٠ في إهدن، والده هو الشدياق إبن مخايل موسى ووالدته الحاجة مريم الدويهي، فقد أباه في الثالثة من عمره، ولما بلغ الحادية عشرة ، أرسله البطريرك جرجس عميرة(١٦٤٤+) إلى المدرسة المارونية في روما. دامت إقامته في روما أربعة عشر عاماً، حتى ٣ ابريل ١٦٥٥، درس فيها ما كان يدرسه طالب الكهنوت في ذلك الوقت، أي الفصاحة والمنطق والرياضيات والفلسفة واللاهوت، فضلاً عن اللغات العربيّة والسريانيّة والإيطاليّة واللاتينيّة واليونانيّة. بعد عودته الى لبنان رسمه البطريرك يوحنا الصفراوي(١٦٤٨- ١٦٥٦) كاهناً في ١٦٥٦. فنشط في التعليم والوعظ والتأليف والترجمة وإدارة شؤون الرعية. ثمّ أنشأ مدرسة مار يعقوب الأحباش قوامها ٤٠ تلميذاً تقريباً في وادي قاديشا. وأعدّ الكتب التعليمية المفيدة، منها قاموس سرياني - عربي، وكتاب عن الرتب الطقسية والأسرار الكنسية.
وبعد عودته من روما أيضاً تسلّم براءة قبوله في عداد مرسلي الإيمان، لتزويد الكرسي الرسولي في روما تقارير عن نشاطاته. وبسبب ظلم الأتراك، إنتقل من وادي قنوبين مقر إقامته الى بلاد كسروان تحت حكم الأمير قرقماز وأحمد آنذاك حيث يعمّ الأمن والسلام، فتابع زخم نشاطه في التعليم ومع الرعية وفي التأليف فأنجز كتابه «منارة الأقداس».
بعدما أمضى سنة في جعيتا من بلاد كسروان عاد الى الكرسي البطريركي في قنوبين في زمن تولي البطريرك البسبعلي، وعاد الى تولي مدرسة مار يعقوب الأحباش. وعمل على تأسيس مدرسة مار يوسف في إهدن.
وقنوبين، هو الوادي المتفرّع من الوادي الكبير قاديشا أو المقدس في السريانية، رغم هويته المارونية لم يقتصر الحضور الروحي فيه على الموارنة، كان منفتحاً على كل من يريد التأمل والتقرّب من الخالق، ففيه آثار حبشية، وسريان أورثوذكس أو اليعاقبة. غير أنّ الهوية المارونية ترسخت من خلال وجود الكرسي البطريركي في سيدة قنوبين لمدة٤٠٠ سنة، وكان مركزًا للسلطة الدينية، قصده المستشرقون، وسفراء الدول، والرحالة الذين دونوا مشاهداتهم.
وقد توسعت فيه الحياة الرعوية منذ سنة ١٤٤٠م، حيث نقل البطريرك يوحنا الجاجي كرسيه من دير سيدة إيليج في ميفوق الى قنوبين التي تعني عيش الجماعة (رهبان،بطاركة، العوام) وبدأت تتشكل الاعياد الشعبية وأولها عيد تجلي الرب في غابة الأرز، وبدأ الناس يؤلفون اناشيد شعبية تعبر عن هذا الجو : «بطركنا لصوتو مسموع/ جايي عالأرز يصلي/ ومطرح م تجلى يسوع يركع وطلوع يعلي». من هنا الارتباط بين الوادي وغابة الارز كامتداد شعبي وجغرافي وروحي للجماعة التي عاشت في هذه المنطقة.
وفي العودة الى «منارة الأقداس» بفضله إحتل الدويهي بين علماء الليتورجيا في الشرق المسيحي مركزاً مرموقاً، من حيث ترتيبه وغنى محتواه وتنظيمه المنهجي في تفسير وتنظيم الطقوس والليتورجيا الكنسية المارونية.
ومن مؤلفاته التاريخية كتاب «تاريخ الأزمنة» يقول الخوري ناصر الجميل في مؤلفه «البطريرك إسطفان الدويهي: حياته ومؤلّفاته»:
«يعتبر كتاب «تاريخ الأزمنة» من أهمّ مؤلّفات الدويهي التاريخيّة، وهو مرجع أساسي لتاريخ الشرق الأدنى في عهود العرب والصليبيين والمماليك والعثمانيين. شرع بجمع موادّه منذ كان كاهنًا، وهو يتضمّن، بصورة متنوّعة الأحداث السياسيّة والكنسيّة منذ بدء الإسلام حتّى عام 1699. جمعها وصنّفها بشكل حوليّات وفقًا لتسلسل السنوات. بالنسبة إلى المرحلة القديمة من التاريخ اللبناني، يستند الدويهي إلى مؤلّفات جبرائيل ابن القلاعي وإلى مصادر أخرى، يغلب الشكل على مضمونها. أمّا المهمّ في هذا المؤلّف فهو المعطيات التاريخيّة عن البطاركة والأساقفة والكتّاب والأديار والعلاقات مع الغرب. وقد أضاف إلى كلّ ذلك مستندات بالغة الأهمية». و«الدويهي هو أوّل مؤرخ لبناني عني بتاريخ لبنان، بكامله، الموارنة والدروز، الشمال والجبل والجنوب والساحل، وبخاصّة بالتاريخ المدنيّ. إلاّ أنّه لم يسترسل في تفسير علائق المقاطعات الواحدة بالأخرى أو غير ذلك من الموضوعات التي تهمّ المؤرّخ المعاصر» و «لكتاب «تاريخ الأزمنة» نصّان. الأوّل يبدأ بتأريخ الأحداث اعتبارًا من بدء الحملات الصليبيّة عام 1095 لغاية 1699، سمّاه الدويهي «تاريخ المسيحيّين»، و«الثاني يبدأ سنة 622 أي تاريخ ظهور الإسلام، لغاية سنة 1686، وقد دعاه الدويهي «تاريخ المسلمين». نشره الأباتي بطرس فهد سنة 1976 معتمدًا على مخطوط فاتيكان سريانيّ 215، وهو أهمّ النسخ لهذا الكتاب لأنّه منقول عن المسودّة المحفوظة في مكتبة بكركي رقم 137».
وفي تاريخ الأزمنة إنفرد بالمعلومات المتعلقة بالحملة المملوكية على جبة بشري نقلاً عن مصادر مارونية سنة ١٢٦٨، وقد أضاءت عليها في الثمانينات «جمعية لبنان الجوفي» عند إكتشافها مغارة عاصي الحدث في قنوبين وما زالت المكتشفات من ضمن محتويات المتحف الوطني في بيروت.
كيف كان وضع الكنيسة المارونية سنة ١٦٦١؟
إلى أمين سرّ المجمع المقدّس، يقول الدويهي البطاركة الموارنة يحملون إسم بطرس تيمناً بالرسول بطرس الذي أسّس كرسي إنطاكية. وفي الكنيسة المارونية حالياً أحد عشر أسقفاً، أربعة منهم من تلامذة المدرسة المارونية في روما؛ وأمور أخرى عن أحوال الرعية والكهنة والرؤساء الزمنيون. الى جانب إهتمامه بالمدرسة، واكب الرعية في كلّ أحوالها الإجتماعية والإنسانية.في أواخر ١٦٦١ رافق الأب نقولا اليسوعي في زيارته الأولى الى بلاد النصيرية (الساحل السوري) لإعانته في فهم اللغة وأحوال البلاد.
البطريرك الدويهي في حلب
لأنّ الوجود الماروني في حلب قديم العهد، يعود إلى عهد الأمبراطور هرقل(٦١٠-٦٤١)، ولغاية القرن التاسع عشر والمعلومات لم تكن وافية عن أحوال الطائفة المارونية هناك. غير أنّ الإتصال لم ينقطع بين موارنة حلب وجبل لبنان. فمَن كان يُضطهد في حلب يلجأ إلى جبل لبنان، ومَن يهجر جبل لبنان كان يجد في حلب عملاً ومسكناً. وإنّ مختلف عائلات حلب المارونية قدمت من قرى بشريّ وإهدن وبلوزا وبان وإجبع وسرعل وحدشيت وحصرون وعبدين والعاقورة وغيرها. والدليل على ذلك سجل العماد الذي يعود الى سنة ١٦٦٦، وهو أقدم سجل عماد في الشرق، الذي يذكر إسم المعمّد وإسم البلدة التي نزح منها. والدليل الآخر إسم الكهنة الذين تعاقبوا على خدمة الرعية هناك. لاقت حلب وإزدياد سكانها الموارنة إهتماماً من الدويهي فكان يوفد إليهم أفضل خريجي المدرسة المارونية في روما. وأيضاً لأنّها كانت المدينة التي تتفاعل فيها الدبلوماسية الغربية مع الشرق المسيحي والعثماني بشكل قوي. لدى وصوله إلى حلب فتح مدرسة عُرفت «بالكُتّاب المارونيّ» تخرّج منها نخبة من العلماء ومؤسّسي الرهبانيات. وفي حلب إكتشف التفاعل الطبيعي بين المسلمين والمسيحيين، على عكس ما كان يشهد من ظلم وضرائب يومية في جبل لبنان. وتسنّى له أن يعايش الجدل المعقد بين الطروحات اللاهوتية المتباينة بين الكاثوليكية والأرثوذكسيّة. وبالأخص موضوع رئاسة كنيسة روما.
سنة ١٦٦٥طلب العودة الى جبل لبنان حسبما نصّت الإتفاقية المفروضة على تلامذة مدرسة روما، والتي تقضي أن يعمل تلميذ روما ثلاث سنوات تحت إمرة البطريرك في المكان الذي يعينه هو: إمّا في جبل لبنان، أو في حلب، أو في قبرص، أو في أماكن أخرى. لكن الجواب تأخر بسبب الحرب الدائرة في جبل لبنان، أو بسبب قطّاع الطرق، أو نزوح السكان، والبطريرك نفسه كان قد ترك قنوبين ولجأ الى كسروان، فبقي في حلب حتى أيار ١٦٦٨ وتوجّه إلى جبل لبنان، ومن ثمّ إستأذن البطريرك لزيارة الأراضي المقدّسة برفقة والده وأخيه. وإثر رجوعه عيّن أسقفاً على جزيرة قبرص.
إسطفان الدويهي بطريركاً
توفي البطريرك جرجس البسبعلي في ١٦٧٠، وانتخب الدويهي خلفاً له في ١٦٧٠ وهو في الأربعين من عمره، وحصل على درع التثبيت من روما في ٨ اغسطس ١٦٧٢، لم يرضَ الجميع به باديء الأمر. إذ كان في تلك المرحلة الأساقفة والكهنة والأعيان والمشايخ والعلمانيون الموارنة يشاركون في إنتخاب بطريركهم قبل أن تبطل هذه العادة ويصبح الإنتخاب وقفاً على الأساقفة وحدهم . فالشيخ نوفل الخازن، وقنصل فرنسا وبعض المطارين إعتبروا أنّ الإنتخاب جاء على عجل ولم يؤخذ برأيهم. لكن المصداقية المسلكية التي تحلى بها فرضت نفسها واستطاع أن يفرض نفسه عن جدارة في كنيسته.
جعل إقامته في قنوبين مقر أسلافه وخلفائه من بعده حتّى سنة ١٧٩٠، غير أنّ المعارك الدائمة آنذاك، بخاصة بين الدروز والمتاولة، وبين الأمراء اللبنانيين والباشوات الأتراك، والمظالم التي يتعرّض لها، حملته على الإحتماء في المغاور والكهوف المجاورة في قنوبين، وإلى الإلتجاء إلى أماكن أكثر أماناً، مثل دير مار شليطا مقبس في كسروان، ومجدل المعوش في الشوف، وإذ لم يكن لجبة بشري حاكم ثابت فكان الدويهي يجهد ليقيم لهم رأساً مارونياً واحداً. يورد سمعان عواد في مخطوط سرياني فاتيكاني، «وكم مرّة جمع مشايخها وغضب عليهم بغير فائدة! ودعاهم ذات يوم الى إجتماع في بلدة أيطو للتداول في شؤون البلاد، وكان ذلك تحت شجرة تين. وبسبب أنهم لم يتّفقوا ولم يسمعوا كلامه طعنهم بالحرم ولعنهم وغضب عليهم».
كلّ ذلك للدلالة على إهتمام الدويهي بتنظيم كنيسته تنظيماً منفتحاً على الدروز والطوائف الأخرى، هذا التنظيم الذي أصبح تقليداً مارونياً منذ بطريركية يوحنا مخلوف، وعلى سائر الكنائس الشرقية والمرسَلين اللاتين، في الداخل، وعلى الكرسي الرسوليّ وفرنسا، في الخارج. من عمق وادي قنّوبين كان يخاطبهم ويجادلهم ويحاججهم. وهدفه كان أن يحافظ على توازن سليم بين الانفتاح على كنيسة روما ، وعلى خصائص الكنيسة الإنطاكية المشرقية التي تعيش جنباً إلى جنب مع سائر الكنائس الشرقيّة وتحيط بها شعوب كثيرة من غير المسيحييّن فجمع لها كلّ ما وصلت إليه يده من كتب ومخطوطات ووثائق، كرّس حياته، وأعطاها هويّة مشرقيّة،مطعّمة بتنظيم لاتينيّ، فالأساقفة الذين رسمهم كانوا جلّهم من المدرسة المارونية في روما.
وفي عهد البطريرك الدويهي تمّ إصلاح الرهبنات المارونيّة الرجاليّة، وتنظيمها تنظيماً لاتينياً غربياً. وبفضل شخصيته الفذّة، ومسلكيته النسكيّة، ورؤياه المستقبلية، صارت الكنيسة المارونيّة، في عهده ورشة عمل فريدة، طالت البشر والحجر. وما تزال هذه الكنيسة تغرف من معينه.
وفي حياته عايش الكثير من الحروب ومن المظالم المتعدّدة، والمتغيرات السياسية أثناء بطريركيته، إلتزم الحفاظ على مصالح شعبه والدفاع عنها أمام أعلى المنابر الدينية والسياسية. ولا تزال وثائق البطريركية المارونيّة في بكركي، وأرشيف الوزارة الخارجية الفرنسية في باريس، ووثائق مجمع إنتشار الإيمان في روما تحتفظ بمراسلاته الى الملوك وقناصل الشرق والكرسي الرسولي في روما، ومنها الكثير ضمن محفوظات السلطنة العثمانية. وفي إشارة الى بعض المراسلات التي تشرح بعض من ظروف تلك المرحلة واحدة عن المضايقات التي كان يتعرّض لها باستمرار حملته على هجر دير قنوبين، مرات كثيرة، واللجوء تارةً الى كسروان إلى كنف مشايخ آل الخازن، وطوراً إلى الشوف في حمى بني معروف، وفي كلّ مرّة كان يتدخّل أكثر من طرف خارجي وداخلي ليعود الى كرسيه في قنوبين. وفي إحدى المراسلات والي طرابلس أرسلان محمد يطيّب خاطر الدويهي في العام ١٦٩٧ بعدما أبلغه ترجمان قنصلية فرنسا عن الإعتداء على دواب قنوبين، فبعث برسالة يحثّه العودة إلى كرسيه في قنوبين:
«عرفنا أنّه صار لك تشويش خاطر، فنحن أيضاً ليس لنا رضى يصير عليك ولا على غيرك تعدي وقد نبهنا على ضابط الناحية أنّه لا بقى يتعارض دواب قنوبين ولا ساير الديورا في الجبة حواليك…».
ومن الوصف الدقيق عن شخصية البطريرك الدويهي ورد في رسالة القنصل الفرنسي في صيدا بعد عودته من زيارة لغابة الأرز في بشري في ١٤ اغسطس ١٧٠٢ وقضى في ضيافة دير قنوبين يومين، «هو شيخ مهيب، عمره ثمانون، لكنه كامل الوعي كرجل في الأربعين». وفي رسالة من السنة نفسها يأتي القنصل على ذكره قائلاً:«هذا البطريرك رجل قديس، ينفق كلّ ما يقدّم إليه على الأكثر عوزاً، ويفدي كلّ من يقع أسيراً بيد الاتراك لأنّه يخاف على شعبه من المعاملة القاسية…»
وفي شيخوخته قبيل مماته فقد حضر عيسى حمادة حاكم جبة بشري وحاول إكراهه على دفع مبلغ من المال لإيفاء ما عليه لمتسلّم طرابلس ولما لم يستجِب لكمه وكاد أن يطرحه أرضاً. فاستنجد بمشايخ آل الخازن الذين هرعوا الى قنوبين برفقة أربعمئة مسلح وساروا به إلى كسروان. بعدما غفر لعيسى تهوره ونهى الخوارنة عن البطش وجلّ ما أراده من ذلك الحفاظ على كرامة طائفته.
وترك الدويهي كسروان للمرّة الأخيرة في سنة ١٧٠٤، فوصل الى قنوبين في السادس والعشرين منه، وقد تحوّل قبره في دير سيدة مارينا المجاور لدير سيدة قنوبين مزاراً للمؤمنين.