ارتفعت حدة الجرائم التى ترتكب داخل محيط الأسرة، والتى تعرف بجرائم "الدم الأسري"، فما إن تنتهى وقائع جريمة بشعة حتى تعقبها جريمة أخرى أشد بشاعة وأكثر ألما، فسفك الدماء بات وسيلة سهلة وسريعة لانهاء الخلافات الأسرية، وأصبح حسم المشاكل بين الإخوة بالموت قتلا، ورغم اختلاف دوافع مرتكب الجريمة داخل المحيط الأسرى عن غيرها من الجرائم ذات الصلة، إلا أن تلك الجرائم تتفق دوافعها فى عدة قواسم مشتركة، من بينها الغضب الأعمى والطمع، فما إن تعلو الأصوات ويتطور الخلاف إلى شجار حتى تعقبه إراقة الدماء، ورغم أن ارتكاب جرائم القتل المتصلة بأصحاب الدم الواحد كقاتل الأخ أخيه، تسبب صدمة مجتمعية وتنذر بتفتيت الأسرة وتمزيق أوصالها وذلك لميراث الدم الذى يحمله الأبناء من بعد الآباء القاتل منهم والمقتول إذا كان لديهم أبناء، وظهور هذه الجرائم البشعة على السطح كل حين وآخر، تخلف دائمًا وراءها ما يهدد أمن واستقرار الأسرة، بل ويهدد بفنائها بعد أن يراق دم أبنائها بحق بعضهم البعض.
جريمة
لم يصغ الأخ المعاق، لنهر شقيقه ووالدته المستمر، الذين يقطنون بمنطقة طرة، لإبعاده عن التسول بالشارع، وذلك لما يسببه للأسرة من حرج بالغ بين الناس، فما كان منه إلا أن تفتق ذهنه عن حيلة شيطانية، هى التخلص من الأخ الذى يمنعه من الحصول على المال بالطريقة السهلة، وهى التسول مستغلاً إعاقته، ليستل ليلاً سكيناً من المطبخ ويدلف مباشرة إلى غرفة شقيقه ويقوم بطعنه عدة طعنات وهو نائم حتى فاضت روحه، وما إن تنبهت الأم لما يحدث حتى باغتها بطعنتين وفر هارباً، تاركاً وراءه جثة هامدة وسط بركة من الدماء، ووالدة تصارع الموت.
قوانين وعقوبات
سن قانون العقوبات رقم ٥٨ لسنة ١٩٣٧، عبر مواده طريقة التعامل مع مرتكبى الجريمة الذين يعانون من مرض نفسى أو ذهنى يؤثر بشكل ما على ارتكاب الجريمة، ولكن ذلك وفق ضوابط صارمة ودقيقة حتى لا يفلت مرتكب الجريمة من العقاب بدافع المرض النفسي.
وفقا للمادة ٦٢ من القانون
"لا يسأل جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذى يعانى من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها".
"ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذى يعانى وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسى أو عقلى أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة فى اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة".
نفسية المعاق
من جانبه يقول الدكتور فتحى قناوي، أستاذ علم كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن الدافع وراء ارتكاب جرائم الدم الأسري، لاسيما إذا كان مرتكبها يحمل إعاقة ما غير مؤثرة بالطبع على عقله، يكون فى الأساس انتقاما وشعورا بالظلم من أسرته التى ارتكب فى حقها الجريمة، لافتاً إلى أنه ربما يكون شعوره الدائم تجاههم أنهم هم السبب وراء إعاقته، وهو ما يؤثر على نفسيته بالسلب، وهذا يشكل دافعا قويا لإراقة الدماء.
ضوابط صارمة
وتابع المشرع المصرى وضع ضوابط صارمة فى التعامل مع ذوى الاحتياجات الخاصة المرتكبين الجرائم، وهذه الضوابط من شأنها التأكد من سلامة قواهم العقلية، قبل توقيع العقوبة، مشيرًا إلى أن القضاء المصرى يقوم بوضع مرتكب الجريمة من ذوى الاحتياجات الخاصة تحت الملاحظة الطبية لمدة ٤٥ يومًا، حتى يتم التأكد من عدم وجود إعاقة عقلية دفعته لارتكاب الجريمة.
فساد مجتمعي
وأردف قناوي، أن ارتكاب مثل هذه الجرائم، هو فساد مجتمعى على كل المستويات، وذلك من خلال ما ينشر ويعرض فى السوشيال ميديا والقوى الناعمة من عرض للجرائم الأخلاقية والجنائية بشكل تعليمى من خلال توضيح مراحلها للمتلقى والمشاهد، وليس ذلك فحسب بل إن المجرم فيها يكون البطل الذى تدور حوله الأحداث، فيخلق نوعاً من التعاطف معه لدى الجمهور، وهو ما يؤثر وبشكل صادم على البعض فى سهولة ارتكاب الجريمة، مثلما فعلت أمامه فى المسلسل أو الفيلم.
غياب الوعي
وأوضح أن غياب الوعى المجتمعى بقيمة الأخلاق التى من شأنها أن تحافظ على تماسك الأسرة، من أن يمزق أفرادها بعضهم بعضًا، أو أن يستحل أحدهم دم أخيه، هو ما يهدد تماسك المجتمع وينذر بفنائه وتفتته، لافتاً إلى أن الحفاظ على منظومة الأسرة لابد أن يبدأ من البيت، ومن ثم المجتمع، فالأمر ليس له علاقة بفقير أو غنى بالقدر الذى يربى النشء وأفراد الأسرة فيه على حب بعضهم بعضا.
تعظيم دور الأخلاق
وأكد أستاذ علم كشف الجريمة، انه لكى نستطيع أن نجفف منابع تلك الجرائم ونحد من ارتكابها، لابد أن تتضافر الجهود من الدولة ممثلة فى المؤسسات الدينية والقوى الناعمة، فى تعظيم دور الأخلاق، فى نفوس الناس، كقيمة لا يستطيع مجتمع أن يقف على قدميه بدونها، وغيابها بهذا الحد المذرى يهدد بفنائه، لافتاً إلى أننا يجب أن نتوقف عن نشر الجرائم التى من شأنها أن تسهل على مرتكب الجريمة عملها.