في عام 2017، أعلنت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الانتصار على تنظيم داعش الإرهابي عسكريًا في العراق وسوريا، وعلى الرغم من هذا الإعلان، إلا أن فلول التنظيم ما زالت موجودة، والتنظيم نفسه يتمدد حاليًا بقوة، وخاصة في الكثير من الدول الأفريقية، وذلك لأن القضاء على الإرهابيين أسهل بكثير من القضاء على الفكرة الكامنة التي تضخ الدم الدافئ في كيان داعش تحت ظل ورعاية البيئة الحاضنة، فيعيش في كنفها الدواعش في هناء وسرور وفي "نور على نور".
البيئة الحاضنة تتألف من تربية أسرية مظلمة مغلقة قاهرة، ونظم تعليم مقولبة تقدس التلقين والنقل والحفظ، وإعلام بلا عمق يقدم التفاهة والسطحية والمبتور. تهيئ لهم نمو وازدهار وانتشار. وإذا التفت حولك لوجدت "دواعش" كثيرين يحيطون بك. صحيح بلا تنظيم، لكن هناك خيط غير مرئي يجمعهم في أسس كراهية تبني "قبورًا" للآخر ولا تمد له جسور قبول. فتجد الدعدوش الصغير مهما تظاهر بالتسامح ووضع ابتسامات منافقة في المناسبات العامة واللقاءات العابرة، هناك جانب متكور في الكيان ومتوّرَم في القلب بمجرد أن يتم الضغط عليه، حتى يحدث الانفجار، فتجد أشباح داعشية تحتل السماء من حولك
هذه الأشباح السوداء لا ترتبط بدين أو مذهب أو طائفة، بل هي أمراض متوطنة فوق الأديان والإيديولوجيات، لأنها تنطلق من أساس واحد "امتلاك الحقيقة المطلقة والكاملة"، وبالتالي الاستحواذ على مصير البشر والحكم على مكانتهم في الدنيا ومصيرهم في الآخرة. "هذا في الجنة وهذا في النار" بيقين يفوق التأكيد الجازم الحازم. وكأن "الدعدوش الصغير" صار "ديّانًا" ومصدر كل الأحكام؟!
ولعل من أحقر صور هذا الدعدوش الذي تجده ينافق بقوة المتدين المختلف عنه، مقدمًا مظاهر ضخمة من الاحتفاء به، في حين أنه يكفر ويهين ويلعن المذاهب والطوائف التي تنتمي إلى نفس عقيدته لقلة عددهم، ولتعويض نقص نفسي ناجم عن قهر في شخصيته. الدعدوش الصغير أيضًا إذا تم منحه منصبًا، تجده يضطهد على الفور المنتمين لعقيدته حتى يظهر ذاته موضوعيًا وغير منحاز. فيظلم كثيرين بلا هوادة. الدعدوش الصغير ميكروب وفيروس متغلغل في النفوس يحتاج إلى أدوية من المعرفة والحب والتسامح. يحتاج إلى عقل نقدي يقرأ ويحلل ويقارن، ويطرح الأسئلة الصعبة، كل الأسئلة بلا خوف ولا ارتعاش.
لعله يدرك حتى إذا لم يصل إلى إجابات شافية، أن الله خلق الجميع وهو الديان وحده، وأن الأرض لا ترفض قدم إنسان يسير عليها لأنه مختلف عن الباقين. وأن القادر أن يحفظ كتابك قادر بالتالي أن يحفظ كتب الآخرين، لأنه المعني الكامل "للعدل"، والعاطي لكل البشر حرية الإرادة والعقيدة والتعبير.
إفيه قبل الوداع
"يا ختي كده ينفع وكده ينفع" فيلم طيور الظلام
"أكون أو لا أكون، هذه هي المشكلة يا ست يسرا"