قالت الإعلامية داليا عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة البوابة، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إنه برحيل البنا ورحيل الملكية ومع قيام ثورة 23 يوليو 1952 تغير النظام الحاكم في مصر وتغير حكام الإخوان؛ لكن ظلت الانتهازية فكرًا وسلوكًا متأصلًا في عقل وممارسات الجماعة، موضحة أنه بدأت العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة بشئ من الود؛ فالحكام الجدد يحلون كل الأحزاب والتشكيلات السياسية ماعدا جماعة الإخوان ومرشد الجماعة الثاني الهضيبي يعلن أنه لا خلاف او سوء تفاهم مع قادة الثورة.
وأضافت “عبدالرحيم”، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية"، أن الإخوان هم أول من أطلق على الحركة المباركة لقب الثورة المباركة، وكان سيد قطب هو صاحب التسمية، وعندما أعلن مجلس قيادة الثورة في أبريل 1953 شعار "الدين لله والوطن للجميع" بدأت بوادر الفتور والخلاف وسبق ذلك عدم حماس الإخوان لصدور قانون الإصلاح الزراعي وطلبوا رفع الحد الأقصى للملكية لـ500 فدان وهو ما رفضه مجلس قيادة الثورة؛ فالإخوان كانوا يعتقدون في البداية أنهم قادرون على احتواء هؤلاء الضباط الشبان، خاصة وأن بعضهم كان على علاقة تنظيمية بالجماعة والضباط الأحرار حاولوا تجنب الصدام مع الإخوان؛ بل عرضوا إشراك رمزين أو ثلاثة من الإخوان في الحكومة الجديدة، ولكن الإخوان رفضوا من رشحهم مجلس قيادة الثورة وأصروا أن يكون الترشيح والاختيار عن طريقهم وفي المقابل تم رفض مطلبهم.
وأوضحت أنه تصاعد الخلاف عندما طلب الإخوان في لقاء قياداتهم مع جمال عبد الناصر عرض القوانين التي ينوي المجلس إصدارها عليهم قبل إعلانها؛ فكان رد عبد الناصر الحاسم "أننا لن قبل الوصاية منكم"، وكعادتهم سعى الإخوان لفتح قنوات اتصال سرية مع السفارة البريطانية في القاهرة، وعقب اللقاء الأخير بين المرشد الثاني وعبد الناصر قرر المرشد إعادة تشكيل الجناح العسكري "النظام الخاص" وأن يكون تحت إشرافه شخصيًا، وتبدلت لغة المدح والإشادة بعبد الناصر ووصفه بالرجل الغيور على وطنه ودينه إلى "هذا البكباشي الأصفر يُمثل خطرًا على الإسلام والجماعة".
وتابعت أن المرشد صرح للوفد الذي كان معه في تلك المقابلة، وقررت الجماعة تكثيف نشاطها الدعوي داخل قوات الجيش والبوليس لإعداد العدة لحكم الإخوان للبلاد، وكانوا يعدون الضباط بالترقيات وتولي مناصب كبرى، وبث الإخوان دعوة بين طباط الشرطة بأنهم أحق من رجال الجيش بالحكم لكونهم على اتصال بالشعب، كما شرع الإخوان في إطلاق حملة دعائية ضد الثورة ورجالها وبشكل خاص ضد عبدالناصر؛ ليصدر مجلس قيادة الثورة قرار حل جماعة الإخوان في 14 يناير 1954، ليشرع الجناح المسلح والمسمي في أدبيات الإخوان النظام الخاص في التخطيط والتجهيز للمحاولة الفاشلة لاغتيال جمال عبد الناصر والتي عُرفت بحادثة المنشية في الإسكندرية في 26 يوليو 1954؛ ليدخل الإخوان في محنتهم الثانية والتي استمرت حتى تولى الرئيس أنور السادات الحكم عقب وفاة عبد الناصر في سبتمبر 1970، وفي عام 1971 أفرج السادات عن كوادر الإخوان المسجونيين (مجموعة 118)؛ ليبدأ تاريخًا من التفاهمات بين السادات والإخوان كان جوهره التنسيق واستخدام الإخوان لمواجهة حركة اليسار الشيوعي والناصري خاصة في الجامعات وبين صفوف الشباب.
وأضافت “وحصل الإخوان على مكاسب كبيرة من تفاهمهم مع السادات؛ فقد عادت مجلة الدعوة المعبر الإعلامي الرسمي عن الجماعة بعد توقف 20 سنة، وسُمح لهم بإقامة الجمعيات الخيرية والخدمية وعادت قيادات إخوانية كانت قد هربت لدول الخليج بعد الصدام مع عبد الناصر في 1954 وعادوا بثروات هائلة وأقاموا مشروعات مثلت قوة اقتصادية ومالية داعمة لنشاط ونمو الجماعة، وكان شرط السادات الوحيد والذي وافق عليه مرشد الإخوان عمر التلمساني ووعد بالالتزام به عدم قيام الإخوان بتجنيد الشباب وخاصة طلاب الجامعات، ولكن الإخوان خدعوا السادات وعملوا على تجنيد واستقطاب كوادر الحماعات الإسلامية التي بدأت تنشط بدعم ورعاية الدولة في الجامعات لمواجهة طلاب اليسار، ومن أبرز تلك الكوادر التي نجح التلمساني في تجنيدهم سرا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور عصام العريان، والدكتور حلمي الجزار، وخيرت الشاطر، وأبو العلا ماضي وغيرهم من الكوادر الطلابية والذين نجحوا في تحويل التنظيم الإخواني من تنظيم عجوز شرايينه متصلبة وعقله واهن وقدرته على الحركة شبه معدومة إلى تنظيم نجح خلال سنوات الثمانينات من القرن الماضي في السيطرة والهيمنة والاستحواذ على الاتحادات الطلابية في أغلب الجامعات المصرية ومن بعدها السيطرة على مجالس النقابات المهنية كالأطباء والمهندسين والمحامين والمعلمين”.
وبيّنت أن هذا التسلل الناعم الذي قاده التلمساني بحرص شديد ينعكس على تجنب الصدام مع رأس الدولة والنظام وما أسماه خطة أسلمة المجتمع من أسفل إلى أعلى والذي طورها وجعلها أكثر راديكالية فيما بعد فتى الإخوان الصارم المهندس خيرت الشاطر والذي كان أقرب لصقور الجماعة كمصطفى مشهور والهضيبي الابن؛ تلك الخطة التي اشتهرت بخطة التمكين والتي حاولت الجماعة عقب وصولهم لكرسي الحكم في 2012 إقامة دولة المرشد وأخونة مصر بتنفيذ خطة التمكين وأطلقوا عليها اسما كان مُثارًا سخرية الشعب المصري “طائر النهضة” أو مشروع النهضة والذي أسقطه المصريون في ثورة 30 يونيو، ونعود للسادات الذي اكتشف خدعة الإخوان وعدم التزامهم بوعدهم له ويكتشف أيضًا انتهازية الإخوان ولكن بعد فوات الآوان، بعد أن تغولت الجماعة وحلفاؤها ومن تدعمهم من جماعات وأصبحوا يشكلون تهديدًا لنظامه ولشخصه؛ ليأتي الصدام ويصدر السادات أمرًا باعتقال قيادات وكوادر الإخوان ضمن من شملهم الاعتقال في سبتمبر 1981، ولينجح بعدها بأيام مخطط الإرهاب في اغتيال الرئيس السادات في 6 أكتوبر 1981 في ذكرى احتفالات نصر أكتوبر المجيد.