الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المحب لا يستدبر أبدًا وأدبًا وعشقًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

‏حكاية الفتاة الجميلة "نظام"، مع الشيخ  الأكبر محي الدين بن عربى، كانت أكبر تحديا للروائي المبدع "محمد حسن علوان"، فى روايته "موت صغير"، والذى أجاد كتابتها بتميز شديد وأسلوب رائع،  مثلما تناول بذكاء ديوان الشيخ الأكبر "ترجمان الأشواق"، الذى أثار نقدا حادا وهجوما شديدا  وأغضب هذا الديوان كثير من الفقهاء وخاصة فقهاء حلب، وذلك بسبب ما فيه من أبيات  غزل صريحة، ولا يزال محبُّوه ولا عنوة يناقشون هذا الديوان مدحا وقدحا!

لكن الأَغرب  أنه كلما  ذكر الشيخ الأكبر محي الدين بن عربى فى كتب التراث ذكرت، "نظام" ابنة الشيخ زاهر بن رستم، والتى وصفت فى كتابات كثيرة بأنها ذات أدب وفصاحة وبيان لا يُضاهى، بالإضافة إلى ما حباها الله به من الجمال والحسن، الطبيعي والروحاني، مِمّا جذب الشيخ محي الدين إليها فكانت بينهما علاقة وُدّ ومحبة روحانية طاهرة، هكذا وصفتها   الكتابات المحبة للشيخ الأكبر.

الأجمل هو  وصف الشيخ الأكبر لها  في بداية ديوانه "ترجمان الأشواق"، بقوله:

"بنت عذراء، طفيلةٌ هيفاءُ، تقيِّد النظر وتزيِّن المحاضِر وتحير المناظر، تسمى بالنظام وتلقب بعين الشمس.. ساحرةُ الطرفِ، عراقيَّة الظرف، إن أسهبت أتعبت، وإن أوجزت أعجزت، وإن أفصحت أوضحت، إن نطقت خَرِسَ قسُّ بنُ ساعدةَ، وإن كَرُمت خَنَسَ معنُ بنُ زائدة، وإن وفَّت قصَّر السموءل خطاه.
ولولا النفوس الضعيفة سريعة الأمراض سيئة الأغراض، لأخذتُ في شرح ما أودع الله تعالى في خلقها من الحسن، وفي خُلُقها الذي هو روضةُ المزنِ، شمسٌ بين العلماء، بستان بين الأدباء، حُقَّةٌ مختومة، واسطة عقدٍ منظومة، يتيمة دهرها، كريمة عصرها.. مسكنُها جيادٌ وبيتها من العينِ السوادُ ومن الصدر الفؤاد، أشرقت بها تهامه، وفتح الروض لمجاورتها أكمامه.. عليها مسحة مَلَكٍ وهمَّة مَلِكٍ.

وأجمل ما قاله  محبُّوه في هذا الديوان  بأن الشيخ الأكبر  يعترف بحبه لـ “نظام”، ويكتب فيها الشعر ويتغنى بمحاسنها وينفذ من خلال شفافيتها إلى نور الأنوار الحق سبحانه وتعالى، مما يجعل الأمر يختلط على القارئ أغلب الوقت في ماهية المقصود بالأبيات!

 آراء متباينة ما بين مدح وقدح  وتأويل فى هذا الديوان  هى مرة  أبيات أهل الأسرار والأنوار ومرة أخرى غزل وعشق  وهناك من  يرى أن الشيخ الأكبر كان يجب أن يترفع عن كتابة هذه الأبيات رغم أن  كل من قرأها  أبدى إعجابه  بهذا النظم البديع والأدب الرفيع.

الروائى المتميز فى رواية "موت صغير" استدرج القارئ بذكاء شديد وبراعة أشد عندما بدأ يمهد للقاء الشيخ الأكبر بهذه الفتاة بعد وصوله  مكة   بسرده السهل الممتع:

"كنت أظن مكة مفتاح الروح الذي سعيت إليه من أقصى الأندلس، فإذا هي تطرق باب قلبي، كما لم يُطرق من قبل... أشعلت"، نظام "في صدري مصباحا رأيت على ضوئه زوايا في هذا القلب لم أرها من قبل؛  أركانًا موحشة، غرفًا موصدة، سراديب تراكمت فيها مشاعر لم يتسنَّ لها أن تخرج إلى الحياة التي أعيشها،سكنت خيالي، كل لحظة من يومي وليلتي، إذا كتبت تراءى لي وجهها الصبيح مع كل حرف...

يا لعينيها مثل حرف الحاء الذي ينفق فيه الخطاط نصف يومه!

يا لأنفها مثل دقة الدال إذا انتهى به السطر!

يا لشفتيها مثل وقار الثاء إذا سكتت والياء إذا ضحكت!

يا لهذا الخدش في صدغها مثل همزةٍ أفلتت من ألفها!

يا لوجهها مثل كتابٍ من نورٍ سطرته أيدي الملائكة ‫ ويا لذكائها!

لكن ‏كيف تعرف الشيخ الأكبر على “نظام” ابنة الشيخ زاهر وأحبها هنا كان لا بد للروائي المبدع أن يفكر فى حبكة روائية  مقنعة  للقارئ   وممتعة فى نفس الوقت ومطابقة لقول الشيخ الأكبر 
“المحب لا يستدبر جهة محبوبه أبدًا وأدبًا وعشقًا”.

الأسبوع المقبل بإذن الله نعرف كيف التقت الحسناء "نظام"  بالشيخ الأكبر  محي الدين بن عربي.