الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الشيطان يعظ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أستعين بعنوان أحد أعمال المبدع العظيم نجيب محفوظ، لأضعه عنوانًا لمقالي؛ لأنني رأيت أنه الأنسب لموضوع المقال. كعادته في ممارسة الكذب والخداع وقف بنيامين نتنياهو أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي، وألقى خطابًا حفل بكل أنواع الكذب. 
والمثير للدهشة ليس في أكاذيب نتنياهو، بل في الترحيب الحار والتصفيق وقوفًا لتلك الأكاذيب من قِبَل الكونجرس الأمريكي تلك المؤسسة التشريعية التي تتشدق دومًا بأنها راعية الديمقراطية والمدافعة عن حقوق الإنسان في العالَم. والسؤال الذي يخطر على البال: هل هؤلاء المشرعون مغيبون، لم يشاهدوا أو يسمعوا عن المجازر وحرب الإبادة التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة؟ هل أصاب العمى أعضاء الكونجرس الأمريكي؛ فلم يروا عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين أطفالًا ونساءً من سكان غزة الذين كانوا ضحايا القتل المتعمد من قِبَل جيش الاحتلال الإسرائيلي؟ 
ليس غريبًا أن يكذب نتنياهو؛ لأنه كاذب وقاتل. ولكن الغريب حقًا هو هذا الاحتفاء والترحيب والتصفيق المتكرر له من قِبَل أعضاء الكونجرس!! 
خطاب نتنياهو يكشف عن أن هذا الشخص هو حقًا كذَّاب ومضلل ومهزوم. إن الأكاذيب المتضمنة في خطاب نتنياهو فجة ومفضوحة، ولا تنطلي على أي مراقب منصف، حتى وإن كان يهوديًا، وهذا ما اتضح من مقاطعة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي للجلسة التي ألقى فيها نتنياهو خطابه، وكان بعضهم يهوديًا. وهذا ما تمثل في المظاهرات الحاشدة خارج الكونجرس المطالبة بالقبض على نتنياهو وتقديمه للجنائية الدولية؛ وضمت هذه المظاهرات عددًا كبيرًا من اليهود. 
إن أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين تكرر تصفيقهم وقوفًا ترحيبًا وتأييدًا لأكاذيب نتنياهو؛ هل لم يسمعوا ما قاله الطبيب اليهودي الأمريكي الجنسية الذي ذهب إلى غزة وقضى هناك أسبوعًا، والذي ذكر لشبكة «سي بي أس» الأمريكية أنه لم يشاهد في حياته أطفالًا مقطعين ومصابين كما رأى في غزة، مؤكدًا أن الجيش الإسرائيلي قنص أطفالًا بصورة متعمدة؛ بما يؤكد حالات الاستهداف الممنهج للأطفال وارتكاب جرائم حرب بحقهم. 
إن دعوة الكونجرس الأمريكي للمجرم الدولي نتنياهو وترحيب أعضائه الزائد عن الحد به؛ إنما هو بمثابة شهادة وفاة لكل الدعاوى الزائفة التي شنَّف الغرب أذاننا بها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان!! 
بدأ نتنياهو خطابه واصفًا الصراع الدائر في الشرق الأوسط بأنه ليس صراع حضارات؛ بل إنه صراع بين الهمجية والحضارة، قاصدًا بذلك أن حماس ومن يناصرها يمثلون الهمجية، وأن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأصدقائهما في منطقة الشرق الأوسط يمثلون الحضارة. هذه هى المعزوفة التي حرص نتنياهو على ترديدها طوال الوقت. إنه يقلب الحقائق دون أن تطرف له عين؛ فهو يقول: «إن محور إيران يواجه إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والشركاء العرب». ودعا في نهاية خطابه «كل الدول التي هى في سلام مع إسرائيل للتحالف مع إسرائيل وأمريكا ضد إيران». واقترح نتنياهو اسمًا لهذا التحالف؛ وهو «التحالف الإبراهيمي». واللافت للنظر في خطاب نتنياهو براعته في الخداع والتضليل، ويتبيَّن لنا ذلك من خلال النقاط الآتية: 
أولًا: يقفز نتنياهو على حقائق الواقع، ويصور حرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة وكأنها حربًا بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأصدقاء إسرائيل في المنطقة من جهة أخرى. 
ثانيًا: أشار نتنياهو طوال الخطاب إلى أن إسرائيل وأمريكا تقفان في خندق واحد، لأن هدفهما واحد، ومصلحتهما واحدة. وهذا في واقع الحال أمر معروف للكافة وليس في حاجة إلى برهان. كأن نتنياهو يحاول تعريف الماء – بعد جهد جهيد – بالماء. 
ثالثًا: كان نتنياهو حريصًا على تحريض أمريكا وتوريطها في الصراع الدائر في منطقة الشرق الوسط. والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في حاجة لمَنْ يحرضها أو يورطها؛ فهى متورطة مِنْ قِمَّة رأسها إلى أخمَص قدمها في حرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال الصهيوني بقيادة مجرم الحرب نتنياهو. 
رابعًا: كشف نتنياهو  في خطابه هذا عن أمر خطير ومُوجِع، إذ ذكر بعبارة لا لبس فيها تورط بعض دول منطقة الشرق الأوسط في مساندة إسرائيل وحمايتها في حربها ضد أهلنا في غزة، فهو يقول نصًا: 
«رأينا إشارات لذلك التحالف [يقصد التحالف الإبراهيمي] في الرابع عشر من أبريل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ وقفت عشرات من الدول مع إسرائيل لتحييد الطائرات والمسيرات التي أطلقتها إيران ضد إسرائيل». 
هذا ما صرح به نتنياهو؛ غير أن الصمت والخزي العربيين يصرحان بأكثر من ذلك. 
من الواضح أن نتنياهو مهووسًا بصورة ذهنية لرئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل الذي قاد حرب إنجلترا – خلال الحرب العالمية الثانية – ضد ألمانيا النازية؛ وصمد في وجه العدوان النازي، وصمم على تحقيق النصر. إن نتنياهو يتمثل صورة تشرشل، ويتوهم أنه سوف يحقق لإسرائيل ما حققه تشرشل من انتصار كامل لإنجلترا. والجدير بالذكر أن تشرشل ألقى 3 خطابات أمام الكونجرس الأمريكي في ذلك الوقت؛ في حين أن خطاب نتنياهو الأخير أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي هو الخطاب الرابع؛ وهو بذلك قد تجاوز عدد المرات التي ألقى فيها تشرشل خطابًا أمام أعضاء الكونجرس الأمريكي!!
لن نقف طويلًا أمام أكاذيب وافتراءات رئيس وزراء إسرائيل المجرم وزعمه المتكرر بأن قتل أي مدني هو بالنسبة لإسرائيل يُعَد مأساة، أما بالنسبة لحماس فإن قتل المدنيين يمثل استراتيجية لهم، وأن حماس تحرص على قتل المدنيين الفلسطينيين من أجل أن تُلَام إسرائيل، وتُشَوَّه سمعتها في الإعلام العالمي!!.. هل هناك صفاقة تفوق صفاقة نتنياهو؟!
لسنا مضطرون لتعقب تلك الأكاذيب والافتراءات التي وردت في خطاب نتنياهو؛ ذلك لأنها من جهة تفوق الحصر، ومن جهة ثانية هى أحقر من أن ننفق في سردها وتفنيدها وقتًا.. لأن جميعها يكشف عن أن نتنياهو كذَّاب ومضلل وداعر ومهزوم.